كيف يتم دعم «اليمنيات» لتمكينهن في «المجالس المحلية»؟
(عدن (الأمناء) خاص:)
يعتبر الكثيرون انتخابات المجالس المحلية في اليمن من التجارب الديمقراطية الرائدة في المنطقة العربية لأنها نجحت في تقديم حكم لا مركزي، لكن الحرب التي اندلعت قبل ثمانية أعوام وما قبلها من أزمات سياسية أعاقت استمرارية تلك التجربة فلم تجري أية انتخابات، ورغم ذلك فإن المجالس المحلية كمؤسسات دولة نجحت في البقاء في كثير من المناطق اليمنية، وكان للنساء فيها كقياديات أدوار مهمة، حيث نجحن في تنمية المجتمعات المحلية وفي الكثير من المجالات الخدمية التي يستفيد منها المواطن بشكل مباشر، وبرزت نماذج ناجحة من تلك القياديات كحمائم للسلام في زمن الحرب، الأمر الذي شجع عدداً من الناشطين ومنظمات المجتمع المدني المحلية والدولية على تنفيذ برامج وأنشطة تساهم في دعم تمكين النساء اليمنيات في المجالس المحلية سواءً في الوقت الراهن أو في فترات ما بعد الحرب.
ضعف المشاركة
خلال فترة ما قبل الحرب الجارية في اليمن كانت هناك جهود حثيثة من قبل سياسيين وقياديين في منظمات المجتمع المدني من أجل دعم تمكين النساء اليمنيات في المجالس المحلية، وقد أثمرت تلك الجهود في تقدم 185 امرأة للترشح لعضوية المجالس المحلية لآخر انتخابات محلية عُقِدت العام 2006 وفقاً لإحصائيات اللجنة العليا للانتخابات.
في الانتخابات المحلية الأولى في فبراير/شباط 2001، لم تصل سوى 35 امرأة لعضوية المجالس المحلية من بين 6700 عضو وهو ما يعني انحسار الترشيح النسائي وضعف اهتمام الأحزاب اليمنية بالمشاركة السياسية للمرأة. بحسب دراسة ميدانية حــول “النساء في المجالس المحلية”.
فاطمة المريسي إحدى القيادات النسوية، التي تم انتخابها لعضوية المجلس المحلي بمديرية التواهي لأول مرة في تلك الانتخابات، وأُعيد انتخابها في ذات المجلس عام 2006، وهي ماتزال تعمل كرئيسة للجنة الشؤون الاجتماعية في المجلس المحلي بمحافظة عدن (جنوب اليمن). وخلال سنوات عملها ساهمت المريسي في تأسيس منظومة الدعم للمرأة في السياسة وتمكينها في المجالس المحلية.
في حديثها لـ”منصتي 30“، ترى المريسي أن تجربة مشاركة المرأة في السلطة المحلية تعتبر فخر لكل النساء اليمنيات، لأن ذلك يعني أن المرأة لها القدرة على التفاعل مع قضايا التنمية ومشاكل المجتمعات المحلية في مختلف الميادين، وحينما نجحت النساء في تلك المهمة حظيت بمكانة إيجابية واحترام وتقدير أقرانها الرجال الذين شجعوا الكثير منهن لخوض غمار تجربة تمكين النساء في قيادة المجالس المحلية. تقول المريسي: “لقد تعاظم دور القيادات النسوية في المجالس المحلية خلال فترة الحرب وهو الأمر الذي ضاعف من احترامهن في أوساط المجتمع”.
تواجد ميداني
خلال فترة الحرب الجارية كان للمجالس المحلية أدوار لافتة تمثلت في التخفيف من التداعيات السيئة للحرب على المواطن، كما ساهم أعضاء وعضوات المجالس المحلية في فتح بعض الطرقات وفي صفقات تبادل الأسرى، إضافة الى تسهيل بعض الأمور المتعلقة بالخدمات المقدمة للمواطنين.
وكان لفاطمة المريسي أدوار مهمة في تشجيع النساء على مساعدة المجتمع وتقديم الخدمات من خلال المجالس المحلية، وكان لأقرانها من عضوات المجالس المحلية والناشطات في عدن وباقي المحافظات أدوار لافتة في سبيل مناصرة ودعم تمكين النساء في المجالس المحلية.
المحامية والناشطة تهاني الصراري واحدة من اللواتي ساهمن في دعم تمكين النساء في المجالس المحلية من خلال تقديم الدعم القانوني لهن، لكنها ترى أن النساء مازلن يكافحن من أجل نيل حقوقهن حيث أنهن لن يستطعن الوصول إلى مناصب مدراء أو مأموري المديريات أو مناصب قيادية رفيعة في السلطة المحلية.
وتقول الصراري في حديثها مع “منصتي 30”: “بلا شك أن النساء اليوم بالفعل أصبحن متواجدات في الميدان أكثر من أي وقت مضى لكن لا يوجد بينهن تكاتف بسبب أن كل تكتل نسائي أو مجموعة أو ائتلاف تعمل بمعزل عن الآخر، كلاً بحسب توجهاته وآرائه، وهي المعضلة التي تُشتت الجهود الرامية لتمكين النساء ليس في المجالس المحلية وحسب بل في معظم المناصب السياسية وفي قيادة المؤسسات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني”.
جهود للتمكين
لم تقتصر جهود دعم تمكين النساء في المجالس المحلية على القياديات في ذات المجالس أو على الناشطات الحقوقيات خلال زمن الحرب الجارية في اليمن، إذ عملت العديد من المؤسسات الحكومية والمنظمات المحلية والدولية على ممارسة ذات الدور من خلال تنظيم عدد من الفعاليات التي تُسهم في مناصرة ودعم اليمنيات.
في مارس/آذار الفائت نظمت مؤسسة دعم حماية وتنمية المجتمع في عدن برنامج تعزيز دور النساء في صناعة القرار المحلي وتعزيز دور المرأة في المجالس المحلية. وفي السابع والعشرين من أكتوبر/تشرين الأول من العام الفائت اجتمعت عدد من القيادات النسوية ومعنيين من الجهات الحكومية في مدينة عدن ضمن ورشة عمل لمناقشة تعزيز دور المرأة في القطاعات الحكومية بما فيها المجالس المحلية ومنظمات المجتمع المدني.
في عام 2019، احتلت اليمن ثاني أسوأ مرتبة (151 من أصل 152 دولة) بالنسبة لتمكين المرأة السياسي على المستوى الوطني، بحسب موقع هيئة الأمم المتحدة للمرأة، وفي ديسمبر/كانون الأول من ذات العام نظمت مؤسسة تنمية القيادات الشابة في العاصمة الأردنية عمان المؤتمر الوطني للنهوض بالمرأة في السياسة، حضرته عدد من القيادات النسوية في اليمن، وأسفرت تلك الجهود عن موافقة ستة من الأحزاب السياسية اليمنية على تعزيز عضوية المرأة وتشجيع النساء كقائدات والدفاع عن حقوقهن في تولي مناصب في المجالس المحلية والحكومة، بالإضافة إلى ذلك، تم إنشاء شبكة “اليمنيات في السياسة” لتسهيل الاتصال والتنسيق بين الجهات الفاعلة السياسية التي تركز على النوع الاجتماعي.
لكن تلك الجهود لا تكفي إن لم تثمر عن تعيين النساء في مناصب قيادية رفيعة سواءً في المجالس المحلية أو في مختلف مؤسسات الدولة كما تقول الناشطة أحلام البحري خلال حديثها لـ”منصتي 30″.
المستقبل للمحليات
ترى معظم القياديات في المجالس المحلية في مدينة عدن وغيرها من المناطق اليمنية أنهن قادرات على خدمة مجتمعاتهن المحلية من خلال جلب التمويلات لصالح المصالح المحلية ومن خلال التشبيك مع المنظمات الدولية للاستفادة مما يقدمونه من دعم، وعن ذلك أكدت دراسة ميدانية حــول “النساء في المجالس المحلية” لمنتدى الشقائق العربي لحقوق الإنسان أن أبرز النقاط التي دفعت معظم النساء في الترشح للانتخابات المحلية العام 2006، كانت لخدمة المجتمع المحلي والإسهام في حل مشكلاته، وتفعيل المطالب للخدمات الأساسية كالمياه والصرف الصحي والكهرباء وشبكات الطرق، وتحسين الوضع الصحي، ورفع مستوى التعليم، إضافة إلى طموحات المرشحات للانتخابات المحلية بدعم الحضور السياسي للمرأة وتفعيل دورها من خلال دعم إنشاء مؤسسات نسوية ومساعدة الفتيات وتسهيل التوظيف لهن، كما لم تخفي المشاركات أن لهن دوافع سياسية تعود لمصالح الأحزاب التي ينتمين لها، وأسباب أخرى تتعلق بتحقيق الذات.
يتوقع مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية أن قيادات المجالس المحلية في اليمن ممن تمكّنوا من الحفاظ على حيادهم وعلى علاقاتهم الجيدة مع المجموعات المحلية، سيلعبون دوراً محوريّاً في مصالحات ما بعد النزاع. بسبب معرفتهم وإلمامهم بالتعقيدات الاجتماعية في مناطقهم، معتبراً أن ذلك خبرة تفتقر إليها السلطات المركزية.
واستشهد تقرير صادر عن المركز بما وصفها “نجاح تجربة تنسيق المنظمات الدولية مع المجالس المحلية من أجل تقديم خدمات المياه للمجتمعات المحلية”.
تقول تهاني الصراري القيادية في “مؤسسة عدن للحقوق والتنمية” متحدثة لـ”منصتي 30“: “يجب أن تنظر السلطات إلى الكفاءة في تعيين المناصب، فالمناصب القيادية لم تعد حكراً على الرجال في جميع أنحاء العالم، لقد أثبتت النساء نجاحهن في كثير من المجالات بما فيها المجالس المحلية خاصة بعد حرب 2015، اليوم أصبح للنساء القدرة الحقيقية لإخراج البلاد إلى بر الأمان”.