موسم البلدة بساحل حضرموت .. ظاهرة فلكية فريدة وموروث شعبي تاريخي
4 مايو/ تقرير / رامي الردفاني
تشهد مدينة المكلا عاصمة حضرموت وعدد من المدن الساحلية هذه الايام وتحديدا النصف الثاني من يوليو موسم البلدة السياحي’ اذ يتوافد اليه الزوار من مختلف مدن وقرى حضرموت والمحافظات الاخرى للسياحة والترفيه والاغتسال في مياه البحر الباردة التي اعتاد عليها الحضارمة منذ مئات السنين كعلاج لبعض الامراض’.
هذا الحدث الذي تدشنه السلطة المحلية سنويا يوم 15 يوليو
الذي يلبس حضرموت ثوب البهجة، هي ظاهرة فلكية تحدث إثر التيارات المائية القادمة من القطب الجنوبي تكون فيه ماء البحر باردة، حيث تنخفض إلى 13 درجة مئوية، مما يجذب الآلاف لممارسة السباحة والاغتسال كعلاج طبيعي.
” رسالة سلام”
وكانت السلطة المحلية في حضرموت استغلت انطلاق موسم البلدة للترويج للموروث الشعبي والصناعات التقليدية والوجبات الحضرمية وإقامة فعاليات رياضية وثقافية’
واثناء تدشين الفعاليات إطلقت السلطة المحلية الحمام الزاجل في سماء سواحل المكلا، حاضرة المحافظة، كرسالة سلام للعالم.
وأشار محافظ حضرموت مبخوت بن ماضي، خلال إطلاق 500 من الحمام الزاجل إلى أنها تبعث رسالة سلام للعالم، مؤكدا أهمية موسم “نجم البلدة” في أحياء روح الأمل وإضفاء الفرحة على مواطني المحافظة وزوارها.
” معرض تسويقي”
نظمت هيئة الهلال الأحمر الإماراتي معرض تسويقي جديد للأسر المنتجة”
حيث استغلت ذراع الإمارات الإنسانية هذا الموسم لتلبية طموحات سيدات الأعمال عبر إقامة المعرض التسويقي الرابع للأسر المنتجة بساحة العروض في حضرموت، بمشاركة نحو 100 أسرة منتجة منها 61 أسرة من المكلا، و39 من غيل باوزير لدورهن الكبير في تعزيز الاقتصاد المحلي’ المعرض التسويقي الرابع للأسر المنتجة الذي تزامن إطلاقه مع موسم نجم البلدة السياحي، يستهدف “مساعدة الأسر على تسويق منتجاتهن وإبراز المواهب ودعم رائدات الاعمال وصاحبات المشاريع الصغيرة في المحافظة الساحلية’
ويشمل المعرض التسويقي، عدة أقسام أبرزها الأعمال اليدوية والتراثية والخياطة والتفصيل بأنواعها والحرفية والنسيج والبخور والعطور والاكسسوارات والكروشيه والمأكولات الشعبية.
يوفر “منصة تسويقية فعالة تساعد الأسر المنتجة على التواصل مع المستهلكين وزيادة مبيعاتها، مما يساهم في تحسين مستوى معيشتها ودعم الاقتصاد المحلي.
” ظاهرة فلكية”
نجم البلدة ظاهرة فلكية تغري الحضارمة بقاع البحر .. اذ يحتفل أهالي محافظة حضرموت وزوارها في هذا التوقيت من كل عام بالاغتسال في شواطئها الباردة’ ونجم البلدة هو نجم فلكي مرتبط بالأشهر الميلادية، ويعد من نجوم فصل الخريف، ويبدأ حسب التقويم الميلادي في منتصف يوليو (تموز)، من خلال تكون تيارات بحرية شديدة تنبع من أعالي البحار، تتأثر بها سواحل محافظتي حضرموت والمهرة، وتكون باردة جداً وتؤدي إلى تلطيف الجو في مياه بحر حضرموت، لا سيما في الأجزاء المطلة على مدينة المكلا والمناطق الحضرمية الساحلية الواقعة إلى الشرق والغرب من المكلا.
وبحسب ما هو متعارف عليه محلياً، فإن مياه البحر تكون الأكثر برودة عن غيرها من السواحل، وذلك يعود لاتجاه التيارات المائية والرياح والأمواج التي تكون أكثر تركيزاً واتجاهاً على هذه السواحل
.. اذ تتشكل في موسم نجم البلدة ظاهرة بحرية فريدة من نوعها، وذلك يتمثل في ارتفاع درجة برودة مياه البحر بشكل كبير، وذلك لأن نجم البلدة هو أحد النجوم المرتبطة بفصل الخريف من الناحية الزراعية، وهو في المنزلة الثانية، كما يصفه العالم الفلكي القزويني “فضاء في السماء لا كواكب له بين العائم وسعد الذابح”، ومكون من ستة كواكب مستديرة صغيرة وخفية تشبه القوس”
كما أن اشتداد الرياح الموسمية الشمالية وقوة انبعاث التيار البحري، يثيران حركة موج واسعة وعنيفة داخل البحار تقوم بدفع التيار الغائص الذي يدفع به المياه من الأعماق الباردة إلى سطح البحر، مما يدفع بالكتل المائية إلى الشواطئ الجنوبية لشبه جزيرة العرب، فتتشبع بالبرودة التي تسري في مياهها.
” مدلول ثقافي”
البعد التاريخي لنجم البلدة يرتبط بمدلول ثقافي وشعبي مهني حيث ارتبط الإنسان الحضرمي بنجم البلدة منذ القدم، وكان أكثر الفئات المهنية إحساساً بهذا النجم المزارعون، فكان موسماً لعقد الصفقات والعقود التجارية بين ملاك المزارع وعمالها، حيث يتم بذر المحاصيل الزراعية، كما ينتج التمر الطازج المسمى الرطب، وتنشط حركة الإنتاج الزراعي، وعلى العكس تماماً كان للصيادين في حضرموت قبل عشرات السنين قصص وحكايات مع نجم البلدة، أهمها عدم قدرتهم على الإنتاج السمكي كبقية فصول السنة نتيجة الأمواج العاتية، لذا كانوا يكتفون بصيد الأسماك في المناطق القريبة من السواحل، لكن قلة العمل تلك كانت فرصة لهم لممارسة بعض الأنشطة التراثية في هذا الموسم.
” انتعاش السياحة والاقتصاد”
البلدة موسم يجذب الآلاف من الزوار من محافظات عدة، مما تساهم في انتعاش السياحة حيث تشهد فنادق المكلا اقبالا كبيرا مما يضاعف الدخل اليومي ويعزز الاقتصاد الوطني’ كما يسهم اقبال الزوار الى مدن ساحل حضرموت في تحريك الاقتصاد وزيادة الدخل من خلال حركة المطاعم والمقاهي ووسائل النقل.
“فعاليات وأنشطة متنوعة”
شهد موسم البلدة هذه العام العديد من الفعاليات، أهمها كرنفال الألعاب الشعبية وفنون الرقص الشعبي ‘ والالعاب الرياضية المتنوعة والفعاليات الثقافية والتراثية التي احتضنتها شواطيء بحر العرب بالمكلا.
” ترويج للاستثمار “
أن أنشطة مهرجان البلدة تقليد سنوي تقيمه السلطة المحلية بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني والفرق الشبابية، ويتم التركيز على الأنشطة ذات الطابع الثقافي والتراثي والفني التي تؤكد وتجسد روح التراث الحضرمي الأصيل، بما تمتلكه حضرموت من فنون وتراث وثقافة وحضارة عظيمة تعود لآلاف السنين، وهي فرصة طيبة لجذب الزوار إلى مدينة المكلا والمدن الحضرمية الأخرى الواقعة على الساحل، وتنشيط الحركة الاقتصادية والسياحية بشكل عام، والترويج للفرص الاستثمارية في المحافظة والاستغلال الأمثل لها، فهناك فرص استثمارية كبيرة في المكلا خصوصاً ومناطق حضرموت كافة، فبالتالي موسم البلدة فرصة مواتية للترويج للثقافة الحضرمية، ولفت النظر للمزايا الاقتصادية والاجتماعية والسياحية.
” معرض الفن التشكيلي والتصوير الفوتوغرافي”
يضم المعرض (45) لوحة فنية و (83) صورة فوتوغرافية نتاج إبداعات (18) فنانا ومصور فوتوغرافي من مختلف مديريات محافظة حضرموت ساحلا وواديا جسدوا من خلالها طبيعة المحافظة وتضاريسها المختلفة ليجسد إبداعات الفنانين والمصورين التي عكست الحس الفني الذي يتمتع به المبدع الحضرمي ويجسده من خلال لوحته الفنية أو عدسة كاميرته الآلية لينتج في الأخير قالب فني يوثق للحظة معينة أو حدث.
” فرص عمل”
يجد الباحثين عن مصادر للدخل واصحاب المهن اليدوية ضالتهم خلال الموسم من خلال صناعة المعجنات ( الباخمري والكيك) واعداد الشاهي اضافة الى الوجبات الخفيفة السريعة وتقديمها للزوار مما يساهم في تحسين دخلهم وايجاد فرص عمل.
“الاستشفاء والترويح”
أن تمسك زوار موسم البلدة بالاغتسال في مياه البحر الباردة لم يأتِ من فراغ، إذ يفيد ذلك في الاستشفاء من الأمراض الجلدية وأمراض الدم، إلى جانب بث روح النشاط وقضاء أوقات سعيدة على الشواطئ، وبخاصة في وقت الصباح الباكر، كما أن الموسم وما يصاحبه من أنشطة ثقافية وفنية ورياضية، شكل فرصة كبيرة لأبناء حضرموت والمحافظات الأخرى للترويح عن النفس، وانتشال نفسياتهم من تداعيات الازمات.