تضحيات شهداء الجنوب ..تضاعف عزيمة الأبطال في حربهم على الإرهاب (تقرير)
على مدار الفترات الماضية، لم تتوقف التضحيات التي تقدمها القوات المسلحة الجنوبية في إطار الحرب الشاملة التي يخوضها الجنوب لحماية أراضيه من خطر الإرهاب الذي يستهدفه أرضاً وإنساناً.
وارتقى كوكبة من شهداءالقوات الجنوبية في أبين الاسبوع الماضي وهم النقيب عارف الحازمي، قائد كتيبة والنقيب عمار الحوشبي، قائد سرية وجمعيهم ينتمون للواء السادس دعم واسناد الذين ارتقوا مؤخراً جرّاء عملية إرهابية غادرة وجبانة في مديرية مودية بمحافظة أبين، لينضموا إلى قائمة الشرف الجنوبية الطويلة ممن ضحوا بأنفسهم فداءاً للجنوب وفي سبيل تثبيت دعائم أمنه واستقراره.
“القوات الجنوبية تخوض معركة استعادة الهوية”
ويرى مراقبون، ان العمليات الإرهابية التي تشنها قوى الإرهاب والشر اليمنية تستهدف إحباط الجنوبيين وبث روح اليأس بينهم، وإيصال رسالة أن الجنوب لن يكون قادراً على حسم المعركة ضد الإرهاب، إلا أنّ الجنوب ورغم جراحه المثخنة دائما ما يرد على نحو مغاير تماماً، إذ تواصل القوات المسلحة جهودها في مكافحة الإرهاب، ودائماً ما تثأر لدماء الشهداء، ما يعني أنّ مساعي قوى الإرهاب مكانها مزبلة التاريخ.
ويخوض الجنوبيون، معركة استعادة الدولة وحماية الهوية وهي معركة تحمل طابعا وجودياً لن يتراجع الجنوب عن حسمها مهما ضاعفت قوى الإرهاب من اعتداءاتها وعملياتها الغاشمة ضد الجنوب، فالأمر يعبر عن انهزامية هذه التنظيمات التي تظل عاجزة عن تقويض وإسقاط الجنوب في ظل المكاسب التي يحققها الجنوبيين.
“معركة اجتثاث بؤر الإرهاب مستمرة”
واكد الكثير من المحللون، ان شعب الجنوب العربي قد قدر له أن يقدم التضحيات تلو التضحيات من أجل مكافحة الجماعات الارهابية، وخاصة تنظيم القاعدة الذي بدأ نشاطه في الجنوب منذ إعلان “تنظيم القاعدة في اليمن وجزيرة العرب” على إثر اندماج بين تنظيميْ القاعدة في كل من السعودية واليمن في بدايات عام 2009، بعد تشديد السلطات السعودية ملاحقة عناصر التنظيم داخل الأراضي السعودية، مما دفع بهم إلى اللجوء إلى الأراضي الجنوبية، مستفيدين من الوضع الأمني المترهل في البلد وحالة حروب صعده في الشمال.
ويرى المحللون، ان الأهم والسبب الرئيسي لنشاط التنظيم وتركيز عملياته على الجنوبيين يعود إلى رغبة سابقة لنظام المخلوع علي عبدالله صالح حينها في تسليط هذا التنظيم ضد الحراك الجنوبي والقيادات الجنوبية، وما زال الكثير يتذكرون تهديداته وابتزازه للجنوب وللاقليم والمجتمع الدولي، من أن “البديل لوحدته التي فرضها على الجنوب بعد حرب 1994م هو الارهاب”، حيث لم تتوقف من حينها عمليات استهداف القيادات الجنوبية على يد عناصر تنظيم القاعدة بدءاً من الشهيد اللواء سالم قطن الذي قاد معركة تحرير محافظة أبين من تنظيم القاعدة (أنصار الشريعة) عام 2012م، وأخيراً وليس آخراً بالشهيد العميد عبداللطيف السيد الذي ابلى بلاءاً شجاعاً في محاربة عناصر هذا التنظيم الإرهابي.
وطبقاً لمراقبون، فأن التنظيم كثف من عملياته أكثر بعد الاطاحة بالرئيس الاسبق علي عبدالله صالح الذي تهاونت بل تعاونت أجهزة أمنه في تسليم محافظة أبين للقاعدة عام 2011م، وكذلك فعلت أجهزته التي انضمت إلى الحوثيين في تسليم ساحل حضرموت للقاعدة عام 2015م، مع ذلك استمرت عمليات التنظيم خلال الاعوام اللاحقة في استهداف القيادات والمصالح الجنوبية في تخادم جلي وواضح لا يخفى على لبيب مع نشاط الحوثيين وحزب الإصلاح ووفقاً لتناسق وتناغم وتخادم دقيق معهما.
وحققت القوات الجنوبية بقيادة المجلس الانتقالي منذ استلامها للملف الأمني، نجاحات ملموسة لم يسبق لها مثيل وكانت محل تقدير التحالف العربي والمجتمع الدولي في ضرب أوكار الإرهاب في كل محافظات الجنوب، ولكن الحرب ضد هذه الجماعات معقدة وطويلة ولك تستطع حسمها دول عظمى بامكاناتها الضخمة بحسب رؤية الكثير من الخبراء والمحللين العسكريين والأمنيين الذين يرون ان هذه الحرب تختلف عن الحرب التقليدية في مواجهة جيوش أو جماعات نظامية ولها متطلباتها الخاصة.
وكانت وماتزال قيادة الانتقالي والقوات الجنوبية بحاجة إلى أن تجري تقييمات دقيقة وبالتأكيد إصلاحات أمنية مطلوبة وعميقة لتجاوز الثغرات ورفع كفاءة أداء قوات مكافحة الارهاب والوحدات الأمنية وأهمها الاستخبارات، وفي نفس الوقت تتطلب الضرورة الملحة دعم ووقوف المجتمع الدولي والولايات المتحدة وكل القوى المعنية بمكافحة الإرهاب التي ينبغي ان توجه دعمها للقوات الجنوبية بكل الطرق والاساليب والوسائل ومن خلال التدريب والتأهيل والرفد بالتقنيات والمعلومات.
ووفقاً للخبراء والمحللون، فان الجنوب لا يخوض اليوم حرباً ضد الجماعات الارهابية من أجل الدفاع عن أبنائه فحسب بل وكذلك من أجل أمن واستقرار المنطقة ذات الأهمية الاستراتيجية البالغة وأمنها والملاحة الدولية، وإزاء ذلك ينبغي ان تكون المعلومات بان الحرب على الإرهاب ليست فقط عسكرية وأمنية تخص القوات الجنوبية فقط، بل هي مهمة مجتمعية أيضاً وثقافية، الأمر الذي يتطلب من أبناء شعب الجنوب في كل المحافظات مساندة قواته المسلحة بكل الوسائل والامكانات التي سيكون لها بإذن الله تعالى مفعولاً قوياً للقضاء على هذه الآفة ودحر الجماعات المتطرفة من معاقلها ومآويها الرئيسية.
“تضحيات أبطال الجنوب تقهر ظلام القاعدة”
وقدمت القوات الجنوبية تضحيات جسام، في سبيل دحر ظلام القاعدة من محافظة أبين، التي حولها التنظيم منذ 3 عقود إلى معاقل رئيسية لوجوده الإرهابي، وارتقى عشرات القادة وأبطال القوات المسلحة من أبناء الجنوب في المعارك ضد الجماعات الإرهابية في أبين وشبوة مسطرين بذلك ملاحم نادرة وفارقة في تاريخ الحرب على الإرهاب، ليعمدوا بدمائهم انتصارات ساحقة ضد القاعدة.
وظل تنظيم القاعدة يصول ويجول لفترات طويلة في خنفر وأحور ولودر والوضيع ومودية والمحفد، برعاية إخوانية وإقليمية قبل انطلاق عملية سهام الشرق في 23 أغسطس/أيار 2022 لتضع آخر مسمار في نعش معاقل التنظيم في محافظة أبين، وتمكنت القوات الجنوبية المشتركة (محور أبين، المقاومة الجنوبية، شرطة أبين، الحزام الأمني) من طرد التنظيم من أكبر معاقله والذي كان يدعى تورا بورا اليمن، والمعروف بمعسكر “وادي عومران” في مديرية مودية شرقي أبين، ولم تقف العملية عند حد تحرير وادي عومران، لكنها استمرت في حملة عسكرية جديدة تحت اسم “سيوف حوس”، في مطاردة فلول التنظيم وتحديداً في “وادي رفض” و”وادي جنن” في المديرية التي تربط أبين وشبوة.
” القوات الجنوبية .. فاتورة باهضة من التضحيات في معركتها ضد الإرهاب”
ودفعت القوات الجنوبية فاتورة ثقيلة ثمناً لموقفها وتصدرها الحرب على الإرهاب بدعم من قوات التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات، حيث قدمت مئات الجنود قتلى وجرحى إلى جانب القادة الميدانيين، بعد أن لجأ التنظيم لكمائن الغدر لتعويض هزائمه الميدانية، وفي مطلع العام 2023م، ارتقى العميد عبداللطيف السيد قائد قوات الحزام الأمني بمحافظة أبين شهيداً في عملية إرهابية غادرة نفذها تنظيم القاعدة كما ارتقى 7 من الضباط الجنوبيين في عمليات منفصلة شنها تنظيم القاعدة الإرهابي مطلع العام ذاته، وفي يناير/كانون الثاني عام 2023، استشهد قائد الكتيبة الثانية في اللواء الـ 4 مشاة العقيد عبدالرحيم المعكر واثنان من مرافقيه، فيما أصيب آخرون بذات التفجير الغادر لدى مشاركتهم في عملية سهام الشرق.
وفي فبراير/شباط من العام الفارط 2023، استشهد قائد عمليات اللواء الخامس في الحزام الأمني العقيد عبدالله بارجيلة وأركان العمليات للقوات المشتركة المقدم مشعل العلياني وإصابة 5 جنود آخرين، في هجوم إرهابي وقع في وادي عومران بمديرية مودية شرق أبين، وفي أبريل/نيسان من العام نفسه، استشهد قائد الكتيبة الثالثة بقوات الحزام الأمني الرائد فوزي شايف البكري وعدد من مرافقيه في منطقة البقيرة في ذات المديرية.
أما يوليو/تموز من العام الفائت 2023م، فقد سقط شهيدًا قائد الكتيبة الأولى في اللواء الثالث دعم وإسناد النقيب صدام حسين السعدي، وقائد سرية بالكتيبة الأولى في اللواء الثاني دعم وإسناد غسان القديمي وعدد من الجنود من قوات “سهام الشرق” في تفجير إرهابي بمنطقة “البقيرة” بوادي عومران، كما استشهد في ذات الهجوم رئيس المجلس الانتقالي في البقيرة “عارف ناصر مكني”، والذي قدم حياته فداء في سبيل طرد تنظيم القاعدة الإرهابي.
وكان مقابل التضحيات الذي قدمتها القوات الجنوبية خسائر فادحة بصفوف تنظيم القاعدة، حيث خسر التنظيم الإرهابي عشرات القادة الميدانيين والعناصر الإرهابية، فضلاً عن خسارة معاقله الرئيسية التي كان يتخذها نقطة انطلاق لشن هجماته في جنوب اليمن والمنطقة عموماً وفقا لخبراء ومحللين عسكريين وأمنيين والذين من جهتهم حثوا القوات الجنوبية إلى تفعيل الجهد الاستخباراتي المكثف والدقيق لموازاة الجهد الأمني والعسكري لمواجهة تكتيكات “القاعدة” القائمة على كمائن الغدر.