القلاع الحصينة لا تسقط إلا من الداخل!!
قرأت خبرا طريفا في احدى الصحف أنّ الشّرطة في المكسيك قد تلقّت بلاغا عن اختفاء (أربع بقرات إفريقيّة، وأربع معزات، وغزال نادر، وحمار وحشيّ، وأربعة حيوانات أخرى) من حديقة حيوان العاصمة وفتحت الشّرطة تحقيقا على جناح السّرعة لتكتشف أن مدير الحديقة هو الذي أخذ هذه الحيوانات، وذبحها في بيته، وأقام عليها مآدب لأقاربه وأصدقائه في مناسبات مختلفة!
البعض أعداءٌ لأوطانهم أكثر من أعداء أوطانهم أنفسهم!
القلاع الحصينة لا تسقط إلا من الداخل، والأعداء الخارجيّون لا يستطيعون أن يؤذوا وطنا بقدر ما يمكن لأبنائه أن يفعلوه!
الموظّف المرتشي عدوٌّ لوطنه، والمتعهّد الفاسد عدوٌّ لوطنه، والمدرّس اللامبالي عدوٌّ لوطنه!
الوزير الذي لا يعتمد الكفاءة في طاقمه، والإدارات التي توظّف على أساس المحسوبيات، والبلدية التي لا تقوم بواجبها، والأمّ المهملة، والأب المستهتر، والحرفيّ الغشاش، والميكانيكيّ الكذّاب، والطبيب الجشع، والداعية الذي يباع ويشترى، كل هؤلاء أعداءٌ لأوطانهم وإن لم يطلقوا النّار عليه!الوطنيّة ليست خطابات بليغة، ولا كلمات منمّقة، بقدر ما هي سلوك يبدأ بأصغر الأشياء حتى أكبرها، من عدم رمي النفايات في الشوارع، إلى الالتزام بوقت الدوام، واحترام إشارات السّير!
القضية باختصار: لا تحدّثني عن وطنيّتك، دعني أراها !!
يقول الفيلسوف والاجتماعي الألماني ثيودور أدورنو: ” بالنسبة للإنسان الذي لم يعد لديه وطن، تصبح الكتابة مكاناً له ليعيش فيه”
أما أنا فلي وطن يكتبني ويسكنني ويلازمني في وعيي وغيبوبتي ..وطنٌ يكتب التاريخ رغما عن أهله ، وطنٌ تمتد حدوده شرايين تنبض منها أوطانٌ تعانق في برها وبحرها وغيمها سماءٌ واحدة.
يقول أحدهم ” إننا ننتمي إلى أوطاننا كما ننتمي إلى أمهاتنا” نعم من الصعب إدراك قيمة الوطن إلا إذا ابتعدت عنه ،أن تبتعد لا يعني أن تنسى أو يجف حبك أنت فقط حاولت البحث عن أفكار أخرى تتبنى حبك لوطنك وتفهم حاجتك إليه وحاجته إليك ولكن في مكان آخر قد يجعل المهمة أسهل وقابلة للتنفيذ.
أن تشاهد الأخبار فترى جراحاً تقطر من وريد أوطانك وان تشاهد ببشاعة وأد الطفولة وسبي النساء ووحشية الموت تنشب خنجرها في صدر أوطانك وفي قلوب صغار أحببتهم وكبار عرفتهم وتقلب أوتار صفحاتك الالكترونية الاجتماعية لتسلم على صديق أو تسمع أخباره فتدمي قلبك صور الموت المبعثر هنا وهناك ورائحة الدم الملون بثياب العيد، ودمية صغيرة تمسكت بيد طفلة يريدان الجنة معا وقد التهمت نيران الغدر جسديهما، وآخر كان حلمه أن يرى البحر ويلهو بكرته على شاطئ الوطن فابتلعه البحر خوفا عليه مما هو قادم ومجهول وهذه المشاهد المؤلمة نراها كل يوم .
مشاهد تلعب بذاكرتك لعبة خائنة تخونك وتخون غربتك وتخون قلمك فلا تدري أتكتب عن الوطن بدمع العين ام بحبر القلب الدامي. حينها تبدو صفحة الكتابة مساحات من أرض الوطن أما كلماتك التي تشابكت فوقها ليست إلا عناقيد عنب عتقتها فأسكرت روحك فاكتب الآن ما شئت غائبا عن وعي الحقيقة متألما ليس إلا واهما بالوطن ولكن هو وهمك الأجمل مهما تباعدت الدروب.
أوافق تماما ما قاله الثائر الكوبي تشي جيفارا- والذي نقش تاريخ نضاله ما يجب أن يكون عليه الانسان لوطنه- : “قد يكون من السهل نقل الإنسان من وطنه ولكن من الصعب نقل وطنه منه” . نعم من الصعب أن تتنكر لوطنك أو تخون ذاكرتك وتفاصيل حياتك أنت إن هربت من الوطن وجدته أمامك وجدته في غربتك في تجاعيد وجهك ورائحة خبزك و حقيبة سفرك أنت في النهاية وطن صغير لتضاريس ملونة تبصرك من موقعها وتحدد احداثيات حبك لها ؛ أنت ابن الوطن .
أما كاتب روما وخطيبها شيشرون فلامس الحقيقة بامتياز عندما قال: “لست آسفا الا لأنني لا أملك إلا حياة واحدة أضحي بها في سبيل الوطن”.
فلتحيا ذاكرة الوطن وتفاصيل الوطن.. وليسقط كل اللصوص والمجرمين الذين يستغلون ضعف الوطن من خلال أزماته التي يصنعونها بأيديهم ويغزلون له الفتن كل يوم من أجل بقاء مصالحهم
د . علوي عمر بن فريد