في الذكرى الرابعة لاستشهاده .. صفحات مشرقة من التاريخ النضالي لشهيد الجنوب اللواء صالح الفلاحي
هكذا هم الشهداء، قافلة تسير ولا تتوقف، يتقدمون الصفوف الأولى في مواجهة قوى الظلم والاحتلال ولا يهابون الموت في سبيل الدفاع عن أوطانهم، إنهم القدوة و المثل الأعلى في العطاء وحب الوطن، وليس هناك تضحية أعظم من تضحيات الشهداء الذي بذلوا أرواحهم وقدموا دماءهم الزكية رخيصة في سبيل الحرية والكرامة والعزة لأوطانهم ومجتمعاتهم.
وقدم أبناء الجنوب قوافل من الشهداء منذ قيام ثورة الرابع عشر من أكتوبر 1963م وحتى اليوم، شهداؤنا الأبرار هم رموز الوطن الذين قدموا تضحيات عظيمة في مواجهة الاستعمار وقوى الاحتلال والقمع والبطش والظلم والاضطهاد، شهداؤنا هم الأبطال الذين ضحوا بدمائهم الطاهرة لتروي شجرة الحرية، ولتنير لنا دياجير الظلام لننعم بالحرية والعدالة والمساواة الاجتماعية والعيش الكريم. وعلينا دائماً أن لا ننسى شهداءنا الأبطال وأن نستذكر مآثرهم وتضحياتهم وأن نستلهم من تاريخهم النضالي الناصع البياض الدروس والعبر عن معاني التضحية والفداء دفاعاً عن الوطن.
وفي هذا الحيز نستعرض قصة واحد من شهداء الجنوب كان من أوائل المناضلين المنتسبين للتنظيم السياسي للجبهة القومية، وممن أوكلت لهم مهمة تأسيس جهاز أمن الدولة بجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية عام 1970م، وممن شاركوا في حرب صيف عام 1994م، ومن أبرز مؤسسي الحراك الجنوبي وثورته السلمية في العام 2007م، وكان له دور كبير في ترسيخ دعائم الدولة والاستقرار الأمني بمديريات يافع بعد الاستقلال، وبحكم مكانته القيادية والاجتماعية ساعد ذلك في القضاء على الثارات والمشاكل الذي خلفها الاستعمار البريطاني بيافع خاصة وبالوطن عامة، وكانت له إسهامات عديدة منها إصلاح ذات البين ومتابعة المشاريع الخدمية والحيوية لمديريات يافع.. إنه الشهيد المناضل اللواء/ صالح أحمد الفلاحي.
المولد والنشأة:
ولد الشهيد المناضل اللواء صالح أحمد الفلاحي عام 1945م في قرية غيل آل فلاح بمديرية الحد يافع محافظة لحج، عاش في أحضان أسرة كريمة عريقة ذات مكانة اجتماعية مشهود لها بالوفاء والكرم والأصالة ذات بيئة ريفية أصيلة تتحلى بالأخلاق الفاضلة والقيم النبيلة.
تعليمه:
تلقى تعليمه كغيره من مناضلي الرعيل الأول في ما يسمى (الكتاب) لتعليم القرآن الكريم والقراءة والكتابة والحساب، وهي المؤسسة التعليمية الوحيدة في تلك الفترة.
التحاقه بالسلك العسكري:
التحق الشهيد المناضل اللواء صالح أحمد الفلاحي بالسلك العسكري في سن مبكرا في أواخر عام 1964م، بما يسمى (جيش اتحاد الجنوب العربي سابقا) الكتيبة الرابعة ضمن عدد من أبناء منطقته، على سبيل المثال وليس الحصر منهم الفقيد اللواء علي حسين الفلاحي والشهيد اللواء عوض صالح السنيدي والشهيد العميد صالح عبدالله البكري والفقيد اللواء عبدالهادي ديان.
تأسيس جهاز أمن الدولة:
وكان من أوائل المناضلين المنتسبين للتنظيم السياسي للجبهة القومية، ونظرا لما تميز به الشهيد من صفات الشجاعة والإقدام والحزم والانضباط العسكري العالي فقد تم اختياره ضمن مجموعة من زملائه بالقوات المسلحة بقيادة الشهيد الدكتور ثابت عبد حسين (نائب وزير أمن الدولة)، وأوكلت لهم مهمة تأسيس جهاز أمن الدولة بجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية عام 1970م، أي بعد ثلاث سنوات من الاستقلال الوطني من الاحتلال البريطاني، واستمر بالعمل الأمني وتدرج بعدة مناصب كان بدايتها مدير أمن الدولة بمديرية الحد (مركز الحد سابقا) ثم مدير أمن الدولة بمديريات يافع /يهر /المفلحي /لبعوس /الحد .
وقد برز بالجانب الأمني وكان له دور كبير في ترسيخ دعائم الدولة والاستقرار الأمني بمديريات يافع بعد الاستقلال، وبحكم مكانته القيادية والاجتماعية ساعد ذلك في القضاء على الثارات والمشاكل الذي خلفها الاستعمار البريطاني بيافع خاصة و بالوطن عامة، وكانت له إسهامات عديدة منها إصلاح ذات البين ومتابعة المشاريع الخدمية والحيوية لمديريات يافع.
انتقاله للعمل المدني:
وفي عام 1986م انتقل للعمل المدني وعين سكرتيرًا أولًا لمنظمة الحزب الاشتراكي اليمني (الحزب الحاكم في تلك الفترة) بمديريات يافع حتى عام 1988م، ثم انتقل للعمل بنفس المنصب كسكرتير أول للحزب بمديريات ردفان حتى تحقيق الوحدة الظالمة عام 1990م.
عودته للعمل الأمني:
وتم استدعاءه من قبل الشهيد سعيد صالح سالم (وزير أمن الدولة في تلك الفترة) وطلب منه العودة للعمل الأمني، وتم تعيينه مديراً عاماً لدائرة التحقيقات والتحريات بالجهاز المركزي للأمن السياسي بصنعاء برتبة عقيد حتى نهاية عام 1991م، ثم تم تعيينه من قبل قيادة وزارة الداخلية ورئاسة الجهاز المركزي للأمن السياسي لمنصب مدير عام الأمن السياسي محافظة مأرب، واستمر بهذا المنصب حتى حرب صيف عام 1994م على الجنوب تم توقيفه عن العمل أسوة بغيره من الكوادر الجنوبية من القيادات العسكرية والأمنية والمدنية ذات الصف القيادي.
دوره في حرب صيف 1994م:
شارك في حرب صيف 1994م كغيره من المناضلين، ومنهم من سقط شهيداً من أمثال الشهيد العميد سالم صالح درعه، والشهيد العميد حسين عبدالله الطفي، والشهيد العميد صالح عبدالله البكري، وغيرهم من الشهداء الأبرار .
وبعد الحرب ظل كغيره من المناضلين من أبناء الشعب الجنوبي الشرفاء الرافضين للاحتلال اليمني للجنوب ولم يقف الشهيد الفلاحي مكتوف الأيدي ويستسلم للوضع السائد في تلك الفترة، بل سعى بكل إمكانياته لتحريك القوى الداخلية بمختلف شرائح المجتمع ودعم الشباب وتنظيمهم وتدريبهم في عدة مناطق مع مجموعة من المناضلين بالداخل منهم السفير اللواء قاسم عسكر، والفقيد اللواء أحمد علي الحدي (أبو محمد) والذين كانوا من مؤسسي منظمة (حتم) التي تعتبر النواة الأولى للحراك الجنوبي والذي تطور إلى الكفاح المسلح، وكذلك التواصل مع القيادات بالخارج ممثلة بالرئيس علي سالم البيض، والوزير محمد علي أحمد، واللواء هيثم قاسم طاهر، وغيرهم.
مشاركته في مواجهة الغزو الحوثي لعدن:
وفي حرب عام 2015م كان الشهيد اللواء صالح الفلاحي رغم كبر سنه رافضاً مغادرة عدن، ولبى نداء الواجب وكان من أوائل المناضلين الذين تصدوا للغزو الحوثي العفاشي على عدن والمناطق الجنوبية، فقد كان على تواصل مستمر مع القيادة العسكرية بالمنطقة الرابعة ابتداءً بشيخ الشهداء الشهيد اللواء علي ناصر هادي والشهيد اللواء أحمد سيف المحرمي وظل يقدم لهم العون والمساعدة، فقد لعب دوراً كبيراً في تسهيل المهام أمامهم بما يمتلكه من قدرات أمنية وحس استخباراتي عالٍ ساعد في نقل المعلومات عن قوام قوات الحوثي في عدة مناطق من العاصمة الجنوبية عدن، وكانت فكرته التي طرحها على القيادات العسكرية أنه يجب قطع الاتصال بين وحدات الحوثي لكي نستطيع القضاء عليهم بعدن، وفعلاً تم تطبيق الفكرة من قبل الشهيد اللواء أحمد سيف المحرمي، وتم النصر وطرد قوات الحوثي وعفاش من عدن.
وبعد تحقيق النصر وتحرير عدن ظل بنفس الحماس يقدم الرأي والمشورة للقيادات الشابة نظرًا لما يتمتع به من الخبرة الطويلة في المجال العسكري والأمني جعلت منه (أسطورة عصره) .
استشهاده أمام بوابة قصر معاشيق:
وعند حدوث الهجوم الغادر على معسكر الجلاء قيادة اللواء الأول دعم وإسناد واستشهاد العميد منير محمود أبو اليمامة ورفاقه الشهداء الأبطال من منتسبي اللواء الأول كان الشهيد الفلاحي متأثرًا جداً عندما كان يرى في الشهيد أبو اليمامة نفسه أيام شبابه، لذلك كان خبر فقدانه كالصاعقة عليه، وظل حزينا جداً عليه، وعند تشييع جثمان الشهيد أبو اليمامة ورفاقه تقدم الشهيد الفلاحي كعادته الصفوف الأولى للموكب وعند اعتراض قوات ألوية الحماية الرئاسية للموكب لم يكن أمام الشهيد الفلاحي وغيره من أبناء الشعب الشرفاء الأوفياء لأبنائهم وإخوانهم الشهداء إلا خيار المواجهة معهم، وحدثت اشتباكات طاحنة سقط على إثرها اللواء صالح أحمد الفلاحي في السابع من أغسطس 2019م كأول شهيد أمام بوابة المعاشيق ليختم حياته ومسيرته النضالية بالشهادة فقد عاش بطلا من أبطال الجنوب الأوفياء ومات شهيدا مدافعا عن أرض الوطن الغالية، فقد كانت مقولته الشهيرة (من أجل الوطن يرخص كل غالي).
الدورات والأوسمة:
الشهيد اللواء صالح أحمد الفلاحي حرصاً منه على تأهيل نفسه سياسياً وأمنيا فقد حصل على عدة دورات في المجال الأمني بالداخل والخارج، وتقلد العديد من الأوسمة والنياشين نذكر منها:
1- وسام الإخلاص.
2- ميدالية مناضلي حرب التحرير من الاستعمار البريطاني.
3- ميدالية التفوق القتالي.
4- وسام جرحى الحرب.
رحم الله شهيدنا المناضل اللواء صالح أحمد الفلاحي برحمته الواسعة وأسكنه فسيح جناته.. وإنا لله وإنا إليه راجعون.