سيادة القانون من سيادة الأوطان
نحن في لحظة المواجهة الكبرى على كافة الأصعدة، وشرط حسمها وكسب معركتها الشاملة هو أن نكون جميعًا في ميدانها، هذه المواجهة ليست بعيدة عن غضبنا وتحفزنا الآن، واستعداداتنا وعددنا وعتادنا، لا بد أن نكون على قدر عالٍ من اليقظة والانتباه للحرب الناعمة قبل الخشنة الموجهة ضدنا.
يكفي للمرء إدراك ما يدور أن يطلع على عناوين الصحف ومواقع النشر الإلكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي في يوم واحد، ليكتشف واقعين نعيشهما بصبر وصلابة وجود، الأول حقيقة أننا نخوض معركة متعددة الجبهات تتطور أدواتها ووسائلها وأساليبها يوما بعد يوم، الثاني هو واقع مقاومتنا وقدرتنا على التصدي من خلال قواتنا المسلحة والأمن ووعينا ولحمة صفنا، وإدراكنا بأن مجلسنا الانتقالي، الذي تسعى الأطراف المعادية بطرق خائبة إلى تأليب مواقف جنوبية غاضبة منه، هو قائد معركتنا وهو متراسنا وسلاحنا في المواجهة حتى النصر.
لقد تعددت الواجهات والعناوين، لكن عنصر وقائع أخبارها هو طرفان: نحن شعب الجنوب ومجلسنا الانتقالي وقواتنا المسلحة، وهم قوى الإرهاب والترهيب والتخريب، الذين فشلوا في إعادة الجنوب، ومنه العاصمة عدن، إلى مربع الفوضى الأمنية، لذلك ذهبوا لتفجير جبهتها الخدمية بصواعق الأزمات وألغام التأزيم، ونظرًا للصبر الذي أبداه شعبنا رغم قسوة معاناته المعيشية، توجهت الأطراف المعادية وعلى رأسها المليشيات الحوثية، إلى مهاجمة مناعة التلاحم الشعبي ووحدة الصف الجنوبي، وهذا استهداف قديم متجدد، لم يسجل على مدى عقود الاحتلال وسنوات النضال التحرري الجنوبي السلمي والعسكري سوى الفشل والخسران.
هذه المرة عمدت تلك القوى، وبكامل إمكانياتها المادية والبشرية الدعائية، إلى استهداف القانون وجهات إنفاذه التي تمثل أهم مقومات الصمود ولحمة صف شعبنا، والوسيلة التي غايتها إحقاق العدل وصون شعبنا من الفوضى وثقافة الغاب، تجلى ذلك بوضوح من خلال استغلال قضية المقدم علي عشال الجعدني العادلة، التي انتقلت منذ لحظتها إلى قضية رأي عام جنوبي وقضية كل الجنوب شعبًا وقيادة، انتقلت في الوقت نفسه في المطابخ الإعلامية من قضية جنائية إلى مادة للتوظيف السياسي والمناطقي للتحريض والتشكيك وإثارة الفتن، تستهدف الجنوب ومكتسباته وقواته العسكرية والأمنية.
في ذات القضية والجريمة المدانة، ظهرت أعمال ومهام عدائية تحريضية كثيرة، منها مئات الإعلاميين ومواقع النشر، ومؤسسات صحفية، وقنوات، وإذاعات، ومنصات، ومطابع، وشبكات تحريض وتحريش منظم، كان هناك الكثير من متعهدي الفتن ومروجي الأراجيف والإشاعات المغرضة، والشتامين بالإيجار، ومخترعي الإشاعات وملفقي التهم، لكن شعبنا وفي طليعته أبناء أبين وأسرة المقدم علي عشال الجعدني، استطاع بنباهته ويقظته إحباط هذا المخطط وشل قدرات أدواته ووسائله وأبواقه، وتحويل القضية، التي هي قضية كل فرد جنوبي، إلى فرصة لتلقين من لم يفهم أن الجنوب جسد واحد وعلى قلب رجل واحد، وغايته واحدة هي الاستقلال واستعادة دولته وأن كلمة الفصل للقانون، وسيادة القانون كسيادة وطننا الجنوب خط أحمر.
لقد بعث شعبنا في تضامنه مع المقدم علي عشال الجعدني وأسرته رسائل عدة، كان أولها أن الجعدني هو قضية شعب بأكمله من المهرة إلى باب المندب، وأن القانون هو الحصن الحصين والركن الركين لأي شعب يبتغي التحرر والرقي والتحضر والنهوض والتقدم، بغيره تتهاوى أحلام وطموحات ونضالات الشعوب، وتسقط المؤسسات وتبخس التضحيات، وتتحول الحياة إلى غابة لا ضابط فيها ولا رابط، بلور شعبنا موقفه المؤازر لأحد أبنائه، وهو علي عشال الجعدني وأسرته وذويه، دروسًا كثيرة في التضامن والتلاحم ورفض الجرائم الدخيلة ومواجهتها، وفي قطع الطريق على المتربصين بالجنوب، أكد شعبنا وانطلاقًا من ثقافته التي جُبل عليها، أن القانون وحده هو الحكم، وأن الجميع تحت طائلته، وأن قوة القانون هي التي تحفظ لكل ذي حق حقه.
اطلع شعبنا بدور المعلم لمن يجهل أو يتجاهل الدور الذي قامت به الأجهزة الأمنية في ملاحقة الجناة وتتبعهم وإلقاء القبض على عدد منهم، رغم استخدامهم أعقد الأساليب ومحاولة الإفلات من القانون، إن قوة القانون من قوة جهات إنفاذه، والمس بمكانة هذه الجهات والانسياق وراء الإعلام المعادي ومطابخه، يعد مساسًا بالقانون والنيل من المقومات الأساسية لهيبة الدولة وسيادتها.
الشعوب التي مرت بالمنعطف الوطني الذي نمر به اليوم، وهو منعطف الانتقال من الثورة إلى الدولة وسط طريق شائك بالمؤامرات والدسائس الموجهة المعادية، أجمعت على ألا حل ولا ضامن لصون المكتسبات ووحدة الصف الجنوبي، ولا خلاص مما نحن فيه إلا بالقانون، أعني هنا ترسيخ وتعزيز قاعدة “قوة القانون” في العقلية الجمعية، والعمل على مؤازرة وتشجيع إنفاذ نصوصه بكل قوة على الجميع بلا تمييز، فما انتصرت ثورة ولا نهضت أمة وتقدمت إلا بقوة القانون، وما تعثرت ثورة تحررية وتخلفت دولة تقدمية، وتمزقت وضاعت هيبتها إلا بقانون القوة.
المصدر