المقالات

الذكرى السنوية الاولى لوفاة د. إبراهيم عبد الرحمن أحمد


بقلم: د. وليد عبدالباري قاسم صالح
أستاذ التاريخ الحديث المشارك – كلية المجتمع – عدن

يصادف يوم السبت الموافق السابع من أكتوبر 2023م الذكرى السنوية الأولى لوفاة الدكتور إبراهيم عبدالرحمن أحمد
إبراهيم عبد الرحمن أحمد هو أبن الشيخ عبد الرحمن أحمد إمام مسجد العيدروس، الشيخ عثمان، ولد عام 1952م في مدينة الشيخ عثمان محافظة عدن ، حيث تلقى تعليمه إلابتدائى و المتوسط في المدرسة الشرقية وأنهى تعليمه الثانوي في ثانوية عبود عام 1973م. وفي ذلك العقد الزاخر بالزخم الثوري وتحديدا لما عرف بالمرحلة الانتقالية للثورة الوطنية الديمقراطية ، الشعار الذي رفعته القيادة العامة للتنظيم السياسي الجبهة القومية والمتمثل في تعزيز مبدأ التسيير الذاتي والاعتماد على الموارد البشرية والمادية الوطنية وتحقيق الاكتفاء الذاتي نحو استقلالية القرار والسلطة السياسية والاقتصادية في بناء الدولة الجديدة بجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية.
كان واحداً من تلك القرارات هو تكليف المتخرجين من الثانوية العامة بتأدية الخدمة الوطنية الاجبارية لمدة عام في المحافظات الريفية وفقا لتوجهات السلطة الجديدة لنشر التعليم في الارياف ولتغطية الفراغ في نقص الكادر التعليمي. إستجابة لذلك النداء الوطني تقدم الشاب إبراهيم عبدالرحمن بكل حماسة وإخلاص لتأدية واجب الخدمة الوطنية كمدرس في قرية عدن حمادة ، بمحافظة الضالع في عام 1973م. حيث خدم لمدة عام دراسي كامل في تعليم التلاميذ الشغوفين بالعلم والمعارف للعهد الجديد وعلى يد أبناء الوطن حيث أقبل ابراهيم بهمة كبيرة على تدريس مادة الفيزياء والرياضيات لتلاميذ المرحلة الاعدادية وهناك تعرف على زميله الجندي في الشرطة الشعبية صالح شائف ونشأت بينهما صداقة تاريخية مميزة سنترك الحديث عنه لزميله صالح شايف لتناولها في متسع الذكريات. ونكتفي هنا باستذكار ماربطتنا به الايام بحكم صلة القربى ( كون ابراهيم أبن عمنا الغالي) من تميز نشاطه الكبير والمتحمس من خلال عملية إجترار تاريخ تنشئته المبكرة لمرحلة المراهقة كما عرفنا من أحاديثنا الشخصية بما أنه كان محبا لنشاطاته المغامرة والاستكشافية، حيث أنخرط في سلك الكشافة لمرحلة ما قبل الاستقلال حيث كانت الحركة الكشافية نشيطة في عدن، وتستوعب أطفال المدارس المتوسطة ولاحقا الثانوية وكانت تلك النشاطات تتضمن برامج وفعاليات متعددة لرفع المهارات وتنمية المواهب التي أجاد الكثير منها أبراهيم والتي تعلمنا منه الكثير خلال فترات الاجازة الصيفية.
وبسبب تنشئة إبراهيم الدينية على يد والده عبد الرحمن أحمد والذي ساهم في إعطاءه الفرصة لإقامة الصلاة في المسجد حيث أعطاه هذه المرتبة الرفيعة وذلك لحفظه القرآن الكريم والحديث الشريف والسيرة النبوية وهو ما خلق فيه نموذج الشخصية القيادية المعززة بروح الايثار وحب فعل الخير ومساعدة الاخرين كما تحلى بشخصية مرنة ونجيبة وعلى قدر عالي من الذكاء والتفوق الدراسي، ولاحقا بعد وفاة والده وتحقيق الاستقلال وإنتشار الافكار الثورية الجديدة الداعية للتغيير والتحرر من الحقبة الاستعمارية وتطور نشاط الحركة الطلابية في عدن وتوسع المدارك للمفاهيم السياسية المنتشرة بين الشباب أنذاك وهو ماساعد على تقليص هوة التواصل بين ابناء الريف والمدينة حيث ما زلت أتذكر العلاقة الطيبة التي نشأت بين ابراهيم وصديقه في المدرسة الثانوية عبدربه شليل من أبناء لودر والذي كنت التقيه في بيت والدنا بالشيخ عثمان – شليل رحمه الله درس في رومانيا الطب وتوفى عام 1995- كل ذلك ساعد على تعزيز التوجهات الشخصية للحبيب ابراهيم لدراسة العلوم والسعي لخدمة الوطن وتحقيق الرفاه له وكان يعتقد أن ذلك سيكون من خلال التعليم والتعليم وحده في تطوير الانسان كأداة محركة رئيسة للتطور والتحرر، وهكذا تحقق حلمه في نيل منحة في العلوم الجيولوجية من الاتحاد السوفيتي انذاك وفي جامعة الصداقة مع الشعوب (باتريس لومومبا) بموسكو، حيث غادر للدراسة وتمكن من إنجاز تحصيله الدراسي وفي زمن قياسي ووفقاً للخطة الاكاديمية المقررة لمدة ستة أعوام والعودة لخدمة الوطن.
بعد عودته الى عدن عام 1980م تم تعينه في دائرة الاستكشافات النفطية المعدنية والتي مازال مبناها الرئيسي في منطقة المعلا دكة بعدن إن لم تخني الذاكرة.
مما استذكره من ذاكرتي البسيطة مع أبن عمي ابراهيم حيث كنت أنذاك في مرحلة الاعدادية أنه كان محبا وشغوفاً بتخصصه في المسوحات الاستكشافية للمعادن، حيث شارك في النزول إلى محافظات الجمهورية المختلفة أنذاك (لحج وأبين وشبوة وحضرموت والمهرة وسقطرة)، فقد كان يعود الينا بعد كل رحلة محملا بعدة نماذج وعينات من الاحجار البركانية والمعادن وغيرها من التى اتى بها كنماذج صغيرة وكان يعلمنا عن أسماء هذه الصخور والمعادن المتواجدة فيها والمناطق التي استخرجها منها. لقد تراك لدينا في منزل الوالد الشهيد عبد الباري قاسم متحف للصخور التى جمعها إبر اهيم – رحمة الله – ولن أنسى دوما ما كان –للاسف- يحلم به ويحدثنا عن أن أرضنا غنية بكل تلك الثروات المعدنية، وأن بلادنا ستكون من أغنى الاوطان عندما نتمكن من إستخراج هذه الثروات وتحت قيادة سياسية حكيمة ومخلصة لتنمية الوطن.
في معرض إستذكار مسيرته الدراسية أعرف انه كان نشيطاً حيث زار الكثير من مدن الاتحاد السوفيتي وخلق علاقات جميلة مع الكثير من طلاب العالم الذين كانوا يتهافتون للدراسة في الاتحاد السوفيتي – من أسيا وافريقيا وأمريكا الاتينية بالاضافة الى المبتعثين من الوطن العربي- وللأسف الشديد لا يسعفنا الحيز للحديث لتناول مشاركته في ذكرياته لمرحلة الحياة الطلابية في جامعة (باتريس لومومبا) إلا انه بعدما عاد ظل بنفس الروح الشبابية وربما جذور تنشئته في فرق الكشافة ظلت باقية كمراهقة متأخرة لديه لأنه ظل محبا للعمل الشبابي وظل متجددا في روحه الشبابية ولهذا أصبح عضوا بارزا في قيادة العمل الشبابي – منظمة أشيد- في محافظة عدن رغم التزامه بالمهام في حقل ممارسته المهنية الاختصاصية في هيئة الاستكشافات المعدنية ، بعد الوحدة اليمنية أبتعث لمواصلة دراسته العليا (الدكتوراه) حتى نالها في العام 1997م. وبسبب الظروف المأزومة والذمار الذي لحق بعدن والجنوب بعد حرب 1994م، و الاحداث الاجرامية التاريخية الذي دمرت تباعا المجتمع اليمني شمالاً وجنوباً، كانت تلك الحرب بإرتدادتها الكبيرة على شخصية ابراهيم مؤثرة جدا ، فلقد ظل منبوذاً في الخارج، لإعتبارات إنتمائه للحزب الاشتراكي اليمني – حيث اصبح عضوا في اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي اليمني- وولائه للافكار والمبادئ الثورية التي كان متعلقا بها بشكل رومسني كبير.
لم تتحقق عودته الا بعد التسويات لاتجاهات المصالحة مع مطلع عقد الالفية حيث عاد إلى عدن و إلى نفس مؤسسته في هيئة الاستكشافات المعدنية ليؤكد روح الانتماء المهني والوطني، وظل على علاقة طيبة مع الكثير من زملاءه وأصدقاءه ورفاق عمله، كما ظل مسكوناً بالعمل الحزبي والسياسي، لكننا لسنا بصدد تتبع سيرته السياسية بقدر ما نحاول ان نتذكر إبراهيم كأخ وصلة قربة لكونه أبن عمنا، فقد كان نموذجاً للودية والتسامح والفطنة وسعة الاضطلاع بما كان متميزاً به لحبه لقراءة الادب والعلوم وهذه الصفات قل ماتجدها في شبابنا وكوادرنا اليوم ، عندما اتحدث عن ذلك فأنا اتحدث عن ما يقرب أربعين عاماً مضت، وأتذكر كيف كان يحلم ابراهيم بمجتمع وأجيال متعلمة مستنيرة طموحة للتطوير والرقي بنمط حياتها وبكرامة وعزة وافتخار بماضيها وحاضرها وتطلعاتها المستقبلية. ربما حبيبنا الفقيد أبراهيم شأنه شأن الكثير من جيل الثورة الوطنية في السبعينات والثمانينات التي كانت مسكونة بأحلام بعضا منها قد لايكون واقعيا وربما قد دمرت بسبب ما لحق بمتغير دفة الاتجاه السياسي في منظوره العالمي والذي القئ بظلاله الكاسح والمدمر ليس عليهم في بلد المنشأ ولكن حتى علينا في بلدان فلك التوابع.
الرحمة والسكينة والسلام على روحك الطاهرة الحبيب العزيزأبن العم أبراهيم ونظل معك على الامل في حلمك الوردي الجميل لوطن وشعب حر وسعيد.



المصدر

جوجل نيوز

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى