تغيير شكلي على رأس الحكومة لتهدئة الغضب في المناطق المحررة
قوبل التغيير الذي أجراه رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي على رأس الحكومة وعيّن بموجبه أحمد عوض بن مبارك رئيسا للوزراء خلفا لمعين عبدالملك بحالة من الفتور داخل المناطق الخاضعة لسيطرة الشرعية، والتي يعاني سكانها أوضاعا معيشية صعبة يتطلّب تغييرها أكثر من مجرّد تغيير المسؤولين الحكوميين والإبقاء على السياسات التي أفضت إلى تلك الأوضاع.
ونظر سياسيون وقادة رأي يمنيون إلى إزاحة عبدالملك وتعويضه ببن مبارك وزير الخارجية في حكومته على أنّه إجراء استعجالي لامتصاص حالة الغضب الشعبي المتنامية في المناطق الراجعة بالنظر لسلطة العليمي والحكومة التابعة لها. وقلّل هؤلاء من قدرة رئيس الوزراء الجديد على تغيير الأوضاع التي أوجدت حالة من الاحتقان الشديد في مناطق الشرعية وعبّرت عنها الإضرابات العمالية احتجاجا على التضخّم وارتفاع الأسعار وندرة المواد الأساسية، والاعتصامات القبلية المطالبة بتخفيض أسعار الوقود.
وقالوا إنّ وقوع الاختيار على بن مبارك الذي سبق له أن تولى منصبي أمين عام لمؤتمر الحوار الوطني وأمين عام لجنة صياغة الدستور، قد لا يكون مرتبطا بالضرورة بالرغبة في تطوير الأداء الحكومي وتحسين الأوضاع المعيشية وترقية المرافق الخدمية، بقدر ارتباطه بمسار التسوية السياسية التي أظهرت المملكة العربية السعودية رغبة كبيرة في إنجازها في اليمن.
ويعتبر هؤلاء أن شبكة العلاقات الواسعة التي نسجها بن مبارك مع مختلف القوى السياسية تؤهله، من وجهة نظر الرياض، لقيادة مرحلة السير نحو الحل السلمي المرتقب للصراع اليمني. ويشير هؤلاء إلى قوّة التأثير السعودي في تشكيل السلطة الشرعية الحالية وتوجيه سياساتها، واصفين بن مبارك بأنّه “رجل الوفاق” المعوّل عليه لتقريب هوة الخلاف بين القوى السياسية المختلفة بشدّة في أهدافها وتوجهاتها والتي ينتظر أن تشكّل أضلاع الحل السياسي المنشود.
وكان رئيس الوزراء السابق معين عبدالملك الذي أسند له منصب مستشار لرئيس مجلس القيادة، قد أصبح في الفترة الأخيرة عرضة لانتقادات حادّة، لاسيما من قبل المجلس الانتقالي الجنوبي على خلفية اتهامات لحكومته بالفشل في إدارة الشأن العام في المناطق الخارجة عن سيطرة الحوثيين والتسبّب في انهيار قيمة الريال اليمني وغلاء الأسعار وتوسّع دائرة الفقر.
وشهدت الأسابيع الأخيرة من فترة عبدالملك على رأس الحكومة موجة تذمّر وغضب من سوء الأوضاع. وبينما حذّرت الغرفة التجارية والصناعية في عدن من مجاعة وشيكة تداهم مناطق الشرعية، شرعت نقابات عمّالية في الدعوة إلى إضرابات احتجاجا على سوء الأوضع. وأعلن الاتحاد العام لنقابات عمال الجنوب عن دخول منظوريه في إضراب جزئي ابتداء من الثلاثاء ضمن خطوات احتجاجية قال إنّه سيلجأ إلى تصعيدها بالتدريج.
ونفّذ تجار مدينة تعز من جهتهم إضرابا جزئيا “بسبب عدم قدرة المواطنين على تحمل تبعات الانهيار الاقتصادي في ظل صمت وعجز الحكومة عن تقديم حلول سريعة وفعّالة لوقف تدهور العملة أو توضيح سبب هذا الانهيار”، وفق ما ورد في بيان لملتقى تجار المحافظة. وبمجرّد الإعلان عن تعيين بن مبارك رئيسا للحكومة بدأت التساؤلات حول مدى قدرته على تغيير تلك الأوضاع التي أوجدت هوّة كبيرة بين السلطة الشرعية وسكان المناطق التابعة لها.
وقال كامل الخوداني عضو المكتب السياسي للمقاومة الوطنية بقيادة طارق صالح إنّ لديه “مخاوف متعددة من السياسة التي سوف ينتهجها بن مبارك في هذه المرحلة الصعبة”. وأضاف في منشور على منصّة إكس أنّ رئيس الوزراء الجديد هو “صاحب الخطوة الأولى لتحويل كافة المخاوف إلى ثقة وتطمين، في ظل هذا الوضع الذي يدفع الجميع ورغم أنوفهم سواء سلطة أو مكونات أو أفراد إلى رسم خارطة جديدة توافقية مبنية على الثقة ومتجاوزة لأرشيف الماضي”.
ومن جهته وعد بن مبارك بالعمل على “تحقيق نتائج ملموسة في حياة كل يمنية ويمني”، وعبّر في تعليق له نشره في منصّة إكس عن إدراكه لما يمرّ به اليمنيون “من معاناة وما قدموه ويقدمونه من تضحيات”. وأهاب بجميع أعضاء الحكومة ومنتسبي مؤسسات الدولة اليمنية “شحذ الهمم وتوحيد الجهود والمساعي وفقا لتوجيهات القيادة السياسية في خدمة الوطن والمواطن في هذا الظرف الاستثنائي”.
كما أكد عزم حكومته على العمل من “أجل التصدي لتحديات المرحلة الراهنة بروح الشراكة الإقليمية والدولية والحرص على أن يكون اليمن شريكا في إحلال السلام والأمن”. وعلّق يمنيون على منشور بن مبارك بأنّه مجرّد كلام بروتوكولي عام لا يكشف عن وجود برنامج حقيقي لتحسين أوضاع سكان مناطق السلطة المعترف بها دوليا.
وقال الكاتب السياسي اليمني خالد سلمان في منشور على منصة إكس “من معين إلى بن مبارك لا شيء سيختلف. تتغير الأسماء وتبقى السياسات؛ الأول تم تحصينه من المساءلة بمنحه صفة مستشار لرئيس مجلس القيادة، والثاني تمت مكافأته على فشل السياسة الخارجية”، مضيفا “نحن لا نملك قرارنا ولا يبدو قرار تعيين رئيس الوزراء سياديا”.