المقالات

رداً على مقابلة الزميل عبدالعزيز جباري مع قناة المهرية

تابعت المقابلة المتلفزة التي أجرتها قناة تبث من اسطنبول اسمها “المهرية” وهي قناة لا علاقة لها بمحافظة المهرة سوى إنها تنتحل اسمها، بل وتسخر خطابها ضد المهرة وأهلها وأهل الجنوب عامةً لكن هذا ليس موضوعنا.
في المقابلة قال الزميل النائب جباري الكثير من الكلام، بعضه لا يخلو من الصوابية والصحة ولا تنقصه الشجاعة والجرأة (بمعناها الإيجابي) في استعراض معظم تعقيدات المشهد السياسي في اليمن معبراً عن يأسه من إمكانية حدوث انفراجة إيجابية في الحالة السياسية اليمنية، لكنه بدا كالطبيب المتدرب الذي يجيد رصد الأعراض وفحص درجة حرارة المريض ونبضات القلب ومستوى التنفس وحالة ضغط الدم، بيد إنه لا يجيد تشخيص أسباب الإصابه وطرق انتقال العدوى، وما الذي أوصل المريض إلى هذه الحالة الميؤوس منها.
قبل التطرق لما لم يقله الزميل ، أشير إلى أنه أحد أعضاء مجلس النواب عن كتلة المؤتمر الشعبي العام، منذ العام 2004م، وهو من النواب المتميزين بالآراء شبه المستقلة، وبعد ثورة الشباب في العام 2011م خرج من حزب المؤتمر وكتلته البرلمانية، مثل العشرات الذين تركوا الحزب هروباً من سفينته الموشكة على الغرق، وقد أسس الزميل جباري مع الزميل محمد أبو لحوم حزب “العدالة والبناء”، كما أتذكر، لكننا لم نعد نسمع شيئا عن هذا الحزب.
وبعد مؤتمر حوار صنعاء وخصوصاً بعد الانقلاب “الحوثي العفاشي” كان الزميل جباري هو من أكثر الأسماء حضوراً في المشهد السياسي، فهو رئيس اللجنة التحضيرية لمؤتمر الرياض الأول 2015م وهو نائب رئيس الوزراء، وهو وزير الخدمة المدنية وهو مستشار رئيس الجمهورية وعضو مشاورات جنيف والكويت وهو أخيراً نائب رئيس البرلمان في اجتماع سيؤون عام 2019م، ولو أنه شارك في مشاورات الرياض لربما كان عضواً في مجلس القيادة الرئاسي.
طوال مجريات المقابلة بدا الزميل ابو وليد غاضباً متذمراً محبطاً من كل شيء وغالباً ظل طوال المقابلة ساخطاً على الجميع: دول التحالف العربي، الشرعية، المجلس الانتقالي الجنوبي، وطبعاً الحوثيين، وشخصياً قد أشاركه هذا الغضب، إذا ما كان الأمر يتعلق بحالة الناس ومعاناتهم وفشل الشرعية والحوثيين في إبراز أية أفضليات تتصل بحياة الشعبين الذين يحكمانهما، وتجعل الشعبين يختاران بينهما.
لكن الزميل العزيز بدا عاجزاً عن تفسير أسباب الإخفاقات التي يقول أن الجميع وقع ويقع فيها بما في ذلك دول التحالف العربي، (وهذا ما سأتوقف عنده في موضع آخر من هذه التناولة).
يقول الزميل جباري إن كل القوى اليمنية: الشرعية، الحوثيين، والمجلس الانتقالي، مرتهنون للخارج، ولا يمتلكون الحق في اتخاذ القرار، وفي هذا السياق ينتقد بشدة تدخُّل دول التحالف في الشأن اليمني، بيد إنه يعود ويقول لقد ذهبنا إلى أمريكا وقابلنا أعضاء مجلس النواب ومجلس الشيوخ ووزارة الخارجية الأمريكية، لكنه (كما يقول) كان جهداً فردياً ولم يسفر عن أية نتيجة.
ونلاحظ هنا أن زميلنا في حين ينتقد الاعتماد على الخارج القريب ويتذمر من تدخله في الشأن اليمني، يذهب للبحث عن الحلول عند الخارج البعيد فيقع في دائرة ما ينتقد عليه نظرائه السياسيين في الداخل، أما قوله إنها جهود فردية فلا أفهم كيف يعتبر رئيس حزب، ونائب رئيس البرلمان وبقية المسميات التي ما يزال يحتفظ ببعضها، أن ما يقوم به جهوداً فردية.
عند الحديث عن الصراع مع الجماعة الحوثية، كرس الزميل عبد العزيز حديثه لاستعراض هزائم قوات الشرعية وما أسماه “الجيش الوطني” ولم يقل شيئا عن أسباب هذه الهزائم وخلفياتها، بل يتعرض لها وكأنها لعنة سماوية أو عقاب رباني، لا أسباب له ولا منطق يبرره.
لكن وكعادة معظم الزملاء من الساسة والإعلاميين الشماليين، تجاهل الزميل أبو وليد أهم انتصار تحقق في هزيمة المشروع الانقلابي (الحوثي-العفاشي) في العام ٢٠١٥م وهو الانتصار الذي انجزه الجنوبيون في أقل من مائة يوم، مقابل الهزائم التي حققها “الجيش الوطني” خلال تسع سنوات.
فكالعادة ينظر الإخوة الشماليون إلى انتصار الجنوبيين في ٢٠١٥م على إنه مؤامرة الهدف منها (تمزيق اليمن) والعودة إلى (زمن التشطير) كما يسمونه، وكأن اليمن لم يتمزق بعد أو أنه ليس في زمن التشطير والتشظي متعدد التوجهات والأشكال.
إنني أستطيع تفهم موقف معظم هؤلاء الاشقاء لأنهم يعتبرون الانتصار الجنوبي خطراً على دولة ١٩٩٤م، ويتمنون لو أن الحوثي وحلفاءه احتفظوا بسيطرتهم على الجنوب، لكان الأمر أهون عليهم، لأنهم في نهاية الأمر سيتفاهمون مع الجماعة الانقلابية، ومنهم من قد مضى في تفاهماته مع هذه الجماعة، ولم يبق ما يعيقهم سوى الانتصار الذي حققه الجنوبيون على غفلة منهم ومن أحلامهم التاريخية.
وفي هذا الإطار نتفهم دوافع محاولاتهم المتكررة لإعادة غزو الجنوب سواءٌ جاء هذا الغزو على شكل (غزوة خيبر) أو على شكل (ذوباب المندب).
أخير ينبغي التذكير بما يلي:
1. إن سبب كل الانهيارات والإخفاقات والهزائم التي تعيشها البلد ليست لعنة سماوية ولم تأتِ بفعل تعويذة سحرية من صناعة احد المشعوذبن، بل إنها نتيجة طبيعية لغياب الدولة واستبدالها بالمشروع العائلي الذي خطط له النظام منذ العام ١٩٧٨م، وحينما حانت الفرصة التاريخية لقيام دولة مدنية تتكئ على الدستور والنظام والقانون، انصرف حكام صنعاء لتصفية الشريك الجنوبي، والعودة إلى تأمين مشروع العائلة بدلا من مشروع الشعب والوطن، وكان ما كان بعد ذلك مما يعلمه الجميع.
2. إن الانتصارات التي يتباهى بها الحوثيون ويتباكى عليها الشرعيون، لم يحققها الحوثيون بفضل تفوقهم الأخلاقي أو العسكري أو الإنساني أو حتى السياسي فهؤلاء يفتقدون لأي عنصر من عناصر التفوق، ولكنهم احرزوا انتصاراتهم فقط لأن الطرف الآخر كان أقل منهم أهلية، سياسياً ووطنياً وأخلاقياً وإنسانياً وعسكرياً وهي انتصارات السيء على الأسوأ ليس إلا.
3. إن الفشل الذي ينسبه معظم الساسة والإعلاميين الشرعيين إلى مشروع التحالف العربي لم يأت بلا أسباب، بل إن له أسباباً وعواملَ كثيرة أهمها، إن التحالف العربي راهن على مجموعة من القوى السياسية اليمنية التي ادمنت الفشل وصناعة الخيبات، وبالأحرى أدمنت الاستثمار في الحروب والصراعات السياسية، على مدى ستة عقود، وكان من الطبيعي أن تكون نتيجة هذا الرهان هي تلك النتيجة التي تمخضت عنها السنة التاسعة من عمر عاصفة الحزم، ذلك هو السبب الرئيسي مع عدم تجاهل بقية الأسباب.
4. إن الانتصار الساحق على المشروع الانقلابي المقيت، والذي حققه الجنوبيون في أقل من مائة يوم ، لم يأت نتيجة مؤامرة، فالمؤامرات لا تصنع انتصارات، بل جاء نتيجة طبيعية لتظافر عاملين أساسيين من عوامل النصر، الأول: إيمان الشعب الجنوبي بعدالة قضيته ويقين أبنائه بحتمية انتصار تلك القضية واستعدادهم لدفع ضريبة هذا الانتصار لقضيتهم، والثاني هو الدور المهم للدعم والمساندة العربيين من قبل الشقيقتين السعودية والإمارات، حينما لقي هذا الدعم من يستثمره لتحقيق الانتصار وليس لتكديس الأموال والاتجار بالعدة والعتاد وبيع الأسلحة والمواقع والإمدادات للعدو الذي يفترض أنهم يحاربونه كما فعل آخرون.
ويعلم الزميل جباري وكل زملائه الساسة أن هذا الانتصار صنعه أصحاب أسماء عملاقة يشار لها بالبنان: أمثال الشهداء علي ناصر هادي، جعفر محمد سعد، أحمد سيف المحرمي، عمر سعيد الصبيحي، منير أبو اليمامة، علي الصمدي، ثابت مثنى جواس، صالح السيد، عبد اللطيف السيد، (مع حفظ الألقاب والمقامات) وغير هؤلاء القادة الذين كانوا في خط المواجهة مع العدو، ولم يأتوا إلى الجبهات لمجرد التقاط الصور والعودة إلى فنادقهم الأثيرة، كما فعل وما يزال البعض يفعل حتى اليوم.
5. إن الانتصار الحاسم على العدو، لا يصنع في واشنطن ونيويورك واسطنبول، ولا حتى في الرياض أو أبو ظبي، مع كل التقدير والامتنان لدور العاصمتين الأخيرتين في دعم ومساندة الشعب في نضاله من أجل استعادة الدولة، بيد إن الانتصارات تصنع في الميادين والعمل مع الجماهير وحشد طاقاتها وتوطين الثقة لديها بعدالة قضيتها وحتمية انتصارها، والقيادة التي تهرب قبل جماهيرها وتترك الشعب فريسة للعدو المتوحش لا يجدر بها الحديث باسم الشعب ولا الادعاء بالانتماء إليه أو تبني قضاياه، فالشعوب تقتدي بالنموذج والسلوك والحضور الفعلي وليس بالخطابات والمقابلات المتلفزة التي لا تقدم ولا تؤخر قيد أنملة.
مع كل التحية والتقدير للصديق والزميل العزيز عبد العزيز جباري (أبي وليد) والتمنيات الصادقة له بالصحة والسعادة الشخصيتين.



المصدر

جوجل نيوز

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى