يافع..الحائز على جائزة العُرّ الأهلية لهذا العام من هو
من الحائزين هذا العام على جائزة العُرِّ للإبداع وخدمة المجتمع المهندس الزراعي صالح محمد عبدالرب صالح السنيدي باعبَّاد، مع ثلاثة آخرين، وهي جائزة أهلية مستقلة ومحايدة، ترعاها أسرة آل بن شيهون سنوياً منذ عام 2014م بمنحها لمن يستحقها وفق أهداف وشروط الجائزة، ويحصل الفائز على مليوني ريال مع درع تذكاري، وتزامن الإعلان عنها مع احتفالات يافع التقليدية التي جرت الجمعة الماضية في الموسطة.
تعود علاقتي بالمهندس السنيدي إلى مطلع سبعينات القرن الماضي، حيث جمعتنا إعدادية الشهيد عبدالرحمن قحطان في لبعوس، كأول إعدادية تُفتتح حينها على مستوى مناطق يافع الجبل وضمت في سنتها الأولى أكثر من مائتي طالباً من مختلف مناطق رُصد ولبعوس والحد وغيرها، وكان يعرفه الزملاء حينها، في ريعان شبابه ووسامته التي لم يفقدها حتى اليوم، باسم (صالح الشيبة) لتميزه بوجود بُقعة صغيرة من الشعر الأبيض في مقدمة شعر رأسه، على الرغم من صغر سنة. وها هو اليوم بعد خمسة عقود منذ ذلك الحين قد اشتعل رأسه شيباً دون أن يفقد منه شيئاً إلا القليل، فيما أتت الصلعة على معظم شعر رأسي.
نشأ في بيئة زراعية في رباط السنيدي وارتبط بالأرض وبزراعتها، وأحب رائحة التربة المنبعثة من ثنايا الطين وهو ينقبها ويقلبها بـ(الخنزرة) حينما كان يساعد والده بصحبة إخوانه، لاسيما في زراعة أشجار البُن الذي تؤول ملكيته لهم..وتنامى هذا العشق لديه للزراعة عامة ولأشجار البُن خاصة فقاده عن رغبة واقتناع إلى الالتحاق بكلية ناصر للعلوم الزراعية بجامعة عدن، تخصص وقاية نبات، وتخرج منها عام 1985م، وعُيِّن فور تخرجه مدرباً في المعهد التقني الزراعي- جعار وأشرف خلالها على عدد من مشاريع التخرج لطلاب وطالبات المعهد.
وفي عام 1999م واصل دراسته العليا (ماجستير -قسم الحشرات) في كلية ناصر للعلوم الزراعية وتحرج منها 2004م، وكانت أطروحته بعنوان (حياتية وبيئة حشرتي صانعة الأنفاق على أوراق البُن وفراشة ثمار البُن وطرق مكافحتهما)، ثم شغل رئيس قسم النبات في المعهد التقني الزراعي جعار.
وخلال فترة خدمته شارك في العديد من الأنشطة التدريبية والفعاليات والمؤتمرات العلمية بأوراق علمية وأبحاث مستخلصة من واقع تجاربه العملية، تركَّز معظمها عن الاعتناء بزراعة البُن وطرق مكافحة الآفات التي تتعرض لها هذه الشجرة المباركة.
ويكفيه فخراً أن سجله حافلٌ بالنشاطات العلمية والعملية والميدانية التي لم تتوقف على مدى الثلاثة العقود الماضية، وإذ كان وما زال أشبه بخلية نحل نشطة لا يكل ولا يمل من النزول الميداني حين يُطلب منه ذلك في مناطق زراعة البُن، وقد وطأت قدماه خلال نزوله الميداني معظم أودية يافع التي تجود بزراعة البُن في مختلف مديرياتها بمحافظتي لحج وأبين، ضمن برامج توعوية التقى خلالها بالمئات من المزارعين لإمدادهم بالمهارات والخبرات في تطبيق العمليات الزراعية الحقلية، ومعاملات الحصاد، وما بعد الحصاد، لرفع كمية الإنتاج وتحسين جودة محصول البنُ اليافعي، والتحذير من أضرار استخدام الدمان البلدي بدون تخمير، وإقناع الكثير من مزارعي أشجار البُن بأهمية تقليم أشجار البُن المعمّرة لاستعادة حيويتها ونشاطها وإعادتها للإنتاج، وإنشاء خزانات ترابية لحصاد مياه المطار مبطنة بالبلاستيك الحافظ للمياه وتنظيم ري أشجار البُن وأشجار الفواكه..الخ، بما في ذلك تركيب شبكات الري بالتقطير باستخدام الأنابيب البلاستيكية المدفونة بجوار أشجار البنُ وتم تنفيذ ذلك في حقل المزارع محسن الحربي بوادي يهر، بطريقة مثلى لترشيد المياه والاستفادة القصوى منها، وفي نفس الحقل أشرف على الطريقة الصحيحة لجني الثمار وطريقة تجفيفها بالمجففات الشبكية الحديثة.
وأسهم في أبحاث دولية لمكافحة فراشة ثمار البُن، وهي أخطر حشرة على ثمار البن في بلادنا والعالم، وذلك باستخدام أفرع شجرة الأثب وهي طريقة ناجعة استخدمها المزارع اليافعي بخبرته المكتسبة منذ أزمنة سحيقة، وكذلك مكافحة الكَبَبَة باستخدام النمل المفترس (الذر الأحمر) الذي يلنهم تلك الحشرات، واثبتت هذه الطرق فاعليتها بدرجه تفوق استخدام المبيدات الكيماوية، وتم تطبيق المكافحة بواسطة المزارع موسى محمد ناصر الزعبي– في وادي حطيب وهي طريقة فاعلة تناقلها الناس عن أسلافهم .
وقام بإعداد بروفايل يحتوي على خطة تدريبية لتدريب المزارعين في جميع مديريات يافع على تطبيق العمليات والتقنيات الزراعية الحقلية ومعاملات الحصاد وما بعد الحصاد في مواعيد تنفيذها خلال الموسم الزراعي، وإعداد منهج تدريبي لمؤسسة يافع عن تقليم اشجار البُن القديمة المعمّرة، تم تنفيذه خلال الفترة من 28 مارس إلى 8إبريل 2021م.
واستغل وسيلة التواصل الاجتماعي لتقديم الفائدة والمساعدة للمزارعين فأنشأ مجموعات (واتساب) خاصة بالمزارعين العاملين في زراعة البنُ لنشر الإرشادات الزراعية المتنوعة والرد على التساؤلات أولاً بأول.
كما أعد مشروع لتنظيم تجارة وتسويق البُن اليافعي عبر مؤسسة يافع للتنمية وبالتنسيق مع وزارة الزراعة. وإعداد دليل إرشادي مصور عن زراعة وإنتاج البُن يلبي احتياج المزارعين والمدربين وطلاب المعاهد الزراعية وكلية الزراعة يشمل جميع المعلومات والبيانات عن زراعة وإنتاج البُن اليافعي. وشارك في تأسيس مجموعة المهندسين الزراعيين من أبناء يافع الذين تخرجوا من الدراسات العليا والجامعات والمعاهد الزراعية منذ عام 1967م وحتى اليوم، وعددهم 45 كادراً، وشارك في تقديم مقترح أولي عن تنفيذ مشروع مسح ودراسة الغطاء النباتي وتنوعه في جميع مديريات يافع – 2020م، واُختير مؤخراً مسئولاً للتدريب في مجموعة الزراعيين بيافع لتطوير زراعة وانتاج محصول البن اليافعي.
هذا غيض من فيض نشاطه العلمي والتوعوي ونزوله الميداني الذي لم ينقطع حتى اليوم، حتى أنه أصبح صديقاً ومرشداً زراعياً لكثير من مزارعي البُن الذين استفادوا من إرشاداته العلمية في تحسين زراعة أشجار البُن وزيادة انتاجيتها واتباع الطرق الصحيحة في الغرس والري والتقليم ومكافحة الحشرات وغيرها ويرجعون إليه كل ما احتاجوا إلى نصحه أو ارشاداته.
ولنشاطه الدائب والمخلص والمتميز في المجال الزراعي وبالذات في زراعة أشجار البُن وقع عليه الاختيار من قبل رعاة جائزة العر للإبداع وخدمة المجتمع، ضمن المستحقين بجدارة لهذه الجائزة الأهلية.. فله منا خالص التهاني القلبية ونأمل أن يلحق هذا التكريم الأهلي التفاتة من الجهات الرسمية لتكريمه بعد هذا العطاء الزاخر طوال مسيرة عمله وخدمته الطويلة والمخلصه لوطنه في أهم المجالات الانتاجية.
ووجب الشكر هنا للأخوين عبدالرحمن عبدالقوي بن شيهون رئيس الجائزة، والأخ محمد حسين بن شيهون أمين عام الجائزة على حُسن الاختيار، وعلى الاستمرار في رعاية وتقديم الجائزة سنوياً للمستحقين في ظل هذا الجدب الثقافي والغياب الرسمي لتكريم المبدعين والمتميزين في خدمة المجتمع والنهوض الحضاري.
13يوليو2007م.
المصدر