المقالات

مدى جواز الجمع بين عقوبة الإعدام تعزيرًا وعقوبة الدية الشرعيه؟

ينص القانون اليمني صراحة، على جواز الجمع بين عقوبة الإعدام تعزيرًا، وبين عقوبة الدية الشرعية، وفقا لنص المادتين (٢٣٤ و ٢٣٥ عقوبات)، وفي مقابل ذلك، قد يستغرب البعض “من وجهة نظرنا المتواضعه” والتي تشير في خلاصتها، بعدم جواز الجمع بين هاتين العقوبتين، وإن حكم الجمع بين العقوبتين. مخالف لفلسفة تطبيق العقوبات في الشريعة وفي القانون كذلك، للاعتبارات الاتية:

١- بصفة عامة الجمع بين العقوبات يخالف سياسة العقاب في الشريعه والقانون، فالأصل أن لكل جريمة عقوبه أساسيه، وفي حال سقوطها لإي سبب شرعي أو قانوني، يمكن تطبيق العقوبه البديله عنها.. وتبعًا لذلك، تكون الدية عقوبة بديله، إذا درئ القصاص، والتعزير عقوبة بديله، إذا درئ الحد أو القصاص، وعلى هذا الآساس، يمكن أن تكون الديه عقوبة بديله عن الاعدام تعزيرًا أو العكس، لكن بالمقابل لا يجوز الجمع بين عقوبة التعزير بالاعدام، وبين عقوبة الديه الشرعيه.

٢- أن تصورنا واجتهادنا يقوم على أساس، أن الجريمة لوحدها هي القتل، ونتيجتها واحده هي الوفاة، ومرتكبها الجاني لوحده، وموجهة ضد مجني عليه واحدٍ، وهذا على العكس عند تعدد الجرائم الى جانب جريمة القتل، أو في حال تعدد المجني عليهم، أو تعدد النتيجة الاجرامية، أو في حال كان التعزير بالحبس.. وفي هذة الحالات جميعاً، يجوز الجمع بين عقوبة التعزير بالاعدام وعقوبة الديه.

٣- بالعودة لكتب الفقه الاسلامي، سنجد أنه لم يرد في آراء الفقهاء من يجيز الجمع بين عقوبة الاعدام تعزيرا، وبين عقوبة الديه لجريمة قتل واحده ومجني عليه واحد… وترتيباً على إتفاق الفقهاء بعدم جوز الجمع بين عقوبة الإعدام قصاصًا، وبين عقوبة الديه، فكيف يجمع المشرع اليمني بين عقوبة الاعدام تعزيرا، وبين عقوبة الديه الشرعيه؟!

٤- سيجيب بعضكم، ان عقوبة الديه حق خاص، والاعدام تعزيرًا حق عام.. واجيب: أن المقرر في الفقة العقابي الشرعي والقانوني، يمنع الجمع بين عقوبتين كل منهما على حدة تعتبر عقوبة اساسيه.. صحيح أن الديه عقوبة بديله للقصاص، لكنها عقوبة أساسيه في حال عدم توافر شروط الحكم بالقصاص أو في بتطبيقه.

٥- من المنطقي والمستساغ عدم جواز الجمع بين عقوبتين، اذا كانت احدهما تستغرق الاخرى، وهذا الوضع ينطبق على عقوبة الإعدام تعزيرا وعقوبة الديه، فهل من المنطق أن نلزم المدان بدفع الديه، ثم نطبق عليه عقوبةالاعدام تعزيرا، كما أنه غير مقبول أن نلزمه بتنفيذ العكس؟!

٦- من حيث الأصل الشرعي، لا يجوز الجمع بين الاعدام قصاصا والاعدام تعزيرا، كما لا يجوز الجمع بين الاعدام قصاصا والحكم بالدية الشرعية، وتأسيسًا على ذلك ومن باب أولى، لا يجوز الجمع بين الاعدام تعزيرا، والحكم بالدية الشرعيه. ولا يعني هذا بالمقابل، عدم جواز الجمع بين عقوبة الدية والحبس تعزيرا، لان إجازة الجمع بينهما؛ تستند لاعتبار آن كل عقوبة على حده لا تستغرق العقوبة الاخرى ولا تنسخها!

٧- أن التأصيل الشرعي للاعدام تعزيرًا أساسه هو، خطورة الجرائم التي ترتكب على المجتمع بصفة أوليه، لا على الاشخاص بصفة خاصه، وهو ما يطلق عليها (بجرائم القتل سياسة)، وقد وردت في كتب الفقه الاسلامي على سبيل الحصر “عند الرأي الراجح”، وهي: الاعدام تعزيرا للتجسس، أو المبتدع في الدين، أو الساحر المرتد الكافر المُصرّ على فعله، أو اللوطي، أو شارب الخمر لرابع مره، أو السارق لخامس مرة، أو لتاجر المخدرات، أو للقاتل المعروف بالشر، أو القاتل بالخنق أو برمي المثقل. وهناك رأي مرجوح، يجيز الاعدام تعزيرًا بصفة عامة، في حالة ارتكاب الجرائم الخطرة المضرة بالمجتمع أكثر من الاشخاص. وفي جميع هذة الحالات، يقدم الحق العام على الحق الخاص، وعلى هذا الآساس، يكون الحكم تعزيرا ومنه “الاعدام”، مقدم على الحكم بالإعدام قصاصًا، ومقدم بنفس الوقت، على الحكم بالديه في حال سقوط القصاص..

٨- الملاحظ أن هذة الحالات، الواردة في البند السابق، وردت اغلبها في نصوص متفرقه في القانون، لكن لم يرد ذكرها في نص الفقرة الثالثة من المادة (٢٣٤ عقوبات)، فكل ماورد فيها هي عبارة عن ظرف مشددة شخصية، أما تعود للجاني. أو المجني عليه، أو لاسلوب ارتكاب الجريمة، أو للنتيجة الإجرامية، والحالة الوحيدة التي تستند على التأصيل الشرعي في كتب الفقه، هي كون الجاني معروفا بالشر!

٩- ومن جانب أخر قد يقول البعض، أن الديه تعتبر تعويضا لأولياء الدم من الناحية المادية؛ لتشفي غليلهم عن دم مورثهم..؟! ونجيب، أن الديه ليست تعويض، وإنما عقوبه بديله للإعدام قصاصًا، فكيف نجعلها عقوبه أساسيه ونجمعها الى جانب الاعدام تعزيرا؟! ومع ذلك، ولمعالجة هذة المسألة، بإمكان المحكمة أن تتدارك هذة النقطه، بالحكم بتعويض أولياء الدم عن مورثهم، بما يعادل مقدار قيمة الديه أو ينقص أو يزيد على ذلك كتعويض مدني، وليس كعقوبة، وبالاستناد لنص المادة (٨٠ عقوبات)، وتطبيقًا لقاعدة (مالحقهم من خسارة، وما فاتهم من كسب).

١٠- إن الاجتهاد أو القياس في الجمع بين العقوبات الأساسية لجريمة قتل واحده، ضد مجني عليه واحد، ونتيجتها واحده وهي الوفاة، هو أمرًا خطير للغايه، بل أن الاجتهاد في العفو، أو التخفيف في العقاب، هو أمر محمود في الشريعة وفي القانون، وهذا ثابت بالادله والبراهين الشرعيه ولا يمكن انكاره! وفي هذا الإطار، لم تعرف الشريعه مسألة الجمع بين عقوبة الاعدام تعزيرًا مع عقوبة الديه، إلا اذا تعددت الجرائم على المجني عليه، أو كانت نتيجتها الاجرامية متعدده.. أمًا إذا كانت العقوبة هي القصاص فيما دون النفس، فيسوّغ للحاكم أو من ينوبه أن يجمعها مع عقوبة التعزير بالحبس، إذا كان في ذلك مصلحة وفائدة تعود على الفرد والمجتمع، بحيث لم تجد فيهم العقوبات المقدرة من الشارع جدوى من الاكتفاء بها.

#الخلاصة:
لكل ما تقدم ذكره، ينبغي أن نحرص في حال ارتكاب جريمة من الجرائم، فيجب ان تكون عقوبتها مقدرة، ولا نتشهى في الاجتهاد بالجمع بين العقوبات، أو التعدي على محارم الله بالمصالح المزعومة، بل أن التخفيف في العقاب أو الخطأ في العفو، أهون من الخطأ في المعاقبة، أعمالًا لقوله (ص): “فإن وجدتم لمسلم مخرجا، فخلوا سبيله، فإن الإمام أن يخطئ في العفو، خير من أن يخطئ بالعقوبة”. وفي الاجمال، نوكد لكم بأننا قد بذلنا الجهد واستفرغنا الوسع، ولم نجد رأي في الفقه الاسلامي، يجيز الجمع بين عقوبة الاعدام تعزيرا، وبين عقوبة الديه الشرعيه، وإذا وجد آحد منكم هذا الرأي، فيشير لنا عليه، ويحدد أسم الكتاب، وأسم الكاتب؟؟

#التوصيه والاقتراح:
في حقيقةً الأمر أن دمج النظام الشرعي العقابي مع النظام القانوني العقابي، قد أوجد عيوب واختلالات في النص القانوني، المنظم لجرائم القتل العمد، ومن هذا المنطلق، نهيب وندعو المشرع اليمني، بإعادة صياغة نص المادتين (٢٣٤ و ٢٣٥ عقوبات)، وذلك بطريقة الفصل بين جريمة القتل التي تستوجب عقوبتها الاعدام قصاصًا، وبين جريمة القتل التي تجيز للمحكمة أن تطبق عقوبة الاعدام تعزيرًا، أو الحبس المشدد، و وفقًا للتفصيل الاتي:

– يتناول النص الاول/
جريمة القتل العمد الذي يستوجب فيها الشرع تطبيق عقوبة الاعدام قصاصا، وفي حال تحقق العفو من ولي الدم مطلقاً، أو مجانا، أو بشرط الدية، أو مات الجاني قبل الحكم حكم بالدية، على أن يتطرق النص لشروط وضوابط الحكم بالقصاص، وأسباب سقوطه وموانعه، بحيث تحرك النيابة الدعوى الجزائية، ولا يحكم بها إلا بتقديم آحد أولياء الدم دعوى القصاص بالنفس، وتظل موقوفه إجرائيًا الى حين تحقق علمهم برفع الدعوى، ثم يحكم فيها وفق لما ظهر أمام المحكمة، ما عدا القضايا التي ثبت للنيابه، أن أولياء الدم جميعهم قصّر، أو عديمي الاهليه ومن في حكمهم.. أو في حال ثبوت عدم وجود ورثه للمجني عليه بأي صورة كانت، فترفعها النيابه، وتطالب بعقوبة الحبس تعزيرا، وتحكم المحكمة به وفقا للقانون، وينفذ الحكم، ويفرج عن المدان بعد انقضاء مدة الحبس، وفي حال ثبوت ظهور ولي الدم، فيحق له المطالبه بالقصاص أو الدية أو العفو.

– بينما يستعرض النص الثاني/
جريمة القتل العمد الذي يجيز فيها الشرع تطبيق عقوبة الاعدام تعزيرًا، أو الحبس المشدد الذي يصل الى ٢٥ سنه كحد أقصى؛ نظرًا لتوافر الظروف المشددة المذكورة في الفقرة الثالثة من المادة (٢٣٤ عقوبات)، ويطبق فيها النظام القانوني لشروط وإجراءات نظر الدعوى في الحق العام والحكم به، على عكس نظرها وفق شروط وضوابط الحق الخاص.

وتنطوي وجهة نطرنا هذة؛ الى صعوبة دمج تطبيق النظام الشرعي بالنظام القانوني في جرائم القتل العمد، لعدة إختلافات: اولها/ إختلاف شروط وضوابط وإجراءات نظر دعاوى جرائم القتل قصاصًا عن جرائم القتل تعزيرا، وثانيا/ إختلاف قواعد الاثبات في كلا النظامين، وثالثا/ تجنب الجمع بين عقوبة الإعدام قصاصًا مع الاعدام تعزيرًا، وكذلك تجنب الجمع بين الاعدام تعزيرا مع الحكم بالديه الشرعيه؛ للاعتبارات والاسباب المذكورة في البنود السابقه
هذا تصوري، والله أعلم بالصواب!

* صالح عبدالله المرفدي
عضو المحكمة العليا للجمهورية
دكتوراه القانون الجنائي
جامعة عين شمس.


المصدر

جوجل نيوز

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى