ماذا وراء الضغط السعودي على المجلس الانتقالي الجنوبي؟
دون الخوض في المقدمات التي تتحدث عن العلاقة بين الانتقالي والمملكة العربية السعودية من عدمها، وموقفها من مشروع استقلال الجنوب وإعادة بناء دولته المستقلة.
ما نود تناوله هنا هو معرفة التغيرات الأخيرة في مسار العملية السياسية التي تخوضها مختلف الاطراف الداخلية والخارجية للتوجه نحو إنها الحرب والدخول في مفاوضات التسوية النهائية، فالمملكة العربية السعودية هي التي تقود التحالف العربي الداعم للشرعية في حربها مع الحوثي، وقد تميزت العربية السعودية في علاقاتها الخارجية بحالة من التغير والتبدل في أدوارها المختلفة بحسب منطق القوة الإمكانية، فعندما تشعر بضعفٍ قدراتها الداخلية العسكرية أو السياسية نجدها تلجأ لعقد التحالفات والمعاهدات والاتفاقيات التي تعتمد فيها على دبلوماسيه الشيكات بدرجة رئيسية، منطلقة من همها الرئيسي المتمثل في استراتيجية الحفاظ على الاستقرار الامني في المملكة وخوفها من أي تاثيرات خارجية على الداخل السعودي، لذا كانت تدفع في تصعيد بؤر التوتر داخل دول الجوار ضنا منها أن إنشغال دول الجوار بأوضاعها الداخلية يبعد أي تاثيرات لها على المملكة.
لم تكن الحركة الحوثية حالة يمنية طارءه بل هي مشروعا يتماشي مع مجريات الصراع الاقليمي والدولي في المنطقة، حيث تشكل خطرا على أمن واستقرار المنطقة بعامة ومنذ بدأية الحرب عمل الحوثي على تصوير الحرب الدائرة في اليمن بانها بينه وبين المملكة، بوصفها اعتدت على اليمن بحسب ما تردده ماكنة اعلام الحوثي منذ بداية الحرب، بينما كانت السعودية على راس تحالف عربي اخذ مشروعيته الاممية بالتدخل لمساعدة الشرعية اليمنية، حيث أقدم الحوثي على مواجهة المملكة بالرد على تدخلها في الحرب وقصفه اراضي المملكة بالصواريخ البالستية والطيران المسير اوجد حالة من الهلع والخوف داخل الاراضي السعودية .
هل السعودية تراجعت عن تصنيفها للحوثي واتجهت للحوار معه؟
المملكة لديها مشروع نهضوي كبير كما أوضحته رؤية الأمير الشباب الطموح محمد بن سلمان20/30 هذا المشروع لم ولن يتحقق إلا في حالة الاستقرار الأمني وإبعاد بؤر التوتر والصراع في المنطقة بعامة، كما أن اطالة زمن الحرب دون حسمها عسكريا بحسب الفرضية التي وضعها التحالف والشرعية اليمنية في بدأية الحرب في حسمها لصالحهم بوقت قصير.. كل ذلك دفع بالمملكة للتوجه للبحث عن مخرج يخلصها من مازق تدخلها في الحرب لاسيما بعد أن تبددت اهدافها من التدخل، لذا لجأت للتحاور مع الحوثي منفردة، دون بقية اطراف الحرب الاخرى، فالحوثي لم يكون هو الطرف الوحيد في هذه الحرب، لكنه الطرف الرافض لتدخل التحالف في الحرب واعتبره عدوان على اليمن وسوقه خطابه الاعلامي منذ بدأية الحرب، بينما كانت السعودية وبقبة دول التحالف قد أعلنت بانها تقود تحالف عربي بموجب القرار الدولي بهدف مساعدة الشرعية اليمنية وتخليصها من مليشيات الحوثي التي انقلبت على السلطة الشرعية وسيطرتها على صنعاء لهذا جاء التدخل من أجل عودة الشرعية إلى صنعاء والقضاء على المليشيات الحوثية..
إلا أن ما جرى على أرض الواقع وبعد تسع سنوات من الحرب،لم تنجح الشرعية اليمنية في محاربة الحوثي ودخولها صنعاء رغم مساعدة التحالف لها، كل ذلك اثبت للمملكة وبقية دول التحالف بان الحوثي قد تمكن من استمرار فرض سيطرته على صنعاء وبقية المحافظات الشمالية، بل استطاع ترويض المجتمع بهذه المحافظات ذات الكثافة السكانية والخلفية السنية، وقبولها بحكم الحوثي ذو الخلفية اليزيدية السلالية، هذا ما دفع بالسعودية إلى الاقرار بتواجد الحوثي على الارض والتفكير في إعادة النظر في سياستها تجاهه، والدخول في حوار مباشر معه يمكن تقدم من خلاله التنازلات ما دام الأمر يتعلق بمصالحها وإبعاد الخطر على اراضيها، بدءا في تراجع الطرح الذي يرى بان الحوثي مشروعا طائفيا يهدد أمن المملكة ومدعوما من عدوها التقليدي ايران .
إذ ذهبت إلى التفكير باستحضار علاقتها القديمة التي كانت داعمة لحكم الائمه الزيدية، الذي هو نفس توجه الحوثي المرتبط بالمذهب الشيعي، النقيض للتوجه السعودي السلفي السني، في هذه الجزئية اعتمدت السعودية سياسية التكتيك في تاجيل الصراع الديني ودخلت في حوار مع الحوثي يتعلق بالحالة السياسية والاقتصادية أظهرت استعدادها لتقديم المساعدات الاقتصادية للحوثي مستغلة بذلك اوضاعه الاقتصادية وحاجة الحوثي للدعم، مقابل الوصول إلى اتفاق لتامين حدودها معه، إذ يركز الحوثي في حواره مع السعودية بهدف الحصول على المكاسب الاقتصادية فهو في أمس الحاجه لها وهي مكاسب آنية يستلمها الحوثي تساعده على تقويته نفوذه، وربما قد توصل الطرفان إلى تفاهمات في ذلك.
أما فيما يتعلق بالمصالح الاستراتيجية فانها تاخذ طابع المعاهدات ذات البعد الاستراتيجي، والحوثي معروف بعدم التزامه لاي اتفاقيات، أو معاهدات، وطالما كانت الحرب اليمنية التي فجرها الحوثي بسبب ما انتجه مؤتمر حوار صنعاء الذي أقر تقسيم اليمن إلى سته اقاليم حصر بموجبها الحوثي في اقليم المرتفعات الجبلية الخالي من الموارد وبعيد عن المنافذ البحرية، وهذه رؤية لعبت السعودية دورا كبيرا في انتاجها، ذلك ما دفع الحوثي بالسيطرة على صنعاء والتمدد تجاه المواني ومناطق الثروات في الجنوب، وعليه فان تباحث السعودية مع الحوثي حول ذلك انطلق من إعادة النظر لديها برؤية تقسيم الاقاليم بحسب مؤتمر الحوار، حيث اقتنعت بان يكون للحوثي الحكم على اقليم اليمن الشمالي مناطق سيطرته الحالية.
وتبقى المسالة هنا هو ما يتصل بالوضع في الجنوب الذي استطاع طرد الحوثي منه بدعم التحالف العربي بقيادة السعودية والامارات عندما تقاطعت مصالحهم مع الجنوبيين وخاضوا الحرب ضد الحوثي، حيث دخلت السعودية بعلاقة مع المجلس الانتقالي الجنوبي الحامل السياسي للقضية الجنوبية، والساعي إلى إستعاة الدولة الجنوبية، فضلا عن علاقتهما مع ما تسمى بالشرعية اليمنية التي اعطت التحالف شرعية التدخل.
كان تحالف الضرورة مع الانتقالي قد تميز بعلاقاته القوية مع التحالف لانه الطرف الوحيد القوي في مواجهة الحوثي حيث اظهرت قواته المسلحة تفوقها في الدفاع عن المناطق الجنوبية وصد هجمات الحوثي، على العكس من ذلك كانت قوات ما تسمى بالشرعية قد أظهرت تواطئها وعدم جديتها بالحرب ضد الحوثي، بينما كانت القوات الجنوبية تتقدم إلى العمق في الساحل الغربي وصولا إلى مشارف ميناء الحديدة، كانت الشرعية تتفاوض مع مليشيات الحوثي في السويد، وفي هذا التفاوض اسقط عنهم تهمة المليشيات الانقلابية وتم مساواتهم مع الشرعية اليمنية.
الأمر الذي زاد من تازم العلاقة بين الشرعية التي يتحكم فيها تنظيم الاخوان وبين المجلس الانتقالي لاسيما في حربها على الخدمات في المناطق الجنوبية المحررة، واثارة الصراع مع الانتقالي بدلا من توجيه صراعها مع الحوثي، إذ اتجه الاخوان في الشرعية إلى نقل الصراع للداخل الجنوبي وتم التصادم بينهما تمكن الانتقالي من السيطرة العسكرية على المناطق الجنوبية.
تجاه ذلك تدخلت السعودية وعملت على التقارب بينهما من خلال عقد اتفاق الشراكة بالحكومة بحسب اتفاق ومشاورات الرياض، على أمل معالجة اوضاع الجنوب المتردية، إلا انه للاسف الشديد لم يتغير شئ في الواقع، بل زادت الاوضاع سوء.
كان دخول المجلس الانتقالي في تحالف مع عدوه وضع غير منطقيا، وهو الامر الذي زاد من تعقيد الاوضاع في المحافظات الجنوبية.
ظل المجلس الانتقالي متمسك بتوجه السياسي الثابت والمتمثل باستقلال الجنوب الذي قدم الجنوبيون من أجل ذلك عشرات الالاف من الشهداء .
هذا التوجه لم يرضي الشرعية وعملت حكومات الشرعية على بقا الجنوب كعهده بيدها حتى تنتهي الحرب، وعدم السماح بإعادة مؤسسات الدولة في الجنوب وهو الامر ساعد الحوثي على تقويته.
ما الذي اثار غضب السعودية من الانتقالي؟
بعد التقارب السعودي الحوثي اتسع الموقف الجنوبي الاكثر تشبتا بموضوع استقلال الجنوب وتاييد ذلك من قبل بعض القوى التي كانت على خلاف مع الانتقالي ومنهم قوى الشرعية المنتمين للجنوب وبعض الاحزاب السياسية وقد عزز ذلك تحركات الانتقالي خلال الشهرين الاخيرة المتمثلة بدعوته لعقد ملتقى الحوار الجنوبي الذي جمع معظم المكونات السياسية والاجتماعية الجنوبية وتوقيعها على الميثاق الجنوبي الذي اكدوا فيه على مشروعية استقلال الجنوب، فضلا عن تحركات قيادة الانتقالي في المناطق الشرقية، واعلانها عن نتائج إعادة الهيكلة للمجلس الانتقالي الذي اضاف في تركيبته قيادته ابرز الشخصيات القيادية والعسكرية إلى قوام هيئة رئاسة الانتقالي مثل اللواء ابوزرعة المحربي الذ ي يقود اكبر قوات عسكرية منظمة واللواء فرج البحسني واللواء هيثم قاسم طاهر، والشخصية الاجتماعية البارزة في محافظة المهرة راجح با كريت.
كل هذا جرى بقرار جنوبي داخلي بحت لم ياخذ راي احد بذلك، ربما إقدام الانتقالي على عمل مثل هذا لم يرضي بعض الاطراف ومنها السعودية.
حيث لوحظ بعض التحركات التي تتعاكس مع توجهات الانتقالي وتحاول اللعب على ورقة جغرافيا الجنوب وهنا ربما تقاطعت المصالح السياسية بين تلك الاطراف التي تحاول اضعاف الانتقالي، فالسعودية تحاول ان تجد مساحة تابعة لها في اليمن بعد حوارها مع الحوثي والاقتناع بحكمه على الشمال، بينما تفكر بالوقت نفسه ان تعمل مع بقايا الشرعية بان تجد لهما مساحة ينطلقون منها، هذا يشير إلى عدم جدية انها الازمة في اليمن بل العمل على خلق بؤر التوترات قائمة هنا وهناك، حيث تحاول استحضار احلامها القديمة /الجديدة امتداد نفوذها على اقليم حضرموت الغني بالموارد. وتوجسها من نفوذ الانتقالي بهذا الاقليم لعدم ثقتها بتبعيته المطلقه لها، لهذا لم تسمح لقوى تحكمه غير موالية حيث تعتبر تحالفها مع الانتقالي هو تحالف مرحلي فرضته حالة الحرب، لم تثق بان الانتقالي موالي وتابع لها، بل ترى بانه اقرب للامارات منها، ومن ثم فهي تحاول الاحتفاظ بالشرعية اليمنية والاعتماد عليها في حكم الاقليم، وهذا لم يتم إلا من خلال اضعاف الانتقالي من خلال ما تمتلكه من اوراق ضاغطة عليه عبر اضعاف حاضنته الاجتماعية من خلال الدفع بتاسيس مكونات اخرى تنافس الانتقالي. او عبر الضغوط التي تمارسها في قطع المساعدات المالية ووقود الكهرباء ورواتب العسكريين .
توصيات للانتقالي:
اولا. يجب الادراك جيدا إلى ان السعودية دولة محورية مهمة جدا لا يمكن الخروج عنها في هذا الوقت، إذ ينبغي العمل معها بهدوء وصبر والتقرب منها والتوصل إلى تفاهمات معها في الوقت الداهن.
ثانيا. الحذر من أي عمل يجر الانتقالي إلى إتخاذ اي مواقف متشنجة في مواجهة السعودية فهذا ما تريده الاطراف المعادية للجنوب ومشروعه التحرري.
ثالثا. ننصح بعدم حشر الانتقالي في اي صراعات قد تظهر بين التحالف والناى به بعيدا عن ذلك.
رابعا. السير في استكمال الهيكلة وبالذات العسكرية وتعزيز التواجد العسكري على ارض الجنوب.
خامسا. مراجعة الا خطاء التي رافقت عمل الانتقالي في الفترة الماضية واتخاذ المعالجات لها سريعا.
سادسا. تعزيز العلاقة مع الخارج وبالذات بريطانيا ربما كانت رؤيتهم من الازمة والاحداث تقترب من التفهم للحالة الجنوبية.
صادر عن مركز مدار للدراسات والبحوث.
المصدر