باحث سياسي يستعرض الأبعاد السياسية لتعاظم التهديدات على الملاحة الدولية
4 مايو/ خاص
استعرضت ورقة عمل بحثية قدمها الباحث والقارئ السياسي محمد الجنيدي خلال لقاء تشاوري موسع نظم صباح اليوم في العاصمة عدن، بحضور ممثلي الجهات الحكومية وهيئات ووكالات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية غير الحكومية وممثلي منظمات المجمع المدني، الأبعاد السياسية لتعاظم التهديدات على الملاحة الدولية في البحر الأحمر والعربي وتداعياتها الاقتصادية والبيئة والإنسانية وفرص الحلول لمعالجتها وزوالها.
وقدمت ورقة العمل البحثية التي أُخضعت للنقاش والإثراء من قبل مجموعة العمل المكونة من نخبة من الأكادميين والحقوقيين والباحثين، قراءة تحليلية للأبعاد السياسية للتهديدات على الملاحة الدولية ومدى علاقتها بالصراع الدائر في منطقة الشرق الأوسط.
ولأهمية الورقة ننشرها بالنص كما جاء في ورقة الباحث.
تنطلق هذه القراءة التحليلية من منطلق إثراء منصة، وحلقة النقاش المتعلقة ببحث وتقييم مخاطر التصعيد الجاري في البحر الأحمر، وآثاره على الجوانب الاقتصادية والبيئية والصحية والأمن الغذائي، حيث ننصرف هنا في استقراء الأبعاد السياسية والجيوسياسية للأوضاع الحاصلة في منطقة الشرق الأوسط، ودورها في إنتاج جولات التصعيد والتهديدات على التجارة الدولية في الممرات الملاحية الدولية في البحر الأحمر والبحر العربي.
وإذا كانت أوراق العمل الأخرى ستسلط الضوء على تهديدات الإعتداءات الحوثية على التجارة والملاحة الدولية، ومخاطرها الإقتصادية والبيئية والصحية، فإن المساحة في هذه القراءة ستتركز في جذور ومسببات نشأة هذه التهديدات والمخاطر، وبحث فرص معالجتها وزوالها.
فإذا كنا هنا سنخوض في تشخيص الحالة الجارية، والنظر في جذور ومسببات نشأتها، فإن ذلك سيتطلب قراءة عميقة لمراحل الصراع في منطقة الشرق الاوسط، ومراحل بناء وتشكيل التحالفات بين القوى الإقليمية في المنطقة، لكننا سنكتفي بإعتبار الحالة الحالية إمتداد وحصيلة متوقعة لتلك الصراعات الإقليمية وحتى الدولية، وإذا كنا سنتحدث خلال هذه الحالة عن التهديدات على التجارة الدولية ، فيمكننا العودة إلى التهديدات التي أثّرت على إمتدادات تدفق النفط للعالم، وشكلت عاملاً في نقص إمدادات النفط وإرتفاع أسعاره، حيث أنتج الصراع مع إيران إلى إيجاد مساحة لتحريك حلفائه وأدواته ، ومنها مليشيا الحوثي التي استهدفت منشآت النفط في السعودية -ارامكوا- وتسببت في تهديد إمدادات النفط وإضطراب أسواقه.
وإذا ما سلمنا، أن الصراع مع إيران قد هدد إمدادات النفط، فإن الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني، والتحركات الأمريكية البريطانية مع بعض الأطراف العربية والإقليمية في منطقة الشرق الأوسط، حول رسم خارطة جديدة لوضع مسارات للسوق والتجارة العالمية، وتجاوز وتغافل المعطيات التاريخية والمتغيرات وخارطة التحالفات الجيوسياسية في المنطقة، قد أنتج كمحصلة طبيعية إنتفاضة الأقصى في السابع من أكتوبر، وما تلاها من تفجر للحرب وتوسع نطاقها، للتحول من معركة إسرائيلية فلسطينية إلى إسرائيلية، أمريكية، بريطانية، وفلسطينية، عربية، إيرانية، من جانب آخر، لتمتد فصولها ومسرح عملياتها لتطال دولا عربية، وتهدد مسار الملاحة والتجارة العربية في عرض البحر الأحمر والبحر العربي.
وإذا ما كنا قد استعرضنا بخلاصة وقراءة لموجز جذور ومسببات نشأة التهديدات الجارية على الملاحة والتجارة الدولية، فإن الحديث في الجزئية الأخرى ينبغي أن تقف على تقييم الآثار الكارثية، التي أنتجها هذا الصراع، وهذه التهديدات على كافة الأنحاء ومدى استمرارها، والفرص المتوافرة لزوالها.
وهنا في تلخيص سريع تكبدت التجارة العالمية خسائر كبيرة، حيث ارتفع التأمين على سفن شحن البضائع لنحو (300 ٪) ، وارتفعت تكاليف النقل، وتحول العديد من المسارات الملاحية نحو رأس الرجاء الصالح لتتضاعف تكاليف الشحن البحري عدة مرات، كما خسرت مصر نحو ( 50٪) من عائدات قناة السويس، وغيرها من النتائج الكارثية خلاف التلوث البيئي للبحرالأحمر، وتأثيره على الثروة السمكية جراء غرق السفن والتسرب النفطي، ناهيك عن تحول البحر لمسرح حرب للسفن والفرقاطات البحرية، حتى أصبح استمرار الوضع الحالي تهديداً حقيقياً للإستقرار والسلم العالمي، وأصبح معه العالم مدعو أكثر من أي وقت للبحث وإيجاد الحلول والمعالجات الموضوعية، التي تعيد تصويب الأمور وتعيدها إلى مسارها الطبيعي، فما هي تلك الحلول والمعالجات ؟.
أثبتت الأشهر الخمسة الاخيرة، إستحالة الحسم العسكري للمعركة على الأرض الفلسطينية، والدول المحيطة بها، كما لم تحقق الضربات الجوية تجاه منصات الصواريخ بمناطق الحوثيين الى وقف التهديدات على البحر الأحمر، بل إن استمرار الصراع يزيد من رقعة اتساعه، واستخدام اسلحة جديدة ومتنوعة، وبالتالي فإن الطرق والقنوات الدبلوماسية، هي السبيل والخيار الأمثل ان لم نقل الوحيد لوضع الحلول والمعالجات لإنهاء الصراع الملتهب واستعادة السلم والاستقرار العالمي، ومن هنا ينبغي الإشارة إلى تفجر الصراع الإسرائيلي الفلسطيني كان محطة انطلاق لهذه التهديدات ، فإن وقف الحرب فيها ينبغي أن يكون هو البداية السليمة لوضع الحلول والمعالجات لوقف مؤقت ومن ثم دائم لكل تلك التهديدات.
وخلاصةً للحديث فإن كانت فرص وقف اطلاق النار وإفساح المجال أمام تدفق المساعدات وتبادل الأسرى وتهدئة حدة النزاع المستعر في فلسطين وجنوب لبنان مع الجانب الاسرائيلي سيؤدي لخفض وربما وقف التهديدات على البحر الاحمر والعربي بشكل مؤقت ، الا ان ذلك سيسهم في خلق أرضيات ومناخات ومساحات لتبني ورعاية مؤتمر عالمي، لمناقشة إستئناف المبادرة العربية للسلام، المنعقدة في قمة بيروت، والقائمة على إقامة الدولتين على حدود 1967م، والتي تشكل إجماع دولي لبلوغ سلام دائم في منطقة الشرق الاوسط.
ختاماً ونحن نقدم ورقة العمل هذه في هذا اللقاء والحلقة النقاشية والتشاورية لقوى ومنظمات المجتمع المحلي، وفي حضور ممثلي مكتب المبعوث الدولي ومنظمات الأمم المتحدة، وتحت إشراف ورعاية من السلطات المحلية بالعاصمة عدن، ندعو لرفع أصواتنا عالياً، لوقف الحرب الجارية في المنطقة العربية، ومثلما هناك الآلاف من ضحايا تلك الحرب، فإن هناك شعب في شمال وجنوب اليمن، أنهكتهم الحرب والصراع العبثي الذي يوشك ان يتجاوز العقد الكامل، ينظرون ويعلقون آمالهم وتطلعاتهم على ان يدفع وقف الحرب والتهدئة في المنطقة، لإنفراج حال بلدهم بعد سنوات من العناء، ويحل السلام الدائم والعادل بعد طول انتظار.