اخبار محليةعدن تايم

«قادمون يا أقصى»: كيف تستثمر القاعدة وإيران القضية الفلسطينية؟

بالتزامن مع الأحداث الجارية في فلسطين، على خلفية هجوم حماس الدامي في السابع من أكتوبر ضد إسرائيل بغلاف غزة، وما تبعه من حرب مدمرة لإسرائيل على غزة، تم طرح تساؤلات عن حقيقة الشعارات المعادية لإسرائيل التي ترفعها تنظيمات إرهابية وجماعات مسلّحة متشددة، سنية وشيعية.

على سبيل المثال، يحرص تنظيم القاعدة في جزيرة العرب بشكل دائم على تذييل كل إصداراته المرئية والمقروءة بعبارة “قادمون يا أقصى”، كما كرّس التنظيم الصفحة الأخيرة من مجلة “إنسباير” التي كان يصدرها باللغة الإنكليزية (بين عامَي 2010 و2017) لإعادة التأكيد على التزامه بتحرير الأقصى، في إشارة إلى أن تحريره من أولوياته أو من أهدافه الرئيسية.[1]

على صعيد التفاعل مع عملية 7 أكتوبر، نشر تنظيم القاعدة في اليمن بيانًا في ٩ أكتوبر2023، بعنوان “بشأن عملية طوفان الأقصى المباركة”، أشاد فيه بالهجوم ونسبه إلى “كتائب القسام” دون ذكر حركة “حماس”. وناشد التنظيم دول الجوار الفلسطيني إلى مساندة الفصائل في الداخل على خلفية كونهم الأقرب جغرافيًا إلى فلسطين. كما دعا الفصائل الفلسطينية إلى الوحدة ونبذ ما “يورّث الفرقة والخلاف بينكم وبين إخوانكم المسلمين”.[2]

يحرص تنظيم القاعدة في جزيرة العرب بشكل دائم على تذييل كل إصداراته المرئية والمقروءة بعبارة “قادمون يا أقصى”  

من جانبه دعا تنظيم القاعدة (الأم) أنصاره والمتعاطفين معه إلى شنّ هجمات ضد أهداف يهودية. وقال التنظيم في بيان أصدره قبل أيام عبر قنوات الدعاية التابعة للتنظيم “ليمتد الجهاد ضد اليهود المعتدين وحلفائهم إلى كل أرض وبحر وسماء”، مضيفا أنه يتعين على “أبناء الإسلام” مهاجمة “الصهاينة” في أماكن مثل شوارع دبي وأبوظبي والسعودية والبحرين. حسب ما ورد في البيان.[3]

لكن، هل يبدو ما تضمّنه البيان منسجما مع الواقع العملي بالنسبة إلى تنظيم القاعدة فيما يتعلق بإسرائيل؟ 

الواقع والشعارات 

برغم أنّ تنظيم القاعدة يضع نشاطه داخل البلدان العربية والإسلامية، في سياق التمهيد لهدفه؛ “تحرير الأقصى”، على اعتبار أن أنظمة هذه البلدان عميلة لـ “النظام الصهيوني”، إلا أن بقاء إسرائيل بمنأى عن نشاطه المباشر وعن محاولاته على الدوام، أمرٌ مثيرٌ للاهتمام، خصوصا وأن تدمير الدولة العبرية مازال يشكل هدفًا إيديولوجيًا هامًا بالنسبة إلى التنظيمات الجهادية.

منذ تأسيسه، لم ينفذ فرع تنظيم القاعدة اليمني عمليات تذكر ضد إسرائيل، داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة أو خارجها.

لا بد من الإشارة إلى أنه وعند الحديث عن هذا الفرع، لا يشكّل عامل الموقع الجغرافي عائقا بالنسبة إلى النشاط العملياتي. إذ عُرف تنظيم “قاعدة الجهاد في جزيرة العرب” بتنفيذ عمليات عابرة للحدود، بل إن هذه الميزة جعلت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية “سي آي إيه” تصنفه كأثر أفرع التنظيم خطورة. [4]

وصلت عملياته من هذا النوع إلى المملكة المتحدة، وإلى الولايات المتحدة الأمريكية، وإلى فرنسا، وأيضا إلى المملكة العربية السعودية. في طريق وصولها إلى هذه البلدان، مرت كذلك ببلدان أخرى رغم تشديد الإجراءات الأمنية فيها كهولندا، لكنها لم تصل إلى إسرائيل، ولا إلى أهداف إسرائيلية خارج الأراضي الفلسطينية المحتلة. 

الموت لإسرائيل 

الأمر لا يقتصر على تنظيم القاعدة، فجماعة الحوثي ترفع أيضا شعار “الموت لإسرائيل واللعنة على اليهود”، لكنها لم تنفّذ عمليات عسكرية ضد إسرائيل إلا مؤخرا بإيعاز من إيران، كما فعلت مع وكلائها الآخرين في العراق ولبنان وسوريا لتنفيذ عمليات مماثلة، بهدف حفظ ماء وجه “محور الممانعة”. ويعتقد خبراء أنّ هجمات الحوثيين رمزية ولا تمثّل خطرا على إسرائيل.[5]

لكن لا يمكن إغفال أنّ الجماعة لم تستهدف إسرائيل في إطار طموحاتها الشخصية للانتماء لـ “محور المقاومة” وتعزيز شروطها في المحادثات اليمنية وحشد جمهورها المحلي، وإنما أيضا خدمة لمشاريع جهة التمويل والتبني؛ إيران. وإيران لا تهدف في الأساس إلى تحرير الأقصى بقدر ما تهدف إلى توسيع دائرة نفوذها الإقليمية وكسب تعاطف الجماهير، من خلال جماعات دينية متطرفة، شيعية وسنية.[6] لقد أعلن الرئيس الإيراني بوضوح في تصريحات أخيرة لقناة الجزيرة ألا صلة لطهران في عملية طوفان الأقصى.

على الجانب الآخر قد ينفذ الحوثيون هجمات ضد من يصفوهم بـ “مرتزقة إسرائيل وأمريكا” من خصومهم المحليين والعرب. هدد مؤخرا مسؤول حوثي بارز بشكل صريح بفعل ذلك.[7]

من المهم الإشارة هنا إلى أنّ شعار “قادمون يا أقصى” الذي تذيّل به القاعدة إصداراتها، سبق وأن رفعه (روح الله الخميني)، بصيغة قريبة، نصها: “يا قدس إننا قادمون”.
قد ينفذ الحوثيون هجمات ضد من يصفوهم بـ “مرتزقة إسرائيل وأمريكا” من خصومهم المحليين والعرب  

ومن هنا، يمكن القول إنّ هجمات تنظيم القاعدة ضد إسرائيل ـ إن حدثت ـ قد تتم بإيعاز من إيران التي تُتهم أيضا بإدارة وتمويل التنظيم.

هذا الأمر أكده الإسرائيليون أنفسهم، ففي العام 2011، وعقب سيطرة جبهة النصرة على نقطة القنيطرية، حمّل وزير الدفاع الإسرائيلي حينها “موشي يعالون” إيران وسوريا المسؤولية فيما يحدث، إذ قال في مؤتمر اقتصادي تحدث فيه عن خطر الجماعات الإسلامية في سوريا، إنه “يمكن رؤية بصمات إيران في سوريا بما في ذلك مرتفعات الجولان في محاولة لاستخدام فرق الإرهاب ضدنا”.[8] 

نقطة تماس مباشرة 

على رغم أن القضية الفلسطينية ظلت حاضرة بقوة في خطاب تنظيم القاعدة الدعائي منذ تدشينه، إلا أنّ سجل هجماته ضد إسرائيل ضعيف أو منعدم مقارنة بعملياته في دول أخرى، مما عّرضه لانتقاد واسع، وهو الأمر الذي برره “أسامة بن لادن” في مارس 2009 عبر إصدار مرئي جاء تحت عنوان “خطوات عملية لتحرير فلسطين”، إذ بيَّن أنه وبسبب اتفاقيات السلام المبرمة بين إسرائيل والعديد من جيرانها العرب، كان من الصعب على عناصر التنظيم اختراق الحدود الإسرائيلية. ونتيجة لذلك، وفقًا “لابن لادن”، فإن التنظيم يمنح الأولوية لإسقاط الأنظمة المحلية حتى يتمكن من تدشين نقطة انطلاق لهجمات مستقبلية ضد إسرائيل.[9] وهذا المبرر أيضا استخدمه زعيم جماعة الحوثيين في اليمن عبد الملك الحوثي في آخر خطاب تلفزيوني له تعليقا على الحرب الإسرائيلية في غزة.[10]

غير أن الأمر اختلف بعد مقتل بن لادن بغارة أمريكية في “إبت آباد” الباكستانية، وانطلاق ما عرف بـ”ثورات الربيع العربي” عام 2011، إذا تمكنت جبهة النصرة، فرع القاعدة في سوريا عام 2013، من إيجاد موطئ قدم قريب من إسرائيل، وذلك بعد السيطرة على نقطة القنيطرة الحدودية بين سوريا والجولان المحتل، لتصبح إسرائيل ولأول مرة على خط التماس مع تنظيم القاعدة.[11]

وعلى رغم أن جبهة النصرة أصبح لها وجود كبير في المنطقة خلال تلك الفترة، وكانت في وضع يسمح لها بتنفيذ هجمات عبر المنطقة الحدودية القاحلة التي تتلاقى فيها حدود إسرائيل وسوريا والأردن، إلا أن ذلك لم يحدث.

بدا واضحا أن الدولة العبرية لا تمثل أولوية إستراتيجية لجبهة النصرة أو غيرها من الجماعات الإسلامية المتشددة، حيث اقتصرت هجمات “الجبهة” على قوات النظام السوري، قبل أن تدخل في صراع بيني عنيف مع تنظيم الدولة الإسلامية.

أما في مصر، وعقب سقوط نظام الرئيس حسني مبارك، فقد وجد تنظيم القاعدة موطئ قدم له في محافظة شمال سيناء، لكن هجماته اقتصرت على الجيش المصري، باستثناء هجومه على أنبوب الغاز الواصل إلى إسرائيل، في أغسطس 2011. وقد أشاد زعيم القاعدة حينها، أيمن الظواهري، بعمليات استهداف الأنبوب. لم تُسجَّل لتنظيم شمال سيناء سوى عملية واحدة أطلق خلالها النار باتجاه الأراضي المحتلة وخلّفت العملية قتلى مدنيين وسياح أجانب.[12]

في مصر أيضا، أكد فرع تنظيم الدولة الإسلامية في سيناء “ولاية سيناء” على أن استهداف اليهود وتحرير المسجد الأقصى، من أهداف التنظيم الرئيسية. هذا التأكيد جاء في شريط مصور مدته 14 دقيقة بعنوان: “سيناء: بوابة بيت المقدس”، وقدّم الفرع فيه نفسه في طليعة عملية غزو القدس. على الرغم من ذلك، ظلت الهجمات الفعلية المنفذة ضد إسرائيل والمرتبطة بتنظيم “الدولة الإسلامية” ضئيلة جدًا ومتباعدة من الناحية الزمنية.[13]

في هذا السياق، أكد كل من وزير الدفاع الإسرائيلي، موشيي يعالون، ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية الأسبق ورئيس معهد أبحاث الأمن القومي بجامعة تل أبيب عاموس يادلين، عام 2014، أن تنظيم “داعش” لا يشكّل خطرا مباشرا أو جادا على إسرائيل.[14]

وكان رئيس معهد أبحاث الأمن القومي بجامعة تل أبيب عاموس يادلين، قد أكد أن تهديد داعش كمنظمة جهاد عالمية لإسرائيل لا يختلف جوهريا عن تهديد تنظيم القاعدة، الذي تتعايش إسرائيل معه منذ ما يربو على عشر سنوات.[15] 

خلاصة 

تقديم تحرير المسجد الأقصى والحرب على اليهود كهدف رئيس أو عام بالنسبة إلى التنظيمات والجماعات المتطرفة، أمر يخفي خلفه أهدافا خاصة دعائية واستراتيجية، إذ يمثل المسجد الأقصى الذي تحتله إسرائيل قضية مركزية بالنسبة إلى العرب والمسلمين. وفي ظل ما يراه المواطن العربي خضوعا من الأنظمة الرسمية إزاء القضية الفلسطينية والمقدسات، تحاول هذه الجماعات والتنظيمات استغلال ذلك لملء ما تراه فراغا بشعارات عاطفية وحماسية، لكنها غير منسجمة مع واقعها العملي.

يمكن القول إنّ هذه الشعارات تم اختيارها بعناية لتفجير المخزون العاطفي من الكراهية لأمريكا وإسرائيل لدى البسطاء والعوام من الناس. وسواء كانت هذه الشعارات لدى القاعدة أو الحوثيين، فإنّ إيران مصدرها الرئيس في نهاية المطاف.
إبراهيم علي*
خبير متخصص في شؤون الجماعات المسلّحة، طلب عدم الكشف عن هويته، لأسباب شخصية

مراجع:

[1] تنظيم “القاعدة” يشيد بهجمات الفلسطينيين ضد إسرائيل ويدعو لهجمات ضد أمريكا – I24NEWS

[2] رغم الخلاف العقدي.. تنظيم القاعدة يركب موجة ”طوفان الأقصى“ (akhbaralaan.net)

[3] المصدر السابق

[4] سي آي ايه: قاعدة اليمن أخطر من باكستان ويجب تصعيد الهجمات ضدها – المصدر أونلاين (almasdaronline.com)

[5] لماذا يهاجم الحوثيون إسرائيل؟ (south24.net)

[6] إسرائيل تتهم إيران بالوقوف وراء الهجمات عليها (skynewsarabia.com)

[7] نائب وزير الخارجية في حكومة الحوثي، حسين العزي (تطبيق إكس)

[8] إسرائيل تدق جرس الإنذار.. المتشددون الاسلاميون على الأبواب (alquds.co.uk)

[9] حديث لأسامة بن لادن حول تحرير فلسطين (أرشيف)

[10] (1) نريد منفذاً برياً.. عبدالملك الحوثي يهدد إسرائيل بإرسال مقاتليه إلى فلسـ،ـطين – YouTube

[11] مسلحو المعارضة السورية “يسيطرون على معبر القنيطرة” في الجولان – BBC News عربي

[12] أنصار بيت المقدس تتبنى تفجير أنبوب الغاز الطبيعي في شمال سيناء (alwatanvoice.com)

[13] ما مدى حجم التهديد الذي يطرحه تنظيم “الدولة الإسلامية” في إسرائيل؟ | The Washington Institute

[14] إسرائيل.. الغائب الحاضر في الحرب على “داعش” | المعرفة | الجزيرة نت (aljazeera.net)

[15] إسرائيل.. الغائب الحاضر في الحرب على “داعش” | المعرفة | الجزيرة نت (aljazeera.net)

المصدر

جوجل نيوز

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى