مستقبل قطاع الشحن وسط توترات عالمية.. أطواق النجاة
(الأمناء نت / العين:)
ما الذي ينتظر قطاع الشحن البحري في ظل التوترات العالمية التي ألقت بظلالها على الممرات البحرية؟.. الإجابة تتطلب بحثا عميقا عن أطواق نجاة
يكتسب الشحن البحري الدولي أهمية خاصة، لا سيما وأن ما يزيد عن 80% من التجارة الدولية يتم نقلها عن طريق البحار، وكما يوضح الوضع الحالي في البحر الأحمر، فإن تعطيل طرق الشحن يمكن أن يكون له آثار واسعة النطاق على المستوى العالمي.
- دراجون أويل وهيئة البترول المصرية.. اتفاقية لتسويق الغاز بخليج السويس
- الإمارات بالصدارة.. قفزات في إيرادات تجارة الخليج غير النفطية
ويواجه قطاع الشحن عدة ضربات في وقت واحد، حيث تأتي هجمات البحر الأحمر في المقدمة، تليها أزمة جفاف قناة بنما، فضلا عن حالة الإغلاق التي ألقت بظلال وخيمة جراء جائحة كورونا، ولا تزال البدائل البحرية المتاحة أمام حركة التجارة غير آمنة حتى الآن فضلا عن ارتفاع تكاليف المرور بها كما هو الحال بالنسبة لرأس الرجاء الصالح.
وعلى أجندة المؤتمر الوزاري الـ13 لمنظمة التجارة العالمية المقام حاليا في دولة الإمارات تطرح القضية بإلحاح للوصول إلى صورة واضحة لمستقبل قطاع الشحن العالمي وسط توترات دولية عدة.
ومن جانب آخر، فقد استحوذت التأثيرات المباشرة لزيادة وقت الشحن وتكاليف الوقود على اهتمام مراقبي السوق وصانعي السياسات، ولكن هذه مجرد قمة جبل الجليد. فمع استمرار الاضطرابات والتوترات، ستواجه الشركات تحديات هائلة في المستقبل تتمثل في زيادة تكاليف التأمين، وانخفاض أمن السفن، والتأثيرات البيئية والاجتماعية والحوكمة على نطاق أوسع، من بين أمور أخرى. وكلما طال أمد هذه الأزمات تصاعدت معها أزمة التجارة العالمية التي انعكست بصورة واضحة على حركة البضائع.
أزمة البحر الأحمر
يقدم الوضع المضطرب في البحر الأحمر لمحة بسيطة عن مستقبل المخاطر الجيوسياسية على الشحن البحري. ويُعد البحر الأحمر أحد طرق التجارة الرئيسية بين آسيا والشرق الأوسط وأوروبا، حيث تشير تقديرات سابقة إلى حجم التجارة العالمية التي تستخدم هذا الشريان البحري. ويشمل ذلك 20% من إجمالي شحن الحاويات، ونحو 10% من النفط المنقول بحراً، و8% من الغاز الطبيعي المسال. ومع ذلك، فإن البحر الأحمر ليس فريدًا من حيث أهميته: فالممرات الاستراتيجية للتجارة البحرية موجودة في جميع أنحاء العالم، من القنوات إلى المضائق والممرات الطبيعية.
وبينما تراقب الجهات الفاعلة آثار تهديدات الحوثيين وهجماتهم، سيبدأ الآخرون في النظر في قدرتهم على تنظيم شيء مماثل. ومما يثير القلق بشكل خاص احتمال حدوث أزمة اقتصادية عالمية إذا تم محاكاة هذه الأساليب على طرق أخرى كبيرة الحجم، وخاصة بحر الصين الجنوبي.
استعدادات المستقبل
للاستعداد لهذه الاضطرابات والتعامل معها في المستقبل، يحتاج صناع السياسات في قطاع الشحن البحري إلى فهم وتحديد حجم تأثير هذه الاضطرابات في طرق الشحن الرئيسية. وللقيام بذلك، من المفيد استكشاف التأثير الذي سيحدثه اضطراب البحر الأحمر، اعتمادًا على المدة التي سيستمر فيها.
وعندما تقوم السفن بتغيير مسارها أو اتخاذ طرق بديلة، فإن التأخير يخلق تأثيرًا ضارًا في الموانئ. عندما لا تصل السفن إلى أرصفتها في الوقت المحدد، تملأ الحاويات والبضائع الموانئ في انتظار الشحن. ومن خلال إعادة توجيه السفن أو رسوها، لا تتباطأ سلاسل التوريد فحسب، بل يتعطل توفر خيارات النقل من الموانئ. ويمكن للسفن المعاد توجيهها أن تطغى على الموانئ البديلة، مما يؤدي إلى عمليات احتياطية في الأرصفة واختناق المرور داخل وخارج الموانئ.
وكما حدث خلال جائحة كوفيد-19، تتراكم الحاويات بسرعة في الموانئ بسبب التأخير في وصول السفن. ويتفاقم هذا الأمر حيث يتم إعادة توجيه السفن بشكل متكرر أو أمرها بالرسو في محاولة لانتظار انتهاء المخاطر.
تطوير إجراءات التأمين
تعتمد الإجراءات المستقبلية على تعزيز أمن السفن، والاستعانة بالدعم العسكري الذي يجب إتاحته بشكل تعاوني بين الدول والمنظمات المعنية لضمان حماية الملاحة في الممرات.
وتفتح الهجمات الأخيرة في البحر الأحمر حدودًا جديدة من المخاطر الأمنية المتعلقة بالشحن. فقد اعتمد الحوثيون بشكل كبير على الطائرات بدون طيار والصواريخ الباليستية في هجماتهم. وهي أكثر تعقيدا، ويصعب التصدي لها، وفي بعض الأحيان، أكثر دقة من قرصنة القوارب الصغيرة.
ولم يعد الأمن المسلح على متن السفن كافياً في المستقبل في ظل هذه التوترات، كما أن السفن العسكرية الأصغر حجما لا تتمتع بالقدرة على التصدي لهذه التهديدات. ومع زيادة سهولة الوصول إلى هذه التكنولوجيا، فإن ضمان سلامة السفن سيكون أكثر تكلفة ويتطلب تكنولوجيا أكثر تقدماً.
مستقبل مخاطر الشحن
على الرغم من الجهود الأخيرة التي بذلتها القوى الغربية لاستعادة الملاحة في البحر الأحمر، فقد خرج المارد الآن من القمقم. لقد أوضحت إعادة توجيه التجارة العالمية على نطاق واسع القوة التي يمكن أن تمارسها الجهات الفاعلة والتحالفات الإقليمية.
وحتى لو تم الاتفاق على وقف دائم لإطلاق النار على الفور، فلا يمكن للسفن أن تستدير ببساطة وتعود إلى مساراتها الأصلية. سيتطلب التغيير الكبير في المخاطر الظرفية للمسار قدرًا كبيرًا من إعادة التفاوض على العقود بين مالكي السفن والمشغلين. وقد يقوم بعض المالكين بإعادة هيكلة العقود لمنع استخدام سفنهم على هذه الطرق. كما أن الضغوطات والممولين لن يكونوا على استعداد بشكل خاص للعودة إلى تقييمات المخاطر التي كانت سائدة قبل وقف إطلاق النار. لقد فتحت هجمات الحوثيين المجال أمام إمكانية شن هجمات أكثر تطوراً من خلال التكنولوجيا التي يمكن الوصول إليها نسبياً في ممرات الشحن المزدحمة.
هناك خطر حقيقي من احتمال تكرار هذا النموذج من قبل الجهات الفاعلة المطلة على طرق الشحن الأخرى ذات الحجم الكبير. وهناك منطقة ذات مخاطر مماثلة، إن لم تكن أكبر، تتمثل في تكرار هذه التصرفات في بحر الصين الجنوبي. فهو يحمل ما يصل إلى ثلث إجمالي التجارة من حيث الحجم وهو طريق رئيسي لنقل الطاقة.
أطواق النجاة
يظل مستقبل قطاع الشحن البحري مرهونا دائما بالتوترات الجيوسياسية التي تلقي بظلالها الكثيفة على الممرات البحرية، وفي ضوء ذلك يؤكد العديد من الخبراء إلى أن الأزمات الأخيرة التي شهدها قطاع الشحن تدفع في اتجاه التكتل العالمي لحماية ممرات التجارة العالمية ويأتي ذلك من خلال:
– تحديث الاتفاقيات الدولية الخاصة بالبحار والممرات البحرية.
– بناء قوة عالمية لحماية شرايين التجارة العالمية.
– خلق وسائل جديدة للشحن التجاري عوضا عن البحار والممرات كالنقل الجوي والممرات البرية داخل القارات أو بينها.
– تخفيف الضغوط الجيوسياسية على قطاع الشحن البحري من خلال تعزيز الجهود الدبلوماسية العالمية.
– تعزيز أنظمة الأمن والحماية داخل السفن.