الإعلام .. من الفكرة الملهمة إلى المشروع الكلية
إضافة مهمة ورائعة وبالغة السمو تلك هي الدعوة التي أطلقها الكاتب والمفكر البروفيسور قاسم المحبشي في إطلالته بصحيفة مشروع تخرجي في العام 2016 ومقالته الرائعة ” جامعة عدن والإعلام الجديد .. آن الأوان لإنشاء كلية الإعلام” عبرت تلك المقالة عن إحساس حقيقي بضرورة تطوير الأداء التعليمي باتجاه تحديات العصر الحاضر الذي أصبح فيه الإعلام الجديد أو الإعلام البديل أو الإعلام الرقمي هو الذي يوجه الرأي العام وينشر الوعي ويمتلك زمام التأثير الشديد على العقول متزامنا مع ثورة التكنولوجيا العاصفة التي غيرت كثير من المفاهيم وتدخلت في كافة مجالات الحياة ومنها: التعليم والاقتصاد و التجارة والإعلام والسياسة والتواصل الإنساني والرياضة والأدب والفنون.
كتب قاسم المحبشي قائلا:” شهد العالم المعاصر نقلة كمية ونوعية كبيرة في نسق الخطاب والممارسة الإعلامية والتواصل الاجتماعي ببعديها الراسي والأفقي وعلى مختلف المستويات (التقنية والاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية والأخلاقية والجمالية والفكرية والعقائدية.. الخ).
إذ بات الإعلام الجديد بكل وسائطه المتعددة يمارس تأثيرا فعالا في صياغة الهويات وقيمها المحلية والعالمية وفي سلوك الناس وصناعة الأحداث والقرارات وتشكيل الرأي العام والمواقف والاتجاهات الفردية والمجتمعية المدنية والرسمية في عالمنا الراهن الذي اضحى بفضل ثورة المعلومات والاتصال شديد التقارب والتداخل والتفاعل بعد انكماش الزمان والمكان وصيرورة العالم قرية كونية صغيرة يتشارك سكانها كل حوادثها واحداثه واخبارها وخيراتها وشرورها.
( ينظر، قاسم المحبشي، الإعلام الجديد والهويات والإرهاب، مجلة البحوث والدراسات العربية، يوليو2022م العدد 76) وبالنظر إلى الأهداف الأساسية التي قامت عليها جامعة عدن العريقة فإن تطوير التعليم ومهارات البحث العلمي والترجمة والنشر وتعزيز حرية الإبداع والابتكار والتجديد لتدب الحياة في عروق المجتمع وتكون المؤسسات الأكاديمية مصدر إشعاع وتنوير فإن الدور الرئيس للجامعة بالإضافة إلى ماسبق هي أنها بحق المؤسسة الأم لكل مؤسسات المجتمع المدني التي تعد ركيزة تشريعية وثقافية وإدارية وقانونية وأخلاقية لكل ماعداها أن تحويل قسم الإعلام إلى كلية متخصصة للإعلام كان نقلة نوعية وخطوة متقدمة لإنتاج مايواكب هذا التزايد المتسارع في وظائف الإعلام ودوره وأقسامه وتأثيراته المهولة والإعلام شريك أساسي في التربية والتوعية المجتمعية وفي تكوين الرأي العام من خلال تزايد الطلب على الإنتاج الإعلامي وفي ظل المسار التقليدي الذي يميل إلى الكسل والخمول والتردد لا يمكننا أن نجاري المتغيرات وسنبقى في ذيل ترتيب السباق
يصف البروفيسور المحبشي وهو أول اكاديمي يطالب بانشاء كلية الإعلام في عدن الأمر بأنه التحدي الحاسم الذي يجب أن يستفز كل عضو في الهيئة التدريسية في جميع الجامعات اليمنية واضيف هنا أنه ينبغي أيضا أن يستفز كل طلاب المعرفة والنخب والمثقفين وأصحاب القرار حتى يتحقق هذا الحلم بشكل صحيح وقوي وتصبح كلية الإعلام متخصصة ترسي قواعد التخصص وتطور الإعلام وتنشر الوعي الحقيقي وكما ختم به البروفيسور المحبشي وهي عبارة وليم كوبر ” الحرية تزهر بألف وجه من الجمال والفتان لايعرفها العبيد مهما كانوا بحياتهم قانعين” .
التحديات التي تواجه الجامعات في العصر الرقمي كتب البرفيسور قاسم المحبشي ما يلي : ” بات الإعلام الجديد متزايد الاتساع ومتعدد التخصصات بما يفوق قدرات قسم الإعلام الحالي على النهوض بها، وكما هو معروف أن الإعلام الجديد بات اليوم يشكل ثورة كاملة في علم المعلومات والاتصالات مما يستدعي مواكبته بتطوير وتأهيل البنية المؤسسة القادرة على استيعابه والوفاء بوظائفه إذ يمكن النظر إلى الإعلام الرقمي كشريك أساسي في التنشئة الاجتماعية وفي تكوين الرأي العام من جهة واستحواذ وسائل الإعلام الجديد في الوقت الحاضر على اهتماماتنا وانتباهنا.
واضاف أن الجوال الذي يحمله كل فرد بيده ليس مجرد وسيلة تواصل واتصال بل هو العالم كله في متناول اليد؛ مكتبة ومعرفة واخبار واحداث وصور ورموز وتوجهات وثقافات وقيم ومواقف مثيرات من كل شكل ونوع والاطفال هم أشد الفئات انجذابا وتفاعلا معها فكيف السبيل إلى تقنينها وجعلها بنائية ايجابية خلاقة في عملية التنمية المستدامة؟ تنمية الذكاءات المتعددة في ذات الناشئة؟ ( الذكاء الوجداني والذكاء المنطقي الرياضي والذكاء الاجتماعي والذكاء البصري والذكاء الايقاعي الموسيقي والذكاء اللغوي والذكاء العضلي والذكاء الوجودي) ففي ذات كل إنسان طيف واسع من المواهب والقدرات المتعددة التي تستدعي التأهيل والتنمية.
وتلك هي وظيفة الثقافة في بوصفها الراسمال الذي يبقى بعد نسيان كل شيءٍ!” وفقًا لبعض التقديرات يبلغ عدد مستخدمي الإنترنت في العالم 5.16 مليار مستخدم وفقاً لأحدث إحصائيات 2023
ويبلغ عدد مستخدمي الشبكات الاجتماعية 4.76 مليار مستخدم. يوجد 5.44 مليار شخص يستخدم الموبايل على مستوى العالم – لا يشترط وجود إنترنت متوسط الوقت الذي يقضيه المستخدمين على الإنترنت هو 6 ساعات و37 دقيقة متوسط الوقت الذي يقضيه المستخدمين على كافة الشبكات الاجتماعية هو ساعتين و31 دقيقة متوسط الوقت الذي يقضيه المستخدمين في ممارسة ألعاب الفيديو على المنصات المنزلية هو ساعة و10 دقائق متوسط الوقت الذي يقضيه المستخدمين في الاستماع إلى البودكسات هو 54 دقيقة متوسط الوقت الذي يقضيه المستخدمين في قراءة الصحف عبر الإنترنت هو ساعة و57 دقيقة متوسط الوقت الذي يقضيه المستخدمين في مشاهدة التلفزيون سواءً عبر البث الاسلكي أو الإنترنت هو 3 ساعات و14 دقيقة.
( ينظر ، قاسم المحبشي، قلق التربية في عالم متغير، الحوار المتمدن . 2022) لقد كان استاذ فلسفة التاريخ والحضارة في جامعة عدن ، قاسم المحبشي نافد البصر والبصيرة حينما ادراك أهمية الإعلام الجديد ودعاء إلى ضرورة إنشاء كلية للإعلام في جامعة عدن منذ وقت مبكر إذ سبق وان أكتب مقالات عدة في الصحف والمواقع الإلكترونية عن اهمية الإعلامية الجديد ووظائفه وخصائصه وعن يعد مقاله الضافي بعنوان ( جامعة عدن والإعلام الجديد..آن الأوان لإنشاء كلية الإعلام” بمثابة الفكرة الأساسية التي أتت ثمارها بعد سنوات من التداول والحوار إذ تأسست كلية الإعلام بجامعة عدن في عام 2019 وذلك بموجب قرار رئيس الجامعة رقم (2) لعام (2019) الصادر بتاريخ 3 / 1 / 2019 بشأن تأسيس كلية الإعلام – جامعة عدن.
وهكذا تكون قيمة الأفكار الملهمة حينما تتحول إلى مشاريع قابلة للتنفيذ على صعيد الممارسة الواقعية .
المصدر