تقرير خاص : الأطماع الدولية ومطالب شعب الجنوب بالحقوق والخدمات هل تتعارض مع حقهم في استعادة دولتهم؟

لماذا باتت الأطماع الدولية معضلة كبرى تواجه الجنوبيين في طريق استعادة دولتهم؟

ما علاقة الأطماع الدولية بموقع الجنوب الاستراتيجي وطريق الحرير؟

هل أصبح الجنوب بموقعه الاستراتيجي وثرواته النفطية محط أنظار الأطماع الدولية؟

هل صارت هذه الاستراتيجية معضلة لنيل شعب الجنوب حقه في استعادة دولته؟

ستسقط الأطماع الدولية وينتصر الجنوب

لا شك بأن هناك أطماعًا للدول الكبرى بمنطقة الخليج العربي بشكل عام، والجنوب العربي بشكل خاص، وذلك لما يحتله الجنوب من موقع استراتيجي بين آسيا وأوروبا، إذ يعتبر أحد أهم طرق الحرير القديمة التي تربط الخليج بالهند وغيرها من دول آسيا وأوروبا، حيث كان ولا يزال محط أنظار الدول الكبرى.

أزلية الأطماع الدولية:

ومع اكتشاف النفط وما يحويه الجنوب العربي من احتياطي نفطي أكسبه ذلك أهمية استراتيجية، بالإضافة إلى موقعه الاستراتيجي، ورغم أزلية الأطماع الدولية والإقليمية بدول منطقة الخليج العربي إلا أنها حافظت على بقاء شخصيتها وهويتها العربية الإسلامية، بفضل الله أولاً ثم بتماسك الموقف العربي، وكذا بنشوب الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي بزعامة الاتحاد السوفييتي، والغربي بزعامة أمريكا، التي شكلت توازن القوى الدولية آنذاك، والذي كان له دور محوري بحماية دول الخليج من التدخل العسكري المباشر، فكان المعسكر الشرقي يرفض الوجود العسكري الغربي المباشر في المنطقة، وكذلك الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون يمنعون النفوذ السوفييتي في منطقة الخليج.

تحديات من نوع جديد:

لكنها اليوم – أي دول منطقة الخليج العربي – تواجه تحدياً من نوع جديد، وتحتاج إلى استراتيجية جماعية للمحافظة على وجودها، تتمثل أولاً بتوحيد الموقف العربي على جميع الأصعدة، لإحقاق حقوق الشعوب العربية، ومنها حق شعب فلسطين، وحق شعب الجنوب باستعادة دوليتيهما، لاسيما ودولة الجنوب العربي لا يزال مقعدها شاغراً في الجمعية العمومية للأمم المتحدة، والتي تشكل علامة فارقة في أهم جزء من المنطقة المتمثل بموقعها الاستراتيجي والحيوي الهام، إضافة إلى ما تمتلكه من الثروات المتنوعة والضخمة التي تختزنها باطن أراضيها.

حق الجنوبيين المكفول بالقانون الدولي لاستعادة دولتهم:

إن مصلحة الدول العربية بشكل عام، ودول الخليج العربي وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة بشكل خاص، باعتبارهما الثنائي العربي الممسك بالملف اليمني، الوقوف مع حق شعب الجنوب العربي، المتمثل باستعادة دولته، وهذا الحق يكفله القانون الدولي والمواثيق والمعاهدات الدولية، إذا ما أرادت تأمين عمقها الاستراتيجي، وإضافة قوة أخرى إلى دولها، وإلا ستظل تحت التهديد المتواصل، والابتزاز الغربي الأمريكي من جهة، والابتزاز الإيراني وأدواته في المنطقة، من جهة أخرى.

مصالح الدول الكبرى واستعادة دولة الجنوب:

وإذا ما كانت الدول الكبرى المشرفة على الملف اليمني تبحث عن تبادل المصالح المشتركة والمتكافئة، فهي في وقوفها مع  شعب الجنوب العربي صاحب الأرض والحق، وليس بتعمد ترحيل الاعتراف بحقه المتمثل بدولته الجنوبية، وبتأجيج الصراع بدعم أطراف دخيلة تم استجلابها وفرضها عليه، أما إذا كان هذا السيناريو التي تتبعه يأتي في إطار الأطماع، والتسابق للهيمنة على الجنوب لاستثمار ثرواته، والتحكم بموقعه الاستراتيجي وممراته المائية الهامة، مستغلين غياب العدل والقانون الدولي، الذي أنتجته هيمنة القطب الواحد على العالم، فسوف تطال هذه الهيمنة جميع دول المنطقة، ولن يكون هناك أحد بمنأى عن هذه المخطط الاستعماري الجديد القديم، وما الجنوب العربي إلا البداية للسيطرة والهيمنة الاقتصادية والسياسية التامة على جميع دول المنطقة الخليجية والعربية ككل، والتي ترى منها منطلقاً استراتيجياً لقطع الطريق على القوى الاقتصادية الجديدة الصاعدة وبقوة مثل الهند والصين اللتان تسعيان إلى ربط أكثر من 40 ٪ من دول العالم بطريق الحرير الجديد، للتسويق والتبادل التجاري، لاسيما بعد فقدان دول الغرب وأمريكا الأمل بتحقيق أهدافها من الحرب الروسية الأوكرانية، المتمثلة بإضعاف الدب الروسي واستعادة السيطرة على جزيرة القرم، والتحكم بالبحر الأسود، الذي يعد أحد طرق الحرير التجارية القديمة والجديدة، رغم دعمها العسكري السخي واللامحدود لأوكرانيا، والذي شكل عبئا كبيراً على هذه الدول وعلى شعوبها، وهو ما عجل اندفاعها باتجاه منطقة الخليج لتعويض خزائنهم التي أفرغها الإنفاق الكبير والضخم على هذه الحرب، وكما هو معلوم بأن الحروب بين الكبار هي حروب اقتصادية، وأهداف الحروب السياسية والعسكرية التي تختلقها، وتمولها الدول الكبرى في اي دولة من دول العالم لتحقيق مكاسب اقتصادية، عملاً بالقول من يسيطر على منابع الاقتصاد ويتحكم بمصادره، وطرق التسويق التجارية ، يسيطر ويتحكم بالعالم أجمع.

موقف عربي لكسر هيمنة القطب الواحد:

ولهذا إذا ما كان الموقف العربي موحداً، وعلى مختلف الأصعدة والمستويات، سيشكل قوة عالمية أخرى داعمة لسياسة عالم جديد متعدد الأقطاب، ويعجل بكسر هيمنة سيطرة القطب الواحد.

وهذا يتطلب صحوة عربية لتوحيد الموقف العام، والذي يتجلى أولاً بالوقوف مع حقوق الشعوب العربية القابعة تحت الاحتلال، ومنها الشعبان الفلسطيني والجنوبي، إذا ما أرادت الشعوب والأنظمة العربية الحاكمة إعادة العزة والكرامة، والقوة للشعوب العربية والإسلامية بشكل عام، والتحرر من الهيمنة الأجنبية، ومن سياسة الابتزاز المذلة التي تمارسها الدول الغربية الكبرى وأمريكا على دولنا العربية، وللحفاظ على المقدرات، والقرار العربي المستقل.

مطالب شعب الجنوب بالحقوق والخدمات لا تسقط حقه السياسي باستعادة دولته:

ومن جانب آخر نتساءل: هل تتعارض المطالبة بحقوق وخدمات شعب الجنوب مع المطالبة بالحق السياسي المتمثل باستعادة دولته؟!

هذه أحد الأسئلة التي تتكرر على ألسن الكثير من الجنوبيين بمناسبة، ومن دون مناسبة، لكون هذا التساؤل يأتي كما يقال قيض من فيض، نتيجة الأوضاع المتردية التي يعيشها شعب الجنوب في مختلف مناحي حياته، نتيجة الحرب الشاملة والممنهجة التي فرضتها عليه منظومة الاحتلال والفساد اليمني المسماة بالشرعية، وليس هناك ما يبرر استمرارها، وحرمانه من أبسط  الخدمات والحقوق المشروعة التي تكفلها كافة الشرائع السماوية والقوانين الوضعية، ويدان مرتكبيها  بجرائم حرب ضد الإنسانية ويقدمون أمام محكمة الجنايات الدولية، وفق القانون الدولي ،وهو ما كان ينبغي أن يكون سواء قبل او بعد انخراط قيادته السياسة في العملية السياسية، وبالحوارات مع هذه المنظومة، والتي تعلقت جميع الاتفاقات معها، وبشكل اساسي وذات أولوية قصوى لمعالجة الملف الاقتصادي ورفع المعاناة عن كاهل شعب الجنوب، من خلال إجراء إصلاحات اقتصادية شاملة لتوفير متطلباته الخدمية، ومنحه جميع حقوقه المشروعة، لكن للأسف وكما عشنا ولمسنا ما ترتب عن تلك الاتفاقات، إلا كل سيء، ومضاعفة المعاناة لشعب الجنوب، بما فيها المشاورات التي أفضت إلى تشكيل مجلس رئاسي بالمناصفة، وقبلها بالحكومة، إلا أنها لن تنتج إلا مزيدًا من المعاناة والحرمان  لشعب الجنوب، وباتت أوضاعه على شفا الانهيار التام، حيث لم يعد هناك درجات متعددة ومتفاوتة لأوضاع الشعب كما كانت، وكما توجد عادة في مختلف المجتمعات وشعوب العالم، بل أصبحت طبقتين فقط: طبقة الأغنياء، التي تمثل اللصوص والفاسدين وكبار التجار والمسؤولين، وطبقة الفقراء وهم الغالبية العظمى من مختلف فئات وشرائح المجتمع.

وهذا الوضع لا يمكن له أن يستمر، ولا يقبل التأجيل والترحيل مهما كانت المبررات، والدواعي لاسيما وعائدات ثروات الجنوب وإيرادات موارده كفيلة بتغيير أوضاعه 360 درجة إلى الأفضل، إذا ما تم إحالة الفاسدين إلى المحاكم، وأُحسن استغلالها، وترشيد صرفها.

قدرات الانتقالي الجنوبي لتغيير الواقع:

وهذا ما نطالب به قيادة الانتقالي الجنوبي باعتباره ممثل شعب الجنوب، والحامل السياسي لقضيته، ونثق بأن لديه الكثير من الحلول والإمكانات لتغيير الواقع هذا، ورفع المعاناة عن كاهل شعبنا والذي استطاع أن يحسن التعامل مع تعقيدات المرحلة التي يمر بها شعبنا الجنوبي، واستغلال تواجده وصلاحياته في الرئاسي والحكومة، لخدمة وطنه وشعبه، حيث بمقدوره وقف الفساد المستشري والقاتل، بإحالة كل الفاسدين إلى المحاكم والنيابات، وبمقدوره فرض النظام والقانون ومبدأ الثواب والعقاب، وإصلاح الاختلالات الحاصلة في مختلف المجالات، وترتيب الوضع الداخلي الجنوبي، وغيرها من الخطوات التي بإمكانه القيام بها، دون تؤثر على المسار السياسي المتعلق باستعادة الدولة الجنوبية، وفي الوقت نفسه يعد القيام بهذه الخطوات ضرورة حتمية تقتضيها المصلحة الوطنية الجنوبية، إذا ما أردنا بناء أسس وركائز الدولة المنشودة التي يناضل شعب الجنوب في سبيلها منذ قرابة ثلاثة عقود.