ورقة ضغط حوثية لتحصيل اكبر حصة من ايرادات صافر
دفع الهجوم الحوثي على منشأة صافر، ملف النفط إلى وجهة المشهد اليمني، كورقة ضغط تستهدف حصول المليشيا على أكبر حصة من الإيرادات لتمويل أنشطتها.
ورغم أن وزارة الدفاع اليمنية حددت بدقة موقع انطلاق 3 طائرات مسيرة مفخخة للحوثيين لاستهداف منشأة صافر النفطية بمحافظة مأرب يوم الجمعة الماضية 23 أغسطس/آب الجاري، وذلك من نقطة واقعة بين بلدتي دحيضة وقرن الصيعري شرق مدينة الحزم في الجوف الخاضعة للمليشيات إلا أن المليشيات أنكرت ذلك.
وزعمت مليشيات الحوثي أن من نفذ الهجوم كيان مجهول أسمته “أحرار قبائل عبيدة” وأن العملية “عبارة عن رسائل تحذيريه أولية” وهددت بـ”استهداف الآبار والمنشآت النفطية بصورة مباشرة”.
ويعد الهجوم الأخير دلالة جديدة على عبث مليشيات الحوثي والتي لن تتورع في تنفيذ مخططاتها بشكل مباشر أو غير مباشر ضمن عقلية المحصلة الصفرية التي تسببت في انكماش الاقتصاد بشكل حاد منذ هجماتها التي تبنتها رسمياً على منشآت تصدير النفط في أكتوبر/تشرين الأول 2022 مما أدى إلى توقف كامل لتصدير النفط الخام، وأثر على 85% من دخل الحكومة الشرعية.
الدلالات وحرب الإضعاف الممنهجة
يرى خبراء اقتصاديون في تصريحات لـ”العين الإخبارية” أن الهجمات الحوثية ضد منشأة النفط والغاز “صافر” تعد محاولة جديدة لتصعيد الحرب الاقتصادية، بهدف القضاء على آخر مصادر إيرادات النفط والغاز للحكومة.
وأكدوا أن الهجوم الأخير على منشأة صافر النفطية، يندرج في خانة إضعاف الحكومة اليمنية تدريجياً من مصادر قوتها، بعد استهداف موانئ تصدير النفط شرقي البلاد، في وقت لا يزال الحوثيون يرفضون الدخول في أي نوع من الحوار مع الشرعية.
واعتبر الخبير الاقتصادي اليمني وفيق صالح، أن الاستهداف الحوثي لمنشأة صافر النفطية، يأتي في إطار استمرار الحرب الحوثية ضد الاقتصاد الوطني والموارد العامة وامتداد لقصفها منشآت تصدير النفط الخام في موانئ الضبة بمحافظة حضرموت، والنشيمة بمحافظة شبوة وأدت إلى توقف تصدير النفط الخام وحرمان الدولة من عائدات النقد الأجنبي.
وقال صالح لـ “العين الإخبارية” إن “دلالة العدوان الحوثي يأتي بعد قرابة شهر من الإعلان عن اتفاقية خفض التصعيد الاقتصادي بين الحكومة ومليشيات الحوثي تحت رعاية الأمم المتحدة، والتي كانت الحكومة تأمل أن تساهم هذه الاتفاقية بالسماح لها بتصدير النفط الخام مجددا بعد توقفه منذ أكتوبر/تشرين الأول 2022”.
وأضاف “وبالتالي يكشف هذا الاستهداف عن عدم جدية المليشيات الحوثية في إنجاح تنفيذ هذه الاتفاقية الاقتصادية، وإنها مستمرة في استهداف كافة الركائز الاقتصادية للحكومة الشرعية حتى لا تقوى على البقاء”.
واعتبر صالح “معاودة الحرب الاقتصادية من جانب مليشيات الحوثي ضد الموارد العامة، يبدد الآمال لأي محاولات لرفع معاناة الشعب اليمني في الجانبين المعيشي والاقتصادي، لاسيما وأن استخدام الحوثيين للورقة الاقتصادية كورقة حرب منذ 9 أعوام، قد ألقت بتداعيات كارثية على الأوضاع المعيشية في كل البلاد”.
وأدت حرب الحوثي إلى حرمان أكثر من مليون موظف في المناطق الواقعة تحت سيطرته، من الحصول على رواتبهم لأكثر من 7 سنوات، فيما ظلت شركة صافر النفطية، تُزود اليمنيين في مختلف المحافظات والمناطق بمادة الغاز المنزلي وبأسعار مناسبة، واستطاعت أن تتخطى كل المخاطر لاستمرار عملها كمصلحة سيادية إلا أن “الإجرام الحوثي” -وفقاً لوفيق- يأبى أن يرى أي مصالح ومكتسبات إنتاجية للشعب اليمني.
وتُنتج منشأة صافر النفطية يومياً من 70 إلى 75 مقطورة من الغاز المنزلي، ونحو 8 آلاف ألف برميل من النفط يومياً، بحسب إحصائيات رسمية.
التداعيات والتوقيت
من جهته، يقول أستاذ علم الاقتصاد في جامعة عدن، الدكتور سامي نعمان، إن هجمات الحوثيين بالطيران المسير على “صافر” أهم منشأة نفطية، وفي هذا التوقيت، تعد محاولة تهديد واضحة للحكومة اليمنية، بأن الحوثيين لهم القدرة على ضرب أي هدف في المناطق المحررة، دون النظر لأي تبعات قد تخلفها بالاقتصاد الوطني أو بمصالح المواطنين.
ويضيف لـ”العين الإخبارية” أنه “إذا كان الهجوم نجح، سوف يسبب مشكلة اقتصادية كبيرة للحكومة المعترف بها، حيث أن منشأة صافر هي المنتج الرئيسي للغاز المنزلي، وأي توقف للإنتاج يعني توقف توريد الغاز لكافة مناطق الشرعية، والذي سيثقل الموازنة العامة للدولة”.
وفي المقابل، باتت المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون تعتمد على الغاز المستورد من إيران وهو أحد أنواع الدعم المقدم لذراعها الحوثي في اليمن، حيث لا يبالي الحوثي باستهداف صافر والإضرار ببقية المحافظات، بحسب ما يؤكد نعمان.
كما “تعد منشأة صافر المزود للنفط المكرر أو ما يسمى محلياً بترول السيارات في محافظات مأرب وشبوة، وبعض المناطق المحررة، حيث كان سيؤدي قصف مصفاة صافر إلى إيقاف توريد النفط الخام ومشتقاته إضافة إلى الغاز المنزلي، ما يعني أن موارد الدولة ستقل بشكل كبير جدا”.
وعلاوة على ذلك، أشار الخبير اليمني إلى أنه “يجب على الحكومة أن تدرك أنها منذ إيقاف الحرب والبدء بعمليات التفاوض لم تحقق أي إنجاز على الأرض مع مليشيات الحوثي، خاصة وأن الحوثيين غير جادين في السلام، وإنما ينفذون أجندة خارجية وهم مسلوبي القرار. لذلك؛ يجب على الحكومة النظر في الحل العسكري كونه الخيار الوحيد لها أمام هذه المليشيات التي ترفض مسار التفاوض والسلام”.
الأزمة الاقتصادية تتفاقم
وعلى الرغم من فشل الهجوم الأخير لمليشيات الحوثي ضد منشأة النفط صافر، إلا أنه يدلل على بقاء التهديدات وأنها لا تزال مستمرة وتشكل خطراً كبيراً على قطاعي النفط والغاز في البلاد.
وهذا ما حذر منه الخبير الاقتصادي اليمني فارس النجار، حيث أن “استمرار محاولات الحوثيين استهداف منشآت النفط والغاز، حتى وإن فشلت، يُظهر مدى خطورة الوضع والتحديات الكبيرة التي تواجه الحكومة الشرعية في حماية هذه المنشآت الحيوية والحفاظ على استقرار إمدادات الطاقة في البلاد”.
وأضاف لـ”العين الإخبارية” أن “فشل الهجوم الحوثي على منشأة “صافر” النفطية، لا يقلل من خطورة الوضع، إذ لابد على الحكومة من زيادة إجراءات حماية هذه المنشأة الحيوية، حيث أن قد تلجأ المليشيات لتكرار المحاولات لاستهداف صافر، تحت يافطات مختلفة والذي يثير القلق بشأن إمكانية حدوث تعطيل أكبر للإنتاج في المستقبل، مما سيفاقم من الأزمة الاقتصادية”.
وأوضح أن “التوقيت الدقيق لمحاولة الهجوم يعكس استراتيجية الحوثيين لإضعاف الحكومة اليمنية في وقت تعاني فيه البلاد من تضخم تجاوز 40% وانخفاض حاد في قيمة العملة المحلية”.
وتابع: “على الرغم من فشل الهجوم، فإن التوقيت كان مدروسًا لتعزيز الضغوط على الحكومة المعترف بها في فترة حرجة، حيث تحاول الحكومة جذب استثمارات دولية وإعادة بناء الاقتصاد في المناطق المحررة”.
وأشار إلى أن “الحوثيين سيستمرون بشن مثل هذه الهجمات منها قد لا تعلن رسميا تفديا للغضب الدولي وذلك كوسيلة للضغط على الحكومة المعترف بها في أي مفاوضات مستقبلية”.
خيارات ضرورية
يؤكد النجار، أنه يمكن للحكومة اليمنية اتخاذ عدة خطوات لمواجهة التحديات التي تفرضها الهجمات الحوثية على منشآت النفط والغاز، حتى وإن كانت محاولات الهجوم قد فشلت كما حدث في مأرب. من بين هذه الحلول، تعزيز الدفاعات حول المنشآت الحيوية لحمايتها من الهجمات المتكررة سواء الصاروخية أو الطيران المسير.
كما يمكن للحكومة اليمنية “استخدام أدواتها الاقتصادية، من خلال فرض عقوبات اقتصادية على مليشيات الحوثي، مثل تحديد قائمة بأسماء الأفراد والكيانات التجارية وفرض عقوبات محلية ودولية لتجفيف منابع تمويلها، كما يمكن أيضاً اللجوء إلى وقف استيراد بعض السلع، وتحويل نشاط الحاويات عبر ميناء عدن، وذلك بالتنسيق مع المجتمع الدولي، للضغط على الحوثيين اقتصادياً”.
وقال النجار إنه “يجب على الحكومة تصعيد قضية استهداف منشآت النفط والغاز، في المحافل الدولية لزيادة الضغط على الحوثيين وداعميهم، وكسب دعم أكبر من المجتمع الدولي، يمكن أن يشمل ذلك الدعوة لعقد جلسات خاصة في مجلس الأمن الدولي لبحث التداعيات الاقتصادية والإنسانية للهجمات الحوثية”.
إضافة إلى الحلول المذكورة، أكد النجار، أنه يمكن للمبعوث الدولي الخاص إلى اليمن أن يلعب دوراً حيوياً في الضغط على الحوثيين للعودة إلى المسار التفاوضي وفقاً لخارطة الطريق التي رعتها الأمم المتحدة.
وكانت هجمات الحوثي التي شلت موانئ تصدير النفط قبل عامين كبدت الحكومة اليمنية أكثر من ملياري دولار خلال 18 شهراً فقط، وفقا لرئيس الوزراء اليمني أحمد مبارك في تصريحات سابقة.