مثقفون جنوبيون: العاصمة عدن رائدة في أدب الطفل على مستوى الجزيرة العربية
أكد مثقفون جنوبيون على أن العاصمة الجنوبية عدن تُعد رائدة أدب الطفل على مستوى الجزيرة العربية.
وأشادوا بدور اتحاد أدباء وكتاب الجنوب في الاهتمام بأدب الطفل الجنوبي من خلال إصداره مجلة (البطل الصغير)، التي تصدر شهريًا عن الاتحاد.
واعتبروا أن الطفل الجنوبي لهُ خصوصية خاصة، داعيين إلى سرعة إنشاء مواقع إلكترونية خاصة بأدب الطفل الجنوبي.
جاء ذلك خلال الفعالية الثقافية التي نظمها اتحاد أدباء وكتاب الجنوب فرع العاصمة الجنوبية عدن بالتنسيق مع نقابة الصحفيين والإعلاميين الجنوبيين، بحضور رئيس اتحاد أدباء وكتاب الجنوب، د. جنيد محمد الجنيد، تحت عنوان: (أدب الطفل في عدن بين الواقع والمأمول)، الثلاثاء، في مقر النقابة بمديرية التواهي في العاصمة عدن.
*مصدر مهم من المصادر الثقافية
وبدأت الفعالية، التي ادارتها بامتياز، الشاعرة صابرين الحسني، بتقديم الشكر لنقابة الصحفيين والإعلاميين الجنوبيين، وقياداتها، على اتاحة الفرص لاتحاد أدباء وكتاب الجنوب فرع العاصمة الجنوبية عدن، بإقامة الفعاليات في مقرهم.
وقالت: “بداية لا يمكننا الوقوف حقيقة على نقطة البداية لهذا النوع من الأدب الذي هو في متناولنا اليوم، ولكننا تحديدًا نتذكر حكايات الجدات، حين كنا أطفالًا، التي رسمة لنا عوالم مختلفة، ولكن عند مرحلة التأليف لا نجد توصيفًا يجدد فنًا مخصصًا لهذه الفئة قبل القرن الثامن عشر”.
وأضافت: “لقد أظهر البرفسور (جون لوك) الإنجليزي، نظرية (الصفحة البيضاء)، حيث عبر فيها أن الإنسان يولد كصفحة بيضاء.. غير أن أول عمل أدبي خصص للأطفال في إنجلترا، هو كتاب (الحبيب الصغير الجميل)، للكاتب (رجون نيوبري) كأول عمل أدبي بهدف المتعة”.
وتابعت: “لكن في عام 1927م، كان لأدب الطفل ظهورًا جادًا على يد الكاتب المصري (كامل الكيلاني)، صاحب قصة (السندباد البحري)”.
وأشارت الحسني، في ختام حديثها، إلى أن: “أدب الطفل يُعد مصدرًا هامًا من المصادر الثقافية؛ لأنه يساهم في تزويد الوعي المعرفي للأطفال”.
*أهمية أدب الطفل
بعدها، تحدثت، باستفاضة، الباحثة، والقاصة عيشة صالح محمد، عن أدب الطفل في العاصمة عدن خاصة، والجنوب عامة.
وقالت أن: “أدب الطفل، هو نوع أدبي يشمل أساليب مختلفة من النثر والشعر الموجه خصيصًا للأطفال واليافعين”.
وتحدثت عن أهمية أدب الطفل بالقول انه: “يكمن في أي زمان ومكان في تزويد الطفل بمعلومات وحقائق وإثراء مخزونه اللغوي، والتشبع بقيم المجتمع الدينية والأخلاقية والإنسانية”، مشيرةً إلى انه: “ليس هدفًا، بل وسيلة لتحقيق الهدف، بل مجموعة من الأهداف التربوية والتعليمية والنفسية والعقلية والاجتماعية والصحية واللغوية بالإضافة إلى إمتاع الطفل وتسليته، وهذه الأهداف الفرعية ترمي إلى الهدف النهائي، وهو تشكيل شخصية سوية فاعلة في المجتمع”.
*اختلاف أدب الطفل عن أدب الكبار
وأكدت عيشة على انه هناك اختلافًا في الأدب الموجه للطفل عن أدب الكبار، شارحةً ذلك بالقول: “يختلف أدب الطفل عن أدب الكبار في اللغة المستخدمة، بحيث تكون الألفاظ والتراكيب اللغوية متوافقة مع الفئة العمرية التي يوجه إليها العمل الأدبي، كما تختلف في طول الجملة، فكلما كان عمر الطفل أصغر كلما قل عدد كلمات الجملة الواحدة، ويختلف محتوى أدب الطفل لارتباطه بالجانب التربوي والتعليمي، وباستخدام المؤثرات البصرية في دعم المادة السردية”.
*أنواع أدب الطفل
وشرحت أنواع أدب الطفل بالقول: “هم (القصة، والمسرحية، والشعر، والمقال أو الخاطرة)”.
*ريادة العاصمة عدن بأدب الطفل
واضاءة عيشة الفعالية بلمحة عن أدب الطفل في العاصمة عدن بقولها: “تُعد عدن رائدة في أدب الطفل على مستوى البلد والجزيرة العربية، وتؤكد المصادر أن بداية أدب الطفل كان في خمسينيات القرن العشرين مع ظهور كتابات علوي السقاف في برنامجه الموجه للطفل (دنيا الأطفال) والمواكبة للكتابات الشعرية للأطفال لأحمد شريف الرفاعي ولطفي جعفر أمان، وبعضهم يرجع البدايات إلى الأربعينيات أو الثلاثينيات مع ظهور المسرح المدرسي بشكله المتواضع، ومسرح الدمى، إلا أنها بداية لم تكن بالمستوى المطلوب؛ لعدم ارتباط المواضيع ببيئة الطفل، والابتذال في اللغة واللفظ، ورغم ذلك يبقى أمر الريادة في أدب الطفل لعدن”.
*تاريخ ظهور مجلات الطفل بعدن
واستعرضت عيشة تاريخ ظهور مجلات الطفل بعدن، بالقول: “يسجل في عام 1948م ظهور أول مجلة للطفل في عدن اسمها (مدارسنا)، ثم مجلة (قلم الطالب)، وثلاث مجلات أصدرتها كلية بلقيس، هي (مجلة كلية بلقيس، ومجلة آفاق بلقيس، ومجلة أضواء بلقيس)، ومجلة صادرة عن وزارة التربية والتعليم (البراعم) في عام 1973م، وفي 1979م، صدرت عن وزارة الداخلية مجلة (الحارس الصغير)، وفي عام 1983م، صدرت عن منظمة الطلائع في عدن مجلة (وضاح)، وبعد عام أصدر دار الهمداني للطباعة والنشر مجلة (نشوان)، وتتشابه تلك الإصدارات بعدم مواصلة الصدور، فكل مجلة قد أصدرت بأعداد محدودة ثم تتوقف، وليست هناك أسباب واضحة لعدم استمراريتها، ربما نعزو ذلك إلى ضعف الدعم المادي”.
كما استعرضت أهم رواد أدب الطفل في عدن، ففي مجال القصة تصدر (أديب قاسم، وعبد المجيد القاضي، والكاتبة نجيبة حداد)، وفي مجال الشعر برز كلٌ من (علوي السقاف، وأحمد شريف الرفاعي، ولطفي جعفر أمان، وأديب قاسم، وإدريس حنبلة)، وفي مجال الشعر برز كلٌ من (زين عيدروس، وعبد الكافي محمد سعيد، وأحمد العلواني، وأبو بكر القيسي).
*واقع أدب الطفل بعدن ودور اتحاد أدباء الجنوب
واشادة عيشة، خلال محاضرتها، بواقع أدب الطفل بعدن في الوقت الراهن بالقول: “من باب الإنصاف الإشادة بالجهود الحثيثة للكتابة للطفل، وبروز کتاب جدد، مع محاولة إحياء نشاط بعض الكتاب السابقين، ومواكبة ذلك بتطور ملحوظ في جانب الرسم للطفل، وتتويج ذلك النشاط بصدور مجلة (البطل الصغير) في نوفمبر 2022م، الصادرة عن اتحاد أدباء وكتاب الجنوب، والتي أعطت بصيص أمل نحو حراك أدبي موجه للطفل، مستمر في الفترة القادمة، ولا بأس بهذه البداية الجديدة بعد فترة من الركود، لكن المأمول أكبر من ذلك بكثير، وليس صعبًا مع وجود کتاب ورسامين متخصصين في أدب الطفل، مع الإرادة الصادقة، وبعد النظرة من القائمين على إظهار أدب الطفل ونشره والداعمين له”.
*خصوصية أدب الطفل الجنوبي
وتابعت عيشة: “الاهتمام بأدب الطفل في أي مجتمع يعد مؤشرًا حقيقيًا لوجود حركة ثقافية عامة رامية لنهضة المجتمع وتطوره، لا سيما إذا كان هذا الاهتمام نوعيًا لا كميًا وانتقائيًا؛ لأن الطفل هو اللبنة الأساسية للمستقبل، وهو البذرة التي يتعهدها المجتمع بالسقاء والعناية؛ لتزهر وتثمر في الأجيال التي بعدها، وهكذا تسلم الأجيال بعضها بعضا راية الثقافة والأدب، ويبدأ كل جيل من حيث انتهى الجيل الذي قبله، لا ما نفعله في الوقت الراهن من التوقف والركون، ثم الاستئناف من جديد، مع وجود هوة بين الأجيال الماضية والأجيال الحاضرة”.
وقالت: “من الجيد وجود حراك أدبي موجه للطفل في الجنوب عامة، خاصة في هذه المرحلة، لأن الطفل في مرحلة تشكيل هوية، ووعي متلازم مع ما يمر به الوطن من ظروف غير عادية؛ ولهذا السبب يجب الانتباه إلى أن أدب الطفل في هذه المرحلة يجب أن يكون له خصوصية، ولا يكون تقليدًا لأدب الطفل العالمي أو العربي، فهناك قضايا إنسانية يشترك بها أدب الطفل في كل بقعة في العالم، لكن هناك قضايا يجب أن يتناولها أدب الطفل في كل مجتمع منفردًا حسب خصوصية ذلك المجتمع، وهذا ما يجب أن يحدث في بلادنا، حيث تكون الأعمال الأدبية موجهة ومستهدفة عقل الطفل ووجدانه، لتنشئة جيل محب للوطن، معتز بانتمائه مرتبط بلغته العربية وعقيدته، مواكب للتغيرات الحداثية”.
*سمات الأدب الموجه للطفل الجنوبي
وقالت عيشة: “بإمكاننا وضع سمات عامة للأدب الموجه للطفل الجنوبي، في كل فئاته (قصة رواية مسرحية، شعر، مقالة) وهذه السمات هي (تمثل القيم الإنسانية والإسلامية وعكسها في المادة الأدبية، وبث الروح الوطنية، بمواد تتناول المكان والزمان والرموز، كالعلم والآثار وغيرها، واعتماد اللغة العربية السهلة، والابتعاد عن الألفاظ الجزلة الصعبة، أو العامية، وأن يكون الأبطال في القصص أو المسرحيات، شخصيات من الواقع المحيط بالطفل، أو خيالية تحمل قيم من محيط الطفل، وليس قيم مجتمعات أخرى، وأن يكون السرد والحوار متناسب مع الفئة العمرية الموجه لها العمل الأدبي، فالجمل للفئة الصغرى تختلف عن الجمل للفئة المتوسطة أو الكبرى، من حيث الطول والمفردات والصور الفنية، وألا يلقن الطفل القيم الدينية والإنسانية والوطنية، تلقينًا وعضيًا، وإنما يستشفها من تفاعل الشخصيات مع بعضها؛ لأن تركيبة الطفل تميل إلى تقليد ما يحبه، وتدعيم السرد بالرسوم المعبرة الجذابة، التي تعكس الهوية الجنوبية في الأماكن والزي والخلفيات خاصة للطفولة المبكرة والمتوسطة، والاهتمام بأدب الناشئة أو ما يسمى (أدب اليافعين)، وهي الفئة دون الشباب وتدخل في فئة الطفولة، والكتابة لهذه الفئة العمرية من أصعب الكتابات لأن الناشئ لا يكتب له مثل ما يكتب للطفل، ولا مثل ما يكتب للكبار، وهنا تكمن براعة الكاتب في إيجاد أدب مخصص للناشئة يلبي تطورهم اللغوي والفكري، ويناقش قضايا في دائرة اهتمام هذه الفئة العمرية، ومواكبة الحداثة والتكنلوجيا الرقمية والذكاء الاصطناعي، بمواد موجهة للطفل الجنوبي حتى لا يكون بمعزل عما يراه في فضاء الإنترنت.
*دعوة مهمة
ودعت عيشة، في ختام محاضرتها، إلى ضرورة “إنشاء مواقع إلكترونية لأدب للطفل، واستخدام الجذب البصري، من خلال تحويل نصوص قصصية إلى أفلام كرتونية متحركة، وخلق أبطال بنمط الهوية الجنوبية، وتفعيل أدب الطفل في المدارس، من خلال المسرحية، ومسرح العرائس والأنشودة، والتدريب والتأهيل المستمر، في مجالات الكتابة والرسم وإخراج الأعمال الفنية”.
*مداخلات
وشهدت الفعالية الثقافية، التي حضرها الأمين العام لنقابة الصحفيين والإعلاميين الجنوبيين، د. نصر باغريب، ورئيس اتحاد أدباء وكتاب الجنوب فرع العاصمة عدن، المؤرخ نجمي عبد المجيد، والشاعر شوقي شفيق، ورؤساء دوائر اتحاد أدباء الجنوب فرع عدن، وعدد من المثقفين والأدباء الجنوبيين، والمهتمين بأدب الطفل الجنوبي، عدد من المداخلات القيمة اشادات في مجملها بمحتوى الفعالية.