إرث الجيش الجنوبي .. من حرب التحرير إلى معارك الاستقلال
4 مايو/ يحيى أحمد
القوات المسلحة الجنوبية تمثل الامتداد التاريخي والحربي للعسكرية الوطنية وتقاليدها وأمجادها المشهود لها في مختلف مراحل التاريخ الحضاري والعسكري للجنوب ،وهي ايضا الامتداد العضوي لجيش جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية ذائع الشهرة والصيت الذي تخلق وسقلته مواهبه في أتون حرب التحرير الشعبية قبل أن يحمل على عاتقة أحد أعظم وأخطر المهام والواجبات الوطنية في تأمين مسيرة الثورة والدفاع الناجز عن حرية الوطن وسيادته ووحدته الجغرافية وتوفير البيئة الوطنية الأمنية والعسكرية المستقرة لتشد فروع الدولة الجنوبية وتقدم المجتمع وازدهارة.
لاغرابة أن يصبح الجيش الوطني الجنوبي بعد الوحدة هدفًا رئيسياً للمؤامرات والحروب الناعمة والاستهداف المباشر من قبل العديد من الأطراف الداخلية والخارجية التي أدركت مبكرا أن تمرير مشروعها في ابتلاع وهضم الجنوب تبدأ في مهمة تفكيك وتدمير أهم مصادر مناعة وقوة وحصانة ووحدة ونفوذ الوطن الجنوبي والمتمثلة تاريخيا في جيشه وأمنه.. مؤامرات استهداف الجيش والوطن الجنوبي سبقت إعلان الوحدة وتجلت بكل وضوح في الاتفاقيات السياسية الخاصة بإعادة انتشار وتموضع التشكيلات العسكرية الجنوبية داخل الأراضي الشمالية لتستمر بعدها المهمة التامرية من خلال الاستنزاف الكبير لمجمل عناصر قوته المادية والبشرية والثقافية وعقيدته وأخلاقياته الوطنية وتمزيق نسيجه الداخلي لتأتي الحرب بعد أربع سنوات من التدمير المتواصل ومثلت ذروة الفعل التأمري والاجهاز التسلسلي على تشكيلاته العسكرية المنتشرة في المحافظات الشمالية واحدة تلو الأخرى والاستحواذ على كل معداته وأسلحته التي تم حشدها وتجييشها لغزو واحتلال الأرض الجنوبية بجحافل عسكرية لم يسبق لها مثيل شاركت فيها الجماعات القاعدية الإرهابية الدولية والقوات الشمالية باطيافها العسكرية والأمنية والقبلية واحزابها السياسية ولم تتوقف عملية استهداف الجيش الجنوبي عند هذة المرحلة بل استمرت بعد احتلال الجنوب في طرد كل من تبقى من قيادات وأفراد هذا الجيش وإحالتهم إلى التقاعد القسري أعقبتها حملة من عمليات الاغتيالات لأبرز قياداته وأكثر عناصره كفائة ومهارة في مختلف المجالات ومن كل صنوف القوات المسلحة لتليها بعد ذلك مهمة افقارهم الممنهج بابشع الوسائل والممارسات التي لم يشهد لها مثيل في التاريخ واغلقت أمام مختلف فئات وشرائح الشعب الجنوبي كل بوابات الالتحاق والعمل في المؤسسة العسكرية والأمنية وكذلك الكليات والمعاهد والاكادميات في الداخل والخارج مع بعض الاستثنائات للعناصر منتقاه لايتعدى أصابع اليد في كل عام .
بنجاحة في تدمير الجيش الجنوبي وهزيمته عسكريا وتشريد ما تبقى من منتسبيه ، ظن المستعمر الجديد أنه قد حقق أحلامه القديمة المتجددة في بلع وهضم الجنوب وتحويل جغرافيته وثرواته الى قطاعية خاصة به وقتل إرادة الشعب وتدجينه وصولاً إلى استعباده وضمان عودة “الفرع الى الأصل أو عودة الإبن الهارب الى حضن امه الحنون” حينها اعتقد النظام وهوها في قمة فرحته ونشوته بتملك الشمال للجنوب لقرون مديدة.. إلا أن نشوة الفرح والانتصار والزهو التي عاشها نظام الاحتلال بعد حرب1994م لم تدم طويلاً ،فجيش الجنوبي الذي اعتقد هذه النظام انه قد قضى عليه بشكل نهائي ودفنه إلى الأبد ، يتفاجأ به يبعث مجدداً كالعنقاء من تحت رماد وانقاض الهزيمة.. فهذه الجيش الذي دُمرت معداته وأسلحته وكل هياكل بنيانه وفقد الكثير من قادته وضباطه وأفراده ..هذا الجيش لم يمت ولم ينتهي كأ انتماء وطني جنوبي ولم ينتهى كفرك وثقافة ووعي وتقاليد وقيم عسكرية جنوبية أصيلة .. وعاود ظهوره العلني إلى الوجود من خلال جمعية المتقاعدين العسكريين التي اوقدت وبشكل مبكر شعلة الثورة الجنوبية الجديدة ، واضحت إلى حاضنة وفقاسه تربوية للقيم ومبادئ الثورة وإعادة غرسها في ضمير ووجدان الشعب الجنوبي باختلاف شرائحه واعماره ، وظهرت إلى الوجود اشكالاً وأساليب مختلفه وحديثة من النضال الثوري التحرري التي تطورت وتجذرت في الوعي والثقافة وسلوك الوطني للشعب الجنوبي إلى حراك ثوري سلمي وصلت أصداؤها إلى كل أرجأ المعمورة كأول ثورة وطنية سلمية منظمة واضحه مساراتها واهدافها القريبة والبعيد على مستوى المنطقة والعالم العربي .
القوات المسلحة الجنوبية المعاصرة هي الأخرى تخلقت وتشكلت وترعرعت وصقل شبابها ومكونهم الفكري والقيمي والمعنوي في أتون هذه الثورة لتسجل لذلك إعادة استنساخ وتجديد وأحياء متواصل لتجربة الأجداد والاباء للثورة الجنوبية الأولى.
مع التماثل بين تجربة الثورتين ومع التواصل الوراثي والجيلي للعناصر والقوى المحركة لهاتين الثورتين إلا أن تجربة القوات المسلحة الجنوبية المعاصرة أكثر ثراءً وتنوعاً في أدواتها وتجاربها وأساليبها وخبراتها النضالية والقتاليه وفي معاركها وحروبها التحررية التي استخلصت من هذه الشعب ولا زالت تدفع ثمن باهضاً وتضحياتاً جسيمة.. معاركنا اليوم من أجل التحرير واستعادة الدولة أشد باساً ضراوة وأكثر تعددا واتساعاً في نطاق جبهات المواجهة مع أعداء كثر البعض منهم معروفه وواضحه معالمه وملامحه وخطوط المواجهه والتماس معه ،والبعض الآخر يرتدي عباءة الأخ أو الصديق أو الحليف يعيش معنا بين الشقوق والتصدعات الاجتماعية وفي المناطق الرمادية شعاراته معنا وأفعاله ضدنا ، والبعض الآخر مختفي وغير واضح بقدر ما تظهر أفعاله وجرائمه وهناك اعدا لم تظهر ملامحهم على شاشات ورادارات الثورة الجنوبية ومجمل هذه العوامل والأوضاع تجعل من معركتنا المعاصرة أكثر صعوبة واشد بأساً واعلى ثمناً واطول زمناً..
الانتصارات التي صنعتها قوى الثورة الجنوبية وقواتها المسلحة تلهمنا على المزيد من البذل والعطاء والتضحية ، وتوطننا على الصبر الطويل وقوة التحمل والثبات لمواجهة المخاطر والتحديات والأهم من ذلك أنها تعزز من ثقتنا بحتمية الانتصار وقهر الاعداء وان تكالبوا علينا . وهذه الثقه التي نستلهمها من إرادة شعبنا هي في الحقيقة منطوق التاريخ الجنوبي بمختلف المراحل .