قراءة تحليلية للوساطة العمانية
الى ما قبل حرب ٢٠١٥م…كان يُنظر إلى عُمان على أنّها “سويسرا الشرق الأوسط كونها “دولة حيادية لا تنخرط في صراعات إقليمية وليس لديها مطامع جيوسياسية”.
جغرافيّا، فإن موقع عمان، فضلاً عن علاقاتها الطويلة مع كل من الشرق والغرب، كلها عوامل ساهمت في تطوير نهج عُمان في السياسة الخارجية.
وبينما اتسمت سياسات سلطة عُمان الخارجية بالحياد والتوازن تجاه قضايا المنطقة، ظهرت تساؤلات محرجة عن طبيعة العلاقة التي تربط السلطنة بجماعة الحوثيين، وما إذا كانت هذه العلاقة جزءاً من سياسة الانفتاح على جميع الأطراف التي تنتهجها سلطنة عُمان، أم أنّ هناك مصالح مشتركة تخدم الطرفين؟
فبينما تحدثت عن تأييدها لشرعية الرئيس عبدربه منصور هادي وحكومته – خصوم الحوثيين.كانت عُمان هي الدولة الخليجية الوحيدة التي رفضت المشاركة في عملية “عاصفة الحزم” بقيادة السعودية في 2015، وأعربت عن معارضتها لعاصفة الحزم.
وحينما اتخذ مجلس التعاون الخليجي قراراً بنقل بعثاته الدبلوماسية من العاصمة صنعاء إلى العاصمة المؤقتة عدن، أبقت السلطنة سفارتها في صنعاء.
ولم تخل عمان سفارتها في صنعاء إلا في سبتمبر 2015، بعد قصفها من قبل طيران التحالف العربي على خلفية اتخاذ الحوثيين منها مقرا سياسيا وعسكريا لهم.
وفيما كانت عمان تجدد تمسكها بالقيادة المعترف بها دوليا لليمن، كانت في نفس الوقت تحافظ في المقابل على علاقات حميمة مع الحوثيين، كما تسعى لموازنة علاقتها بإيران بعلاقات بعيدة عن التوتر مع السعودية.
ْلكن “حيادية” عُمان حيال الصراع، كانت وما زالت محل شك لاسيّما وأنّ مسقط كانت قد أبدت تحفظات على فرض عقوبات دولية على الحوثيين، كما أنّها من بين الأصوات الرافضة لإدراج الجماعة على لائحة الإرهاب الدولي.
ومنذ عام 2015، تستضيف مسقط الوفد الحوثي المفاوض، الذي يقيم هناك بشكل دائم.
اصبحت عُمان تمتلك نفوذاً سياسياً قوياً على جماعة الحوثي، بعد النفوذ الإيراني، وهو ما يجعل الجماعة متمسكة بأن تمر أي مبادرات للتسوية عبر مسقط.
في الماضي، غالباً ما كانت عُمان تشترط على ضيوفها عدم “الانخراط بالسياسة.
على سبيل المثال، طلبت عُمان من الرئيس الجنوبي السابق علي سالم البيض، الذي لجأ إلى مسقط في أعقاب حرب 1994، مغادرة أراضيها بعد أن استعاد نشاطه السياسي بعد فترة صمت طويلة.
لكن أغلب نشاط الحوثيين في مسقط موجه تجاه نزاعهم مع الحكومة المعترف بها دوليّاً في اليمن وحلفاء هذه الحكومة: السعودية والإمارات ، ناهيك عن موقف السلطنة الغير مرحب بل الرافض لعودة دولة الجنوب.
وتربط محافظة المهرة علاقات جوار بمحافظة ظفار العمانية.
وتاريخياً شكلت هذه المحافظة عمقاً استراتيجياً للنزاع المسلّح بين جبهة تحرير ظفار والسلطنة (1965 – 1975).
وتتدخل السلطنة بشكل سافر في الشؤون الداخلية الخاصة بهذه المحافظة الجنوبية وتدعم موالين لها وللقوى الشمالية وخاصة الحوثيين.
الخلاصة:
في ضوء هذه القراءة السريعة…لا يمكن لأي مراقب إلا أن يشكك حد اليقين بعدم حيادية الوساطة العمانية تجاه الصراع والحرب الدائرة في اليمن وفي المنطقة منذ ٢٠١٥…إلا ما يمكن أن يتصل بالجوانب الإنسانية البحتة.
إما مفاوضات الحل السياسي النهائي الشامل والعادل فتحتاج إلى وسيط آخر أكثر حيادية ومصداقية ونظرة واقعية إلى جوهر وطبيعة وجذر الصراع.
المصدر