هجوم إرهابي جديد في أبين.. ورقة ابتزاز اقليمية أم تحول استراتيجي لـ"تنظيم القاعدة"
مصادر في المجلس الانتقالي الجنوبي قالت لصحيفة اليوم الثامن إن رئيس المجلس عيدروس الزبيدي قام خلال الأيام الماضية بجولة دبلوماسية خارجية شملت العديد من الدول الأوروبية، وقد هدف من خلال الزيارة إلى التأكيد على تمسك المجلس بخيار الاستقلال واستعادة دولة الجنوب السابقة.
أعلنت القوات المسلحة الجنوبية المنضوية تحت سلطة المجلس الانتقالي الجنوبي، “استشهاد 16 جندياً وإصابة أخرين”، جراء هجوم إرهابي نفذه انتحاري من تنظيم القاعدة، على ثكنة عسكرية في بلدة مودية بأبين، شمال شرق عدن (العاصمة)، الجمعة.
وقالت مصادر عسكرية لـ(اليوم الثامن): إن انتحارياً كان يقود مركبة ملغومة انغمس إلى وسط ثكنة عسكرية قبل ان تنفجر في شاحنة وقود كانت متوقفة وسط الثكنة لتشتعل النيران في عدد من المركبات والأليات، وهو ما أسفر عن استشهاد “16 جنديا على الأقل وجرح أخرين”.
وأكد مصدر عسكري [1]”أن الانتحاري استغل عدم وجود عوائق تحول بينه وبين الوصول إلى وسط الثكنة العسكرية، مؤكدا أن القيادة العسكرية سوف تحقق في خفايا هذا الهجوم الإرهابي”.
وأعلن المتحدث باسم الجيش الجنوبي “المقدم محمد النقيب[2]” تعرض القوات المسلحة الجنوبية في بلدة مودية بمحافظة أبين لعملية إرهابية استهدفت منتسبي اللواء الثالث دعم واسناد بسيارة مفخخة يقودها انتحاري وتحمل على متنها مئات الكيلو جرامات من المواد شديدة الانفجار، وارتقى على إثرها كوكبة من الأبطال الميامين”.
وقال النقيب إن “هذه العمليةُ الإرهابيةُ الغادرةُ تعد نتاجا لتصعيدٍ سياسيٍ وخطابٍ تحريضيٍ إرهابي، يستهدف قواتَنا المسلحة الجنوبية والمجلس الانتقالي الجنوبي إضافة إلى التحشيد والتعبئة المغلوطة والمغرضة التي يحركها المالُ السياسيُ لتمويل الإرهاب في الجنوب وتُغذيها وسائلُ الإعلام والدعاية المعادية الرامية إلى زعزعة الأمن والاستقرار وتمرير المشاريع المشبوهة التي تستهدف قضية شعب الجنوب وكسر إرادته الوطنية التحررية والنيل من صمود وثبات درعيه وحصانته وسيف انتصاره قواته المسلحة الباسلة”.
وأضاف “إن هذه الجرائم الإرهابية البشعة ومن يُحركها ويُمولها لن تمر دون عقاب رادع، وإن هذه العملية الإرهابية التي جاءت متزامنة مع الذكرى الثانية لانطلاق عملية سهام الشرق تضع أمام قواتنا المسلحة الجنوبية واجبات والتزامات وطنية وشعبية عظيمة في مواصلة مهمة اجتثاث الإرهاب واستمرار المعركة المصيرية، طالما بقي على ارضنا الطاهرة من يحاول ان يستهدف أمنها واستقرارها وحياة مواطنيها”.
وتخوض القوات الجنوبية بمختلف تشكيلاتها معارك ضد تنظيم القاعدة المفترض منذ أغسطس آب 2022م[3]، ضمن عملية سهام الشرق، التي نجحت في تأمين مناطق واسعة في أبين، من بينها أوكار رئيسية للتنظيم المفترض الذي تقول تقارير صحفية إنه أصبح متحالفا مع الأذرع الإيرانية في صنعاء، منذ العام 2019م، حين تعرضت محافظة شبوة النفطية لهجوم عسكري من جماعة إخوان اليمن، وقد اطلق الحوثيون سراح قيادات بارزة في التنظيم الإرهابي، قبل ان يخرج التحالف العربي بقيادة السعودية إلى التأكيد على دور إيراني في تسليح تنظيم القاعدة إلى جانب الحوثيين، أذرع نظام الملالي في صنعاء[4].
وأكدت مصادر في المعارضة الإيرانية أن نظام الملالي قد خلق نوع من التحالف بين تنظيم القاعدة والحوثيين، منذ بداية الحرب اليمنية، بدأ بهدنة ثم صفقات اطلاق سراح معتقلين من الطرفين وصولا إلى القتال جنبا إلى جنب، وهو الأمر الذي يؤكد على وجود تناقض في مواقف التنظيم الذي يقول انه يحارب الشيعة الاثنا عشرية، قبل ان يخرج في فيلم يؤكد انه يتحالف مع كل من يحارب إسرائيل، في إشارة إلى دعمه لعمليات الحوثيين ضد سفن الملاحة في خليج عدن وباب المندب.
ونقلت قناة العربية السعودية عن صحيفة التليغراف البريطانية تأكيدها وجود شراكة غير متوقعة بين جماعة الحوثي المدعومة من إيران مع فرع تنظيم القاعدة اليمني في شبه الجزيرة العربية (AQAP)، وهو الأمر الذي يهدد بالمزيد من زعزعة استقرار البلد الفقير الذي مزقته الصراعات.
وأكد التقرير ان الحوثيين والقاعدة ينسقوا لاحتلال مدن الجنوب وازاحة المجلس الانتقالي الجنوبي، حيث يساعد الحوثيون، تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية من خلال تزويدهم بطائرات بدون طيار وإطلاق سراح شخصيات رئيسية من السجن.
ونفذ تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية عدة هجمات بطائرات بدون طيار على قوات عسكرية موالية للمجلس الانتقالي الجنوبي في محافظة شبوة.
ورجح صحيفة التليغراف البريطانية حصول تنظيم القاعدة على طائرات بدون طيار من خلال دعم خارجي، نظراً للقدرة التقنية المحدودة لتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية في تطوير طائرات بدون طيار خاصة به. وحافظ أبو أسامة الدياني، وهو زعيم جهادي يمني مقرب من زعيم تنظيم القاعدة في جزيرة العرب الراحل خالد باطرفي، على علاقة وثيقة مع الحوثيين وسهل الحصول على هذه الأسلحة.
وإلى جانب الطائرات بدون طيار، قدم الحوثيون للقاعدة في شبه الجزيرة العربية الدعم اللوجستي بما في ذلك الصواريخ الحرارية ومعدات الاستطلاع وغيرها. ويتجاوز هذا التعاون مجرد توريد الأسلحة، ويشير إلى مستوى أعمق من التعاون بين المجموعتين.
وتمثل عملية مودية الإرهابية في أبين (السبت)، أوسع عملية إرهابية للتنظيم الذي تضاءل نشاطه خلال السنوات الأخيرة وتلقيه ضربة واسعة على إثر عملية سهام الشرق التي أخرجته من وادي كوبران الذي مثل قاعدة رئيسية للتنظيم في جنوب الجزيرة العربية.
وأكدت مصادر في المجلس الانتقالي الجنوبي على أن الهجوم الإرهابي جاء عقب عملية تحريض واسعة قامت بها قوى يمنية حليفة في داخل مجلس القيادة، وهو ما أكده ناشطون جنوبيون من أن التحريض كان احدى أدوات الإرهاب (….)، ولم يعلق رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي على الهجوم الإرهابي، وحجبت الخبر وسائل إعلام رسمية يمنية، من التداول، في حين ذهب الإعلام اليمني المستقل إلى وصف الهجوم الإرهابي بانه جاء نتيجة تفكك وضعف المجلس الانتقالي الجنوبي، في مواجهة الإرهاب.
تنظيم القاعدة هاجم قوات الحزام الأمني، غداة نشر وسائل إعلام سعودية، خبراً يحدث عن مزاعم اغلاق مكتب للرئاسة في عدن من قبل عضو مجلس القيادة الرئاسي “عبدالرحمن المحرمي”، وهو ما اعتبرته قيادات في المجلس الانتقالي الجنوبي، بانه يندرج ضمن سياسة التحريض الواسعة على رموز المجلس.
وقال أنيس الشرفي -نائب رئيس هيئة الشؤون الخارجية والمغتربين للمجلس الانتقالي الجنوبي-، السبت، على العملية الإرهابية (الغادرة) واستهدفت منتسبي اللواء الثالث دعم وإسناد، جاءت في اعقاب حملة إعلامية مسعورة ضد المجلس الانتقالي الجنوبي والقوات المسلحة الجنوبية، جرى تغذيتها من أحزاب سياسية وفضائيات ومولتها قوى إقليمية، إن تلك الحملات مهّدت لنشر وتبرير الإرهاب وزعزعة أمن واستقرار الجنوب”.
جاء الهجوم عقب أسابيع من حملة تحريض واسعة شنتها قوى يمنية محسوبة على الانقلاب الحوثي في صنعاء وأخرى داخل مجلس القيادة الرئاسي شركاء المجلس الانتقالي الجنوبي.
كان الهدف من تلك الحملات اسقاط المجلس الانتقالي الجنوبي، – كما يقول أعضاء في المجلس-، وقد استغلت قوى يمنية [5]، قضية المقدم علي عشال، لضرب المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي واجه التحدي الأكبر في تلك القضية ووجه بالتحقيق فيها، وهو ما أدى إلى توجيه الاتهامات لقائد وحدة مكافحة الإرهاب السابق “يسران المقطري”، المتهم الرئيس في عملية اختطاف علي عشال.
واجهنا قيادي في المجلس الانتقالي الجنوبي، بسؤال ان كان تنظيم القاعدة ورقة ابتزاز إقليمية؟، قال “ان التنظيمات الإرهابية كانت في العادة تنشط بعد كل تحرك للمجلس الانتقالي الجنوبي، مؤكدا ان العملية الإرهابية الأخيرة، جاءت غداة تأكيد المجلس على رفضه أي أنشطة لأحزاب يمنية في العاصمة عدن، وهو ما يوحي بان العملية مدبرة هدفه الرد على هذا الموقف”.
ويبدو ان المجلس يواجه ضغوط كبيرة منذ بدء الحديث عن اتفاق سلام صممته سلطنة عمان، يقضي بمنح الحوثيين نسبة كبيرة من موارد النفط في شبوة وحضرموت.
يمتلك المجلس الانتقالي قدرة عسكرية على مواجهة تنظيم القاعدة، ونفس طويل في إدارة الازمات التي تواجهه وابرزها قضية اختطاف المقدم علي عشال الذي يؤكد المجلس على ضرورة ملاحقة كل الجناة وضبطهم بما في ذلك العناصر التي فرت خارج البلد.
وقالت مصادر في المجلس الانتقالي الجنوبي لصحيفة اليوم الثامن إن رئيس المجلس عيدروس الزبيدي قام خلال الأيام الماضية بجولة دبلوماسية خارجية شملت العديد من الأوروبية، وقد هدف من خلال الزيارة إلى التأكيد على تمسك المجلس بخيار الاستقلال واستعادة دولة الجنوب السابقة.
تحركات الزبيدي الخارجية، قابلها تحركات داخلية لرئيس مجلس القيادة الرئاسي إلى حضرموت، وقد جدد رشاد العليمي التلويح مجدداً بخيار منح حضرموت “حكماً ذاتياً”، ردا على خطوات المجلس الانتقالي الجنوبي لإخراج قوات المنطقة العسكرية الأولى من وادي وهضبة حضرموت.
هناك العديد من العوامل التي قد تؤثر على خطوات المجلس الانتقالي الجنوبي، نحو تحقيق الاستقلال واستعادة الدولة السابقة، تتمثل في معارضة إقليمية لبعض القوى التي تبحث عن موطئ قدم لها في حضرموت أولا قبل الموافقة على منح الجنوب حق استعادة دولته السابقة، ولكن ترى القوى الجنوبية أن أي موطؤ قدم لأي طرف إقليمي قد يقوض الوحدة الوطنية الجنوبية، ويضع مستقبل استعادة الدولة السابقة على مفترق طرق، خاصة في ظل وجود خطاب يتحدث عن “اشتراكية الدولة الجنوبية السابقة”، على الرغم من ان هذه القوى الإقليمية لديها علاقات وطيدة مع روسيا والصين.
يمتلك المجلس الانتقالي الجنوبي فرصة كبيرة في استئناف عملية عسكرية واسعة في شبوة ووادي حضرموت لاجتثاث العناصر الإرهابية من أخر اوكاره، ويسعى المجلس الى بناء علاقة وثيقة بالولايات المتحدة الأمريكية، وتحويل الدعم الخاص بجهود مكافحة الإرهاب إلى المجلس بعد ان ظل لعقود يذهب إلى النظام اليمني في صنعاء، الذي يقول جنوبيون انه يستخدم التنظيم لإضعاف الجنوب عسكريا واجتماعيا لمنع تحقيق الاستقلال الوطني.
وتبقى السيناريوهات متعددة حول مستقبل جهود المجلس الانتقالي الجنوبي في جهود مكافحة الإرهاب، حيث يتوقع ان يعزز المجلس من قدرات القوات العسكرية ومنحها المزيد من الدعم وتوسيع نطاق المواجهة نحو وادي حضرموت حيث توجد هناك قواعد عسكرية، يتوقع انها مساهمة في تأمين تحركات تنظيم القاعدة، الذي تقول مصادر أمنية في حضرموت إنه يتلقى تمويلا بالأسلحة والأموال من موانئ المهرة التي تنشط فيها عملية تهريب الأسلحة.
قد تقود الضغوط الإقليمية على المجلس الانتقالي الجنوبي، إلى التراجع عن توسيع الحرب ضد القاعدة، لكنه قد لا يتنازل عن تقديم تنازلات بشأن الدخول في تسوية سياسية (…) مع الأذرع الإيرانية، لكن هذا السيناريو قد يواجه بسببه المجلس تحديات كبيرة، وأكبر تحديات التي قد تواجه المجلس، ستكون داخل مجلس القيادة الرئاسي، حيث سيسعى رئيس المجلس إلى الاستحواذ على صناعة القرار من خلال قرارات تمكن اليمنيين من سلطة القرار في صنعاء، واضعاف وجود التمثيل الجنوبي هناك، والتحدي الأمني سيكون الأبرز أضف إليه موجة النزوح الكبيرة التي قد تستمر بشكل أكبر ما قد يعرقل أي عملية استفتاء لاحقاً اذا ذهبت الحلول نحو خيار “الاستفتاء”، على الاستقلال عن اليمن.
صحيفة اليوم الثامن
المصدر