المناضل سالم عبدالله ياسين ..حياةٌ زاخرة بالنضال.. ورحيلٌ هادئ
غادرنا الأربعاء 30 اكتوبر 2024م بهدوء ودون ضجيح فارس من فرسان الثورة الأوكتوبرية ورعيلها الأول الذي صال وجال في ميادين النضال، الفدائي ورجل الدولة المناضل اللواء سالم عبدالله سالم ياسين القعشمي بعد حياة حافلة كرسها في النضال لخدمة وطنه وشعبه، منذ شبابه المبكر، إذ بدأ نشاطه الوطني في مستهل الستينيات في مدينة (كريتر) في تأسيس (رابطة أبناء يافع) التي كان ضمن ثلة من مؤسسيها الطلبة ممن نضج وعيهم الوطني، ومثلوا حالة متقدمة في التعامل مع القضية الوطنية، ومنهم، كما جاء في مذكرات عضو الرابطة المناضل سالم صالح محمد، كل من: محمد صالح مطيع، فضل النقيب، سالم صالح محمد، سالم عبدالله ياسين، محمد مانع العيسائي، عوض عثمان أحمد. وجاء أسم الرابطة تيمناً برابطة أبناء الجنوب العربي التي كان لها تأثيرها ودورها في انتفاضة 1958م. وكان أيضاً من مؤسسي جبهة الإصلاح اليافعية، ومنها التحق بالجبهة القومية منذ تأسيسها باسمه الحركي (ياسين) الذي أطلق عليه أثناء مرحلة الكفاح المسلح وأصبح يُعرف به، بل وطغى على لقبه الأسري (القعشمي). وقد كان ضمن رجالات القطاع الفدائي التابع للجبهة القومية التي شاركت مع بقية الفصائل الوطنية الفاعلة بتحرير جنوبنا الحبيب من الاحتلال البريطاني، وانضوى كغيره من الفدائيين في المجموعات الفدائية، التي كانت تنشط بسرية تامة، بحيث لم يكن بمقدور إحداها ان تتعرف على الأخرى.
ويذكر المناضل صالح فاضل الصلاحي (عمران) في ذكرياته أنه تعرف على الفدائي سالم عبدالله ياسين في الفترة الفترة التي قضاها في مدينة عدن وأبين في القطاع الفدائي مع عدد من الفدائيين في مجموعات أخرى، يذكر ممن قابلهم: محمد صالح مطيع. عبد الله الخامري، عبد الملك إسماعيل، عادل خليفه، المقبلي، وانور خالد، محمد سعيد عبد الله محسن، عبد العزيز عبد الولي، سالم عبد الله ياسين، عبد الوارث الإبّي، أحمد صالح عبده، عبود، عبد النبي مدرم، حامد مدرم،حسين عبد الحبيب والحاج صالح باقيس، عبد الرحمن هزاع، عبد الرب علي مصطفى، علي سالم يافعي، الخضر مسودي، ومنهم من أستشهد ومنهم من قضى نحبه ومنهم من لا زال على قيد الحياة.
وكان الفدائي (ياسين) أحد الأبطال الذين لا يتهيبون الصعاب ويندفعون بحماس لاجتراح المآثر البطولية، ولهذا كان ضمن مجموعة الفدائيين والعسكريين لإسقاط منطقة كريتر عدن حيث تم الاستيلاء على معسكر الأمن “معسكر عشرين حالياً”، في 20يونيو 1967م إضافة إلى الاستيلاء على السجن وتحرير السجناء، وبعدها تم قطع الطريق من عقبة عدن والمحكمة ، وبشهادة الفدائي (عمران) كان المناضل المقبلي، من أبناء الضالع، أبرز القادة الذين خططوا وقادوا عملية الاستيلاء على معسكر”20” واسقاطه بيد الثوار، بالإضافة إلى سالم ربيع علي الذي كان مكلفا من قبل القيادة العامة في قيادة عمليات اسقاط عدن. وهناك عدد من أفراد القطاع الفدائي المشاركين سواء مدنيين أو عسكريين يتذكر منهم: سالم عبدالله ياسين والباخشي والمبرقي وغيرهم.
بعدها تمكنت الجبهة القومية من منع دخول القوات الإنكليزية إلى مدينة كريتر لمدة عشرين يوماً، وقد استشهد في هذه المواجهات أحد الفدائيين في عدن، هو الشهيد علي سالم البري من يافع، وكان حينها مسئولاً عن نقطة عقبة عدن. كما استشهد الفدائي عبد النبي مدرم من منطقة امشعه في أبين الذي كان مسئولا عن الفدائيين في كريتر عدن أثناء الفترة الأخيرة من الكفاح المسلح.
وكان ياسين بشخصيته القيادية الهادئة المؤثرة قد جذب إلى صف الثورة العديد من العناصرت التي تأطرت على يديه والتحقت في تنظيم الجبهة القومية وقطاعها الفدائي، ومنهم من صار لاحقاً في قيادة الصف الأول.
وبتحقيق استقلاله في 30 نوفمبر عام 67م الذي كان أحد صناعه الأبطال، أسهم ياسين في بناء الدولة الوطنية والدفاع عنها من خلال المواقع القيادية التي شغلها طوال العقود الماضية، إذ تدرج في مناصب تراتبية في وزارة الداخلية وكان آخرها وكيلاً لوزارة الداخلية، ثم مستشارا بالوزارة.
وبعد حركة التنقلات للقيادات الأمنية عُين ياسين مديراً عاماً لشركة التجارة الداخلية، إحدى كبرى شركات القطاع العام، وحققت تحت قيادته نجاحات ملموسة في توفير متطلبات المواطنين في الجنوب من الغذاء والملبس والضروريات والكماليات بأسعار زهيدة وموحدة في عموم البلاد.
ويحسب للعقيد سالم عبدالله ياسين مواقف وطنية كثيرة يتذكر احداها مدير تحرير صحيفة الراية العسكرية الرائد عيدروس باحشوان ، خلال مرافقة الوفد القادم من صنعاء برئاسة العقيد لطف الثور ، نائب مدير المؤسسة الاقتصادية الى المرافق الاقتصادية والتجارية في عدن للاطلاع على تجاربها ، وعند لقاء الوفد الشمالي بمدير شركة التجارة سالم عبدالله ياسين، وأثناء التعرف على تجربة الشركة وفروعها ومبيعاتها، سأل أحد أعضاء الوفد اليمني : كم معاكم زلط ?!. استغرب سالم ياسين من السؤال. لكن رده كان مزلزلاً : “دحين جئتم تسألوا على الزلط ، والاَّ كيف نؤسس معاً قاعدة عريضة للقطاع بين الشركة والمؤسسة”. فاعتذر الثور عن سؤال صاحبه.
إن مسيرة ياسين وإسهاماته النضالية والاجتماعية والسياسية والأمنية حافلة بالنجاحات والعمل الدؤوب، وقدم طوال مسيرته النضالية والعملية الغالي والنفيس لخدمة وطنه وشعبه، واستحق لذلك التكريم من قبل قيادة الدولة، إبان جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، حيث منح الفقيد وسام الشجاعة تقديراً لأدواره النضالية والوطنية وعدداً من الأوسمة والميداليات التقديرية.
وأعطى الفقيد ياسين المناضل البطل اللواء الركن سالم عبدالله ياسين اهتماماً خاصة لمنظمة مناضلي الثورة اليمنية والشهداء التي كان أميناً عاماً لها، وسعى من خلالها لمتابعة قضايا المناضلين وأسر الشهداء بهدف حصولهم على الحقوق المشروعة المقرة في الأنظمة والقوانين، وحثهم على التوثيق التاريخي لأدوارهم النضالية سواء في حرب التحرير والعمل الفدائي أو في بناء الدولة الوطنية والدفاع عنها، وظل منافحاً مخلصاً عن حقوقهم المشروعة حتى لقي ربه راضياً مرضياً..
ولا أدري هل دون مذكراته خلال مراحل حياته ونضاله التي لا شك أنها ستضيف صفحات مجيدة إلى سفر تاريخنا الوطني المعاصر.
نسأل الله تعالى أن يتغمده بواسع الرحمة والمغفرة، وأن يلهم أهله وذويه ومحبيه الصبر والسلوان.. وإنا لله و إنا إليه راجعون..
الأسيف:
#علي_صالح_الخلاقي