اخبار محليةعدن تايم

تحليل : تدويل ملف اليمن وانعكاسه على فرص الحل السياسي الشامل والقضية الجنوبية

الجـــزء 1 مــن 3 :

منذ بداية 2022 دخلت العلاقات الدولية مرحلة المواجهه المباشرة ابتداءً من أوكرانيا وقد تتوسع إلى حرب مباشرة في اي لحظة بين روسيا وحلفائها من جهة وبين دول حلف الناتو.

وخلال الاشهر الماضية ارتفعت بشكل خطير لغة التهديد باستخدام القوة المميته بين قطبي هذا الصراع الدولي والاستعداد المكشوف له .

1) اليوم تتحدث فرنسا عن إمكانية المشاركة المباشرة بجنودها في حرب اوكرانيا ضد روسيا، وتعلن بريطانيا عن السماح باستخدام صوريخها في عمق الأراضي الروسية من قبل الجيش الأوكراني، وبالمقابل تعلن روسيا حالة الاستعداد الكامل لاستخدام اسلحتها النووية التكتيكية في اي لحظة ضد اهداف في دول الناتو وتعتبر وجود أي طائرات F 16 لدى الجيش الأوكراني هو خطر نووي مباشر على روسيا ( لقدرة هذا الصنف من الطائرات على حمل السلاح النووي) ويجب التعامل معه بموجب هذا الاحتمال.

2) المخابرات الامريكية تحذر بان ميزانية الجيش الصيني الحقيقية لهذا العام هي ثلاثة اضعاف الميزانية المعلنة ، اي 700 مليار دولار وليس 224.7 مليار فقط دون أن تصدر الصين اي نفي رسمي لهذه التقارير الامريكية.

هذه المعلومة الثقيلة عن حجم الاستعداد العسكري الصيني يكشف حجم الاستعداد العسكري الرهيب بين اكبر قوتين اقتصاديتين بالعالم ( أمريكا باكثر من 890 مليار والصين بحوالي 700 مليار دولار سنويا).

وهذا المؤشر اذا صح فإنه سوف ينقل اعتبارات العلاقة الاستراتيجية بين أمريكا والصين من تصنيف المنافسة الاقتصادية الي تصنيف الخطر العسكري فيما بينهما.

3) الشواهد كثيرة ويصعب ذكرها في هذا الايجاز ولكن الخلاصة فيما سبق هو أن التهديد العسكري المباشر المعلن بين الخمسة الكبار بالعالم خلال الاشهر الماضية بالتزامن مع بداية انتشار الصراع وتوسعه خارج ساحة اوكرانيا الي فلسطين وايران وباب المندب هو أقرب مايكون الى تهيئة وتعبئة عامة للرأي العام لاحتمالية انفجار الوضع الي حرب عالمية ثالثة في اكثر من منطقة متوترة بالعالم.

4) ان الانتقال من إدارة الصراع بين الكبار عبر الوكلاء الاقليميين كما جرت سنة الحرب الباردة منذ خمسينات القرن الماضي الى المواجهة المباشرة بين الكبار باي درجة كانت سوف يلغي اي استقلال وطني لاي صراع محلي ويجبر الجميع للتحول كعوامل مساعدة في هذا الصراع العالمي على حساب الاولوية الوطنية لقضاياهم.

الجـــزء 2 مــن 3 :

5) لقد انعكس هذا الصراع الدولي بالفعل على ملف الحرب في اليمن.

حيث بدأت ازمة الحكم بالجمهورية اليمنية مع انتفاضات ما سمي بالربيع العربي في اليمن وذلك كازمة سلطة بين اطراف محلية بالاضافة الى تطور القضية بين شركاء الوحدة اليمنية الي حراك سياسي متجذر في الجنوب للخروج من مشروع الوحدة.

6) هذا الصراع الداخلي في ج ي تطور الي انقلاب كامل على السلطة في صنعاء بداية 2015 استدعى بموجبه التدخل الاقليمي المباشر من دول التحالف العربي خوفا من نفوذ إيراني محتمل عبر سلطة الانقلاب الحوثي

وبذلك انتقل الصراع حول قضايا وطنية بين اطراف محلية الي صراع اقليمي معلن بين السعودية وحلفائها وبين ايران ،

7) وعليه بنيت الاصطفافات الداخلية في حرب استمرت اكثر من 7 سنوات على هذا الاعتبار الاقليمي،

وكانت كل الجهود الأممية للتوسط وإيجاد حل سياسي شامل قائمة على هذا الاعتبار كذلك،

وكانت الرياض وطهران اهم العواصم الذي حاول الجهد الأممي لإيجاد مايقرب بينهما لدعم اي حل سياسي لملف الحرب باليمن.

8) خلال الشهور القليلة الماضية كانت الحرب في غزة عنوانا جديدا لانخراط طرف محلي ( الحوثي) في سياق اصطفاف دولي والمشاركة الفعلية بالحرب ضد اسرائيل والدول الغربية الداعمة لها وأصبح باب المندب وخليج عدن وجنوب البحر الأحمر ومحافظات العربية اليمنية مسرحا لهذه الحرب.

9) الهجمات الحوثية على بعض السفن اعطي أمريكا ودول غربية العذر المنتظر لتكثيف تواجدها العسكري في هذا الممر الملاحي الهام في باب المندب ليس لصد الحوثي فقط ولكن لإنجاز انتشار عسكري استباقي استعدادا لحرب الممرات الملاحية الدولية المحتمل بين الغرب والصين اذا ما تطورت الازمة بينهما في السنوات القادمة.

10) المهم محليا في هذا الأمر أن تطورات باب المندب قد فرضت معطى جديد في اي مبادرة سياسية للحل باليمن وأصبحت أمريكا وبريطانيا طرفا أساسيا فيها بعد ان كانت تقوم بدور الرعاية فقط.

11) اليوم لايمكن الحديث عن اي مبادرة للحل السياسي باليمن قبل الاتفاق الدولي على أمن الملاحة البحرية الدولية في باب المندب..

وعليه اصبحت قضية الصراع باليمن مجرد ورقة تابعة في قضية صراع دولي اخر حول الممرات البحرية في باب المندب وبالتالي اصبحت كل الاطراف المحلية والاقليمية تدور الان في فلك صراع دولي اكبر بين الكبار..

12) لقد أصبحنا نقترب كثيرا من انتهاء حالة الإجماع الدولي في ملف اليمن إلى حالة يصبح فيها هذا الملف إلى قضية خلافية بين كبار اعضاء مجلس الامن مما سوف يضيف تعقيدات جديدة وكبيرة على اي مبادرة للحل السياسي الشامل ، وقد تحدث عن ذلك صراحة المبعوث الدولي قبل ايام في حوار مع مركز الدراسات الاستراتيجية الدولية ( CSIS) ان الصراعات الدولية سوف تعكس تعقيداتها على القضايا المحلية ومنها ملف اليمن وبالتالي ( وهذا الأهم) فأن الوصول إلى اتفاق سياسي اليوم لن يكون الحل النهائي لملف الحرب باليمن وانما يمثل نقطة انطلاق لمرحلة طويلة الأمد للوصول إلى حل سياسي شامل.

13) الخلاصة :

أفق الحل السياسي الشامل اصبح اكثر بعدا وتعقيدا بسبب تسيد مستجدات الصراع الدولي على اعتبارات الصراع بين الأطراف المحلية، وما كانت تنشده اليمن في الرياض وطهران عليها ان تبحث عنه اليوم في عواصم ابعد واكبر في واشنطن موسكو ولندن وبكين.

الجـــزء الاخير 3 مــن 3 :

14) كلما زاد عدد الاطراف المعنية باي صراع كلما كانت عملية التوصل لحل توافقي بينهم اكثر صعوبة وتعقيدا ، فكيف اذا كانت هذه الاطراف الجديدة هي حكام العالم من الدول الكبرى التي لاتقبل بأقل من تحقيق اجندتها الخاصة اولا ، وعلى حساب اي استحقاقات اقليمية او وطنية اخرى ، وهذا هو واقع الحال اليوم في المشهد السياسي بالنسبة لملف الحرب في اليمن.

15) لقد أصبح مسار الحل التفاوضي السياسي للحرب باليمن اكثر صعوبة وتعقيدا اليوم عن ما كان عليه قبل عام تقريبا وذلك بشهادة وتاكيد من المبعوث الأممي المعنى باليمن.

16) يترافق هذا الأمر مع صعوبة أقرب للاستحالة في إمكانية الحسم العسكري من قبل أي من الاطراف المحلية، حيث يصعب على الحوثي التوسع جنوبا لانعدام اي حاضنة شعبية له بشكل مطلق وبالمقابل يصعب على الشرعية باجنحتها الكثيرة والمتنافرة ان تحقق اي انجاز عسكري شمالا ويكفي معيار الصمود في كل معسكر للقياس عليه حيث لم يسجل اي انشقاق عسكري لافت في قوات الحوثي خلال السنتين الماضيتين بينما انشقت وبشكل متكرر اعداد من قوات الشرعية وذهبت الي صف قوات الحوثي.

17) يترافق هذا الأمر كذلك مع شلل وفشل اقتصادي عميق لدى الشرعية والحوثي في نفس الوقت انعكس بشكل مؤلم على الحالة المعيشية للمواطن.

18) هذا الفشل الاقتصادي و استحالة الحسم العسكري و الجمود السياسي المتوقع بالتزامن مع نذر زيادة التوتر وربما المواجهة العالمية بين اقطابها الكبرى يرسم صورة قاسية للمستقبل القريب لملف الحرب باليمن ومآلاته ويجعل الضوء في نهاية النفق اكثر خفوتا واشبه بالسراب.

19) بعد كل تلك المعطيات وغيرها الكثير التي يصعب الاحاطه بها في هذا الايجاز فأن الرهان على مسار الحل السياسي التفاوضي فقط في حل القضية الجنوبية يحتاج إلى إعادة تقييم عميقة ومراجعة استراتيجية للبحث عن أدوات اضافية اخرى تحقق بعض اهداف القضية الجنوبية.

20) ان المسار الآمن للقضية الجنوبية يجب وبقوة ان لاينحصر فقط في خيار المفاوضات السياسية والا اصبح مسارا غير آمنا بكل ما تحمل الكلمة من معنى.

21) بمعنى اوسع على الطرف الجنوبي المشارك في دولة الشرعية التي اصبحت اليوم لاتملك قدرة الحسم العسكري ضد سلطة صنعاء وليس في يدها اليوم اي أوراق رابحة للحل السياسي الشامل.. على الطرف الجنوبي ان يسأل نفسه ما فائدة هذه الشراكة ان لم يكن في الافق اي فوائد َمنظورة يمكن جني ثمارها؟

22) يتزامن ذلك مع نزيف يومي حاد في شعبية وثقة الشارع الجنوبي بالطرف الجنوبي الذي يمثله في دولة الشرعية بسبب استمرار الازمة الاقتصادية وتدهورها من السيء الي الاسوئ كل يوم.

23) يجب وقف هذا النزيف الخطير وعدم الرهان على الحل السياسي التفاوضي ولا على الحسم العسكري ( حتى على مستوى الجنوب) لعدم توفر الشروط الموضوعية لذلك.

وتركيز كل الجهد وبشكل مثابر في ثلاثة مسارات مهمة :

– تحسين الاداء الذاتي وتنظيف صفحة المجلس الانتقالي من الممارسات الفردية الخاطئة لبعض منتسبيه وقياداته وذلك بالمحاسبة المباشرة لهم وتوسيع المشاركة الوطنية في كل مؤسساته.

– العمل بشكل مكثف من داخل مؤسسات الشرعية للتقليل من حالة الانهيار الاقتصادي والاعتماد على الكفاءات الاقتصادية واعطائها الثقة والصلاحيات المناسبة لإنجاز ذلك.

– التركيز على اهمية إعادة بناء وتفعيل مؤسسات الدولة في الجنوب وصخ الكوادر الوطنية الناضجة في مواقع القرار بها بما يخدم بالاخير الي تعزيز الأوراق الداخلية للطرف الجنوبي وهي شرط هام لتحقيق اي نجاح في مراحل قادمة يسهل الوصول لاهداف القضية الجنوبية.


المصدر

جوجل نيوز

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى