اخبار محليةعدن تايم

جريمة النشل في القانون اليمني "دراسة تحليلية مقارنة موجزة"


#تمهيد:
بعد أنتشار احدى الفيديوهات، والمبين لقيام أحد الاشخاص بنشل احدى النساء في مدينة كريتر م/ عدن، وسط زحمة شديدة في السوق، وفي سؤال لأحد الزملاء حول عقوبة النشّال: هل تقطع يده؟ وهل رأي القانون يتوافق مع رأي الفقة الاسلامي؟؟

– وأقول.. أن جريمة النشل كأحد أساليب السرقة، تتميز بطابع خاص يميزها عن غيرها من جرائم سلب الأموال، فهي تتم بتجريد الشخص من ماله الذي يحمله أثناء وجوده في مكان عام، وخلال مزاولته لحياته اليومية العادية، وهي لا تترك آثاراً عقب ارتكابها، الأمر الذي يلقي على كاهل أجهزة الشرطة عبئاً كبيراً، وهذا ما يجعل جريمة النشل أكثر جرائم الأموال انتشارًا.

– ومن هذا المنطلق، فأن السوال السابق، يحتاج الى إجابة مفصلة أكثر حتى تعم الفائدة، والأمر يقتضي تناول موضوع جريمة النشل من ثلاثة محاور: نتحدث في الاول عن مفهوم ومدلول جريمة النشل وخصائصها، ونتطرق في المحور الثاني لأركان وعناصر الجريمة وعقوبتها، ونخصص الثالث لموقف الفقة الاسلامي والتشريعات العربية والتشريع اليمني، ونختم الدراسة بوضع رأينا ومقترحاتنا قدر الإمكان.

#المحور الاول: مدلول جريمة النشل وخصائصها:
– الفرع الاول: مفهوم ومدلول النشل:
يعرّف النشل: بأنه نزع الشيء بسرعة، یقال: نشل الشيء ینشله نشلا: أسرع نزعه. والطرّ: هو القطع والشق، یقال: طرّهم بالسیف یطرّهم. والنشال: هو الذي یبط الجیب، أو غیره، ویأخذ منه، وقد جرى العرف على إطلاق كلمة النشل على نوع من أنواع السرقة، يستخدم فيها السارق يده بخفة وسرعة؛ ليجرد المجني عليه من ماله الذي يحمله في جيبه، أو بين طيات ملابسه على غفلة منه ودون شعور منه بذلك. ومن خلال تعريفات جريمة النشل، نجد أن البعض قد ركّز على أن النشل، هو سرقة تتم على مال بحيازة المجني عليه، بينما حصر تعريف ثاني على ارتكاب هذه الجريمة في أماكن محددة وهي أماكن الزحام العام، أما التعريف الثالث فقد أوضح، بأن تنفيذ هذه الجريمة يتم باليد المجردة، أو عن طريق أداة يعدها الجاني لهذا الغرض.

– أما فيما يتعلق بالنصوص في التشريعات الوضعية، وتعريفها لجريمة النشل ومنها التشريع اليمني، فقد أتضح لنا عدم وجود تعريف للجريمة في أغلب التشريعات العقابية، سوى في التشريعات العربية السوري واللبناني والاردني، حيث صرحت بعبارة النشل كنوع من أنواع السرقة، دون أن تحدد تعريفاً دقيقاً لها. ويبدو أن مسلك أغلبية التشريعات في عدم إعطاء تعريف لهذه الجريمة ومنها التشريع اليمني، هو مسلك حسن؛ لان وضع تعريف لها قد لا يخلو من ضرر، فالتعريف مهما بذل في صياغته من جهد ودقة، فلن يأتي جامعاً لكل الخصائص المطلوبة، وإن صدق ذلك التعريف في زمن، فقد لا يستمر كذلك في زمن آخر.. وفي المحصلة، وعلى ضوء ما تقدم، يمكننا تعريف النشل بأنه: ” كل فعل يباشره الجاني على شخص المجني عليه، ويتوصل من خلاله إلى أخذ مال منقول مملوك للغير، بإستعمال وسائل الخفّة والمهارة”.

– الفرع الثاني: خصائص جريمة النشل:
مما لا شك فيه، أن لجريمة النشل خصائص عديدة، تجعله يتميز عن غيره من صور السرقة، وأهم هذة الخصائص هي:

١- الخصائص المتعلقة بالنشّال:
حيث يتميز مرتكب جريمة النشل، بأنه شخص يتلقى فنون النشل، ويتدرب عليها من الوسط المحيط به، وينبع فيه تبعاً لذكائه، ومدى استعداده الشخصي، ويكتسب خبرات مبكرة، ويتعلم كيف يتكيف ويتعايش مع الآخرين؛ حتى يستطيع ارتكاب مثل هذه الجريمة. ومن أبرز هذة الخصائص:
أ- الخفة والمهارة:
فالسمة المميزة لمرتكبي جريمة النشل، هي سرعة البديهة والحركة، فالنشّال يقوم على إستخدام أشكال من المهارة والخفة؛ ليجرد المجني عليه من ماله الذي يحمله في جيبه، أو بين طيات ملابسه على غفلة منه، ودون شعور منه أو من الغير بذلك، وهذا يتطلب أن يكون الجاني على قسط وافر من التدريب، وخاصة على مواجهة المجني، عليه، وعدم الخوف أو الارتباك منه أثناء ارتكاب الجريمة.
ب- التخصص:
وغالباً ما يعتاد النشّال على إستخدام أسلوب معين للممارسة نشاطه، فيتخصص به، لأنه يكون على دراية بضحاياه، وكيفية خداعهم وسلبهم أموالهم. لذلك، نجد بعض النشّالين يتخصصون بالنشل في المواصلات العامة، أو في الأماكن المزدحمة، ولكل مكان طريقة خاصة في ارتكاب الجريمة.
ج- العمل العصابي:
تبين الدراسات بأن هناك نسبة هامة من النشالين، يرتكبون جـرائمهم بمفـردهم دون الاستعانة بأحد، كما أن هناك نسبة من النشّالين يستعينون بـأفراد عرضيين لمباشرة نشاطهم، على أن كبار النشّالين يقومون بتكـوين مجموعـات ّ على شـكل عصابات، حال مزاولتهم لنشاطهم الإجرامي؛ لتسهل لهم ارتكابها وتحقق لهم قدر مـن الأمان.

٢- الخصائص المتعلقة بالجريمة:
تتميز جريمة النشل بعدد من الخصائص تميزها عن غيرها، وابرزها مايلي:
أ- انتشارها في المدن والمناطق المزدحمة:
حيث تنتشر ظاهرة النشل في المدن الكبرى والمناطق المزدحمة، مثل الأماكن السياحية والتجارية والحفلات ودور السينما والمعارض و وسائل المواصلات، بينما يكون من العسير للغاية ارتكابها في المجتمعات الريفية، وذلك بالنظر إلى قلة الازدحام الذي يمكن أن يندس فيه النشّال.
ب- عدم ارتباطها بموسم معين:
ليس من شك بأن جريمة النشل ليست من الجرائم الموسمية التي ترتبط بموسم معين، فهي تقوم في كل مرة تتهيأ فيها للنشّال فرصة النشل. ومع ذلك، لوحظ بأن هناك أوقات ومواسم يزداد فيها حصول هذه الظاهرة، فالنشّالين يستغلون المناسبات الهامة، كمواسم الأعياد الدينية، أو القومية، أو مواسم أداء فريضة الحج والعمرة؛ لتكثيف نشاطهم الإجرامي.
ج- صعوبة كشف الجريمة وضبطها:
بالرغم من أن جريمة النشل من أبسط أنواع جرائم السرقة، إلا أن ضبطها ومنعها يعتبر من أصعب الأمور؛ ذلك لأنها تتم في ثوان معدودة، ولا تكتشف إلا بعد أن يكون المجرم قد غادر مكان ارتكاب الجريمة، فيصبح من الصعب تعقبه، أما معظم المسروقات فيها تكون في الغالب عبارة عن مبلغ نقدي، ويترتب على ذلك، أنها لا تعد دليلًا كافياً على المتهم، إذ ينكر ارتكاب الحادث، وقد يدعي ملكيته للمبلغ النقدي المضبوط. كما أن تعرّف المجني عليه على المتهم في تلك الجريمة، لا يعد دليلاً كافياً على المتهم، ما لم يؤيده دليل مادي ملموس أو شهود رؤية.

#المحور الثاني: أركان وعناصر وعقوبة جريمة النشل:
– الفرع الاول: أركان جريمة النشل:
١- الاركان العامة:
لا يمكن أن تقوم جريمة السرقة، إلا إذا توافرت لها أركانها المعروفة فقها وقانوناً وهي:
أ- الركن المادي:
وتنحصر في فعل الأخذ الذي يعني إخراج الشيء من حيازة المجني عليه، وإدخاله في حيازة الجاني. وفي هذا تتميز جريمة النشل عن الاحتيال، في نوع الوسيلة التي يستخدمها الجاني؛ للاستيلاء على مال الغير، ففي النشل تتم حيازة المال المسروق، دون رضا المجني عليه ودون علمه، بينما الاحتيال يعمد الجاني إلى خداع المجني عليه وتضليله بوسائل وأساليب، على نحو يولد لديه قناعة مخالفة للحقيقة، يدفعه إلى تسليم ماله إلى الجاني بإرادته واختياره. كما تمييز جريمة النشل عن جريم خيانة الأمانة، في حيازة الفاعل على المال محل الجريمة، ففي النشل يتم الاستيلاء على الحيازة التامة دون رضا المجني عليه، أي دون أن يسبقه تسليم ناقل للحيازة، أما في خيانة الامانه فالتسليم الإرادي عنصر أولي فيها، فالأمين يتسلم المال تسليمًا ينقل إليه الحيازة الناقصة على هذا المال، ثم يغير نيته بعد ذلك إلى حائز حيازة تامة. (كما لو طلب شخص من آخر إعطاءه هاتفه المحمول؛ لإجراء اتصال فيه ثم جرى هارباً)، فهذا التسليم لا يعطي صاحبه أكثر من حيازة ماديه صرفة للشيء، دون أن يؤتمن عليه، فإذا تصرف فيه لا يعد مسيئاً للأمانة وانما يعد سارقا.

ب- الركن المعنوي:
جريمة السرقة من الجرائم المقصودة، ولاتعرف التشريعات جريمة سرقة غير مقصودة، وإن توفر لدى المدعى عليه خطأ في أجسم صوره. والقصد الجرمي – كما هو معلوم – يتكون من عنصرين هما العلم والإرادة، وهو في جريمة السرقة يتضمن العلم بعناصر الجريمة، أي يجب أن يعلم الجاني بأنه يأخذ مال الغير بدون رضاه لحيازته والتصرف به تصرف المالك، وان تتجه إرادته إلى ذلك الفعل. وفي هذا لا تختلف جريمة السرقة عن جرم النشل في هذا الجانب.

٢- الأركان الخاصة لجريمة النشل:
بالإضافة إلى الأركان العامة لجريمة السرقة، يجب أن تتوافر ثلاثة عناصر، وهي:
أ- أخذ الشيء من شخص المجني عليه أو ملابسه:
وتتم عملية النشل مباشرة من الضحية، حيث يقوم الجاني بتجريد المجني عليه من المال الذي يحوزه، سواءً في جسده كالساعة، أو الحلي الذهبية، أو أشياء يحملها في يده، كحقيبة يد، أو كيس، أو غير ذلك، أو في ملابسه، كالنقود الموضوعة في الجيب، أو الهاتف المحمول و غير ذلك… وعليه إذا تم سلب المال من الأماكن المذكورة أعلاه. أعتبر الفعل نشلاً.. وهكذا، فان خطف جهاز الهاتف المحمول من صاحبه يعتبر نشلاً. وبالمقابل، لا يعتبر نشلاً أخذ الجهاز من حقيبة موضوعة بجانبه، كما لا يعتبر نشلاً -من باب أولى- سرقة الجهاز من دار صاحبه أو من محله.
ب- عدم إستخدام العنف:
يقوم النشل على إستخدام أشكال من المهارة والخفة للاستيلاء على مال الغير، دون اللجوء إلى العنف. ولم تحدد أغلبية التشريعات الطرق والأساليب التي تقوم بها جريمة النشل، وهذا يعني أن هذه الجريمة تقوم، سواءً لجأ الجاني في ارتكابها إلى استخدام يده المجردة، أو أي أداة للوصول إلى المال المراد نشله، كاستعمال المشرط الحاد، أو موس الحلاقة الذي لا يهدد به شخص المجني عليه، وإنما يستعمل ضد ملابسه.

– وغني عن البيان، أن اللجوء إلى الخفّة والمهارة في الوصول إلى المال، هو ما يميز جريمة النشل عن جريمة السرقة بالعنف، حيث يلجأ الجاني إلى تهديد المجني عليه بهذه الوسائل، فإذا لجأ السارق إلى أستعمال العنف أو أستعمال التهديد، فعندها يوصف الفعل بأنه “سلب بالعنف أو بالإكراه” وليس نشلاً. ومع ذلك، قد يستعمل العنف في جريمة النشل، كالتضامن بين الجاني والمجني عليه، إلا إن هذا العنف غير مقصود لذاته، ولا يهدف إلى إخافة المجني عليه، فهو عنف بسيط غايته إرباك المجني عليه.

– الفرع الثاني: عناصر جريمة النشل:
١- الشروع في الجريمة:
إن جريمة السرقة من الجرائم التي يعاقب القانون على الشروع فيها، ولو كانت من قبل الجريمة الغير جسيمة. وقد أجازت أغلبية التشريعات العقابية للقاضي، تخفيض العقوبة المفروضة في على الشروع التام حتى النصف. وهذا التمييز بين عقوبة جريمة النشل التامة وبين عقوبة الشروع فيها، يقتضي معرفة متى تكون جريمة النشل شروعاً؟ ومتى تكون تامة؟
فالشروع في الجريمة طبقاً للقواعد العامة، هو البدء في تنفيذها مع عدم تمام هذا التنفيذ؛ بسبب لا دخل لإرادة الفاعل به. والبدء في التنفيذ – حسبما أستقر الرأي في الفقه والقضاء- هو الفعل الذي يؤدي مباشرة إلى ارتكاب الجريمة، أو هو الفعل الذي يعد الخطوة الاولى في ارتكاب الجريمة، مادام قصد الجاني من مباشرة الفعل معلوماً وثابتاً. وتطبيقاً لذلك، قضت محكمة النقض المصرية بالاتي: (يعتبر شروعاً في جريمة النشل، إمساك المجني عليه يد الجاني وهي في جيبه، وقد أطبقها على المال، كما يعتبر شروعًا، إدخال السارق يده إلى جيب شخص لأخذ ما فيه، فوجده فارغاً). وتجدر الإشارة بالقول، إلى أن نظرية الجريمة المستحيلة أتت بشكل خاص في معرض السرقة، وآن الاستحالة نسبية لا تنفي وجود الجريمة. وتعتبر الواقعة شروعاً كذلك، في كل حالة لم يتحقق فيها تمام جريمة النشل، كما تعتبر تلك الجريمة تامة منذ اللحظة التي ينشئ فيها الجاني حيازة كاملة مستقرة هادئة له أو لغيره، فإذا لم تكن حيازة الجاني هادئة، توقفت الجريمة عند حد الشروع، وتعد جريمة السرقة تامة بمجرد انتقال المال من حيازة المجني عليه إلى الفاعل، ولو تخلى هذا الأخير عن حيازة المال بعد ذلك خوفاً من افتضاح أمره.

٢- المساهمه في النشل:
قد ترتكب جريمة النشل من جاني واحد وهنا لا تتحقق المساهمه، كما قد يساهم في ارتكاب الجريمة أكثر من جاني ويكون ذلك على صورتين:

– الصورة الاولى: المساهمه الاصليه:
وتتحقق في عدة حالات: الاولى/ أن يباشر عدة جناة بارتكاب فعل النشل نفسه. والثانية/ أن ترتكب الجريمة بطريقة التمالؤ، كما لو أتفق أكثر من جاني على نشل احد الاشخاص، وحضر المتفقين لمسرح الجريمة، وأخذ كل منهم دوره في الجريمة، كأن يباشر أحدهم بالاصطدام مع المجني عليه أو اغفاله عن الانتباه، ويرتكب الأخر الركن المادي للجريمة (فعل النشل نفسه)، ويراقب ثالث مسرح الجريمة للابلاغ عن تحركات المجني عليه، أو مراقبة وجود خطر على المباشر وبقية المتمالئين كحضور الشرطة أو النجده.
– الصورة الثانية: المساهمه التبعيه:
وتكون في ثلاث حالات: الاولى/ أن يقدم المساهم مساعدة سابقه أو لاحقة لمباشر فعل النشل، كمنحه مشرط أو سكين، أو أن يدربه على طرق نشل المجني عليه. والثانية/ أن يحرض المساهم التبعي المباشر أو الفاعل لارتكاب فعل النشل دون حضوره مسرح الجريمة. والثالثه/ أن ترتكب الجريمة بطريقة الاتفاق الجنائي بين الفاعل والمساهم التبعي، كآن يتفق المساهم مع الفاعل على ارتكاب جريمة النشل، كمنحه بعض المعلومات عن المجني عليه، ومحل اقامته وتحركاته ونحو ذلك. وفي كل الاحوال، فأن عقوبة المساهم الاصلي أو التبعي كعقوبة الفاعل المباشر، مالم يتبين أن كل قصد منهم يختلف عن قصد الاخر.

– الفرع الثالث: عقوبة جريمة النشل:
١- النشل جريمة آنية:
حيث تتميز جريمة النشل في أنها تتم دفعة واحدة، بحيث يتم إستخراج الشيء من حيازة المجني عليه، وإدخالها في حيازة الفاعل أو حيازة شخص آخر. وبهذا تتم جريمة النشل صورة الجريمة المستمرة، كما في سرقة الكهرباء أو الماء عن طريق توصيل الاسلاك والانابيب بأسلاك، دون أن يكون متفقا معها، إذ يستمر ارتكاب الفعل طالما استمر هذا الاتصال، وأستمر استهلاكه بغير حق. ويترتب على اعتبار جريمة النشل جريمة آنية نتيجتان:
– الاولى/ أن بدء مدة سريان التقادم، تبدأ منذ لحظة ارتكاب فعل الأخذ أو الاختلاس. – والثانية/ أن ما يقترفه المتهم من أفعال يستعمل بها سلطات الحيازة على الشيء، لاتقوم بها جرائم تالية، بل هي آثار لازمة للسرقة.

٢- تطابق عقوبة النشل بعقوبة السرقة: تقسم جرائم السرقات على أساس تأثير الظروف على طبيعة الجريمة، فمنها ما يحيلها إلى جريمة جسيمة، ونطلق عليها السرقات الموصوفة، ومنها ما يشدد العقوبة فقط دون أن يغير من وصفها كجريمة غير جسيمة، ونطلق عليها السرقات المشددة، وهذا التقسيم معتمد في أغلب التشريعات الوضعية. ولقد تباينت مواقف التشريعات العربية بين معاقب للنشل بعقوبة السرقة البسيطة، وبين معاقب للنشل بعقوبة مخففة. ويمثل الاتجاه الأول/ التشريع المصري واليمني وأغلب التشريعات العربية، فهذه التشريعات لم تقرر حكمًا خاصاً لجريمة السرقة بطريق النشل، بل جعلت عقوبة الأفعال المشكلة لهذه الجريمة، هي عقوبة السرقة البسيطة، ما لم يرافقها أسباب تخفف العقوبة، أو أسباب تشددها. أما الاتجاه الثاني/ فيمثله قانون العقوبات السوري، والأردني، واللبناني. ويبرر جانب من الفقه تخفيف العقوبة؛ في أن السارق لا يعرض المجني عليه في هذا النوع من السرقة للأذى، إذ لا يستخدم العنف في ارتكاب الجريمة، كما أن المال المسروق تكون قيمته قليلة. وبالمقابل يرى آخرون، عدم صحة هذا الموقف، حيث كان جديراً بالمشرع تشديد العقوبة؛ لإن المجني عليه يفاجأ بهذه الجريمة، ولا يستطيع الدفاع عن ماله؛ باعتبار وقوع الغدر بعدم علمه بالسرقة إلا بعد الانتهاء من تنفيذها.

#المحور الثالث: موقف الشريعة والقانون:
– الفرع الاول: موقف الفقه الاسلامي:
يؤكد الفقهاء، أن الفرق بین السرقة، وبین النشل، یكمن في تمام الحرز، بمعنى (طريقة الحفظ). والفقهاء أختلفوا في تطبیق حد السرقة على النشّال على مذهبين:
– المذهب الاول:
يساوي بین السارق و النشّال، سواء شق الكم أو القمیص، مع الأخذ منها ما یبلغ النصاب، أو الأخذ دون شق؛ لأن الإنسان یعتبر حرزًا لكل ما یلبسه، أو ما یحمله من نقود ، وهذا هو رأي الأحناف.
– المذهب الثاني:
یرى أنه إذا أدخل یده في الجیب، أو في الكم، فأخذ منهما من غیر شق، فلا یقام علیه حد السرقة؛ لعدم أكتمال الأخذ من الحرز، وهو رأي الجمهور.

– وفي رأينا المتواضع نميل الى رأي الجمهور؛ لإن آي سرقة بحد ذاتها لا تعتبر سرقة من حرز، إلا إذا تم الحفظ في حرز مثله، وهنا لابد من الرجوع إلى العرف، بحيث يقتضي من المجني عليه الانتباه المستمر على ماله، فهو بالإضافة إلى حفظه له في مكان آمن، يستوجب منه ملاحظته وتفقده، أما إذا أهمله ولم يعطه الرعاية، فيعتبر مفرّطًا فيه، والتفريط يفقده حرزيته. كما أن في اللغة السارق لا يكون كذلك، إلا إذا اقترن فعله بالتستر والإستخفاء، والنشّال لا يكون مستخفيا ولا متسترًا، بل ينتزع الشيء من صاحبه، وقد يكون على مرئ من الناس، وفي هذا شبهه قد تدرأ الحد. وهذه الحالات وما شابهها، لا يكون فيها القطع على السارق؛ وإنما يجب في حقه التعزير؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس على المنتهب ولا المختلس ولا على الخائن قطعٌ). قال الأمام أبن تيمية: (والمختلس) الذي يخالسه؛ بمعنى: ينتهز الفرصة حتى تغفل فيختلس المال.. هذا اجتهدنا المتواضع، والله أعلم بالصواب!

– الفرع الثاني: موقف التشريعات العربية:
تتجه أغلب التشريعات الوضعية، إلى إعتبار النشل احد صور جريمة السرقة، وقد اكتفت تلك التشريعات بتقسيمها كجرائم عادية، دون أن تفرد لها تسمية خاصة إلى سرقة بسيطة وسرقة مشددة، إذا رافقها ظرف من ظروف التشديد. فالمشرع المصري مثلًا، حدد جرائم السرقة المشددة، وأعتبر أن ما عداها تعتبر جرائم سرقة بسيطة، وهذا ما أكدته المادة (٣١٨) من قانون العقوبات. ومن هذا، يتبين أن جريمة النشل كأحد أساليب السرقة، تندرج تحت زمرة السرقة العادية. وبالمقابل نجد أن هناك ثلاثاً من التشريعات العربية، قد صرحت بعبارة النشل كنوع من أنواع السرقة، وهي كما ذكرنا سابقا، قانون العقوبات السوري، واللبناني، والأردني. (م٦٢٩ ) (م٦٣٦) والمادة (٤٠٧) على التوالي.

– الفرع الثالث: موقف المشرّع اليمني:
ويدخل حكم النشل في حكم المادة (300) وجاء نصها على النحو الاتي: “إذا ارتكب الفاعل جريمة سرقة، ولا تتوافرفي فعله شروط الحد أو سقط الحد لأي سبب من أسباب السقوط، وإذا لم يصاحب الجريمة إكراه أو تهديد، يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات “. وهو ما سمي (بالسرقة التعزيرية الغير جسيمة). بعكس السرقة التعزيرية الجسيمة، ونص على أركانها وعقوبتها في الماده (٣٠١) عقوبات، اذا صاحبها إستخدام القوة أو الاكراه أو التهديد، وعقوبتها لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تزيد عن عشر، وهي عقوبة مخففة بالمقارنة مع التشريعات العربية، كما نص المشرع اليمني على أركان وشروط وعقوبة السرقة الحديه المذكورة في الماده (٢٩٨) سرقة جسيمة، مع ذكر مسقطات حد السرقة طبقًا لنص المادة (٢٩٩).

– ومن نافلة القول، أن جريمة النشل من أكثر الجرائم التي يعود الجاني الى ارتكابها، مع التنويه بإن “العود” يقصد به الوصف القانونى الذى يلحق بشخص عاد إلى الإجرام، بعدما أدين بموجب حكم سابق بات غير قابل للطعن، والغريب في الأمر، أن القانون اليمني لم ينظم العود، ولا مفهومة، ولا أنواعه، ولا شروطة كما ذكرته التشريعات العقابية بالتفصيل، ومع ذلك، ذكر المشرّع عبارة (ماضي الجاني الاجرامي)، كظرف مشدد للعقاب بصفة عامه في نص المادة (109) عقوبات، كما ذكر بعض أثار العود، في النصوص الداخلة في باب العقوبات التكميلية، كوضع الجاني تحت مراقبة الشرطة مدة سنه على الأقل أو سنتين على الأكثر، أو تقديم كفيل لحسن السيرة والسلوك، أو عدم إرتياد أماكن معينه، أو الإيداع في أماكن علاجية، اذا كان الجاني صغيرا، ونحو ذلك… وتجدر الاشارة بالقول، أننا تناولنا موضوع العود بالجريمة في دراسة مستقله، فيمكن العودة تجنبًا للتكرار!

#النتائج والتوصيات:
١- النتائج:
من خلال دراستنا لجريمة النشل، وجدنا أنها أسلوب من أساليب ارتكاب جريمة السرقة، ولهذا الأسلوب خصائص عديدة، تجعله يتميز عن غيره من صور السرقة، وتتعدد هذه الخصائص بتعدد التعريفات الفقهية لهذه الجريمة، كالاستيلاء على المال محل السرقة مباشرة من شخص المجني عليه دون رضاه، والاستيلاء على المال عن طريق الخفّة والمغافلة، وأن يقع الفعل في الأماكن العامة، أو وسائل المواصلات.
كما تبين لنا من هذه الدراسة، تباين موقف التشريعات الوضعية من هذه الجريمة. فأغلب التشريعات الوضعية، لم تعتبرها جرماً مستقلاً يختلف عن جريمة السرقة العادية وعاقبتها كذلك، ومنها القانون اليمني!! أما التشريعات التي نظمت أحكام هذه الجريمة، فاختلفت بين مشدد لعقوبة السرقة عن طريق النشل، كما هو حال المشرع السوري واللبناني، ومخفف لها كما هو حال المشرع الأردني.
– وفي الاجمال، وللاجابة على التساؤل الذي وضع في مقدمة الدراسه، فأن ضابط الحرز هو العرف، فسرقة جهاز الهاتف الخلوي بحد ذاته، لا يعتبر سرقة من حرز، إلا إذا تم حفظ الجهاز في حرز مثله، و هنا لابد من الرجوع إلى العرف. حيث أن المتعارف عليه، بأن جهاز الهاتف الخلوي، محمول بحوزة صاحبه دائمًا، بحيث يقتضي منه الانتباه المستمر في ملاحظته؛ لأنه يتعرض للسقوط أو للسرقة بسهولة، فهو بالإضافة إلى حفظه له في مكان آمن، يستوجب منه ملاحظته وتفقده، أما إذا أهمله ولم يعطه الرعاية، فيعتبر مفرّطًا فيه، والتفريط يفقده حرزيته، وبالتالي، لا تكون عقوبة النشّال في لقطة الفيديو المذكور هي عقوبة قطع اليد، ويستعاض عنها بعقوبة التعزير بالحبس مدة لا تجاوز ثلاث سنوات.

٢- التوصيات:
من خلال هذه الرؤية الشاملة لجريمة النشل، كأسلوب من أساليب السرقة، نجد أن أغلب التشريعات العربية، تشددت في العقوبة على النشّال، ولذلك نوصي (المشرع اليمني)، بتشديد العقوبة أكثر مما هو منصوص عليه، وذلك للأسباب التالية:
١ – كثرة وقوع مثل هذه الجرائم، وما تنطوي عليه من استهتار بالقانون وإخلال بالأمن.
٢- عدم توفر الفرصة للمجني عليهم للاحتماء برجال السلطة العامة أو طلب النجدة
٣- ما توحي به أساليب النشل من تأصل الفاعل في الإجرام وخطره.
ولمجمل هذه الأسباب، فإننا ندعو المشرع اليمني، إلى تشديد عقوبة هذه الجريمة؛ لضمان الطمأنينة والأمن لدى الأفراد على ممتلكاتهم التي في حيازتهم أثناء حركتهم اليومية.
هذا والله أعلم، وهو الموفق للصواب.

المستشار/ د. صالح عبدالله المرفدي
عضو المحكمة العليا للجمهورية

المصدر

جوجل نيوز

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى