صحيفة دولية: الشروط المسبقة تعيد مفاوضات الحوثيين والشرعية في اليمن إلى نقطة الصفر
أعلنت جماعة الحوثي السبت أنها لن تخوض مفاوضات مع الحكومة الشرعية إلا في إطار “خارطة الطريق” المتفق عليها، في موقف يزيد من إرباك موقف المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ الذي يريد جمع مختلف الفرقاء، لكن الشروط المسبقة تهدد بإفشال مهمته. ورغم التفاؤل الذي ساد بشأن نجاح سلطنة عمان والسعودية في تليين مواقف الفرقاء، إلا أن قضية البنوك أعادت الأزمة إلى نقطة الصفر، ففي حين يرفض الحوثيون نقل نشاط البنوك إلى عدن يتمسك الطرف الآخر بالنقل الكامل من دون إبطاء.
وقال نائب وزير الخارجية في حكومة الحوثيين (غير المعترف بها) حسين العزي “أكدنا (للمبعوث الأممي) أن استعمال لغة التأجيل والترحيل في مسائل تتصل بحقوق شعبنا اليمني العزيز (يقصد الوضع الاقتصادي والإنساني) أمر غير مقبول”. وتابع العزي ”لن يكون هناك أيّ تفاوض (مع الجانب الحكومي) إلا في إطار مناقشة تنفيذ خارطة الطريق المتفق عليها”.
ويشير تصريح العزي إلى رفض الحوثي دعوة المبعوث الأممي من أجل التفاوض لوضع حلول للصراع الاقتصادي والمالي مع الحكومة الشرعية، حيث سبق أن اتهمت الجماعة الولايات المتحدة باستخدام الوضع الاقتصادي والإنساني المتدهور كسلاح في اليمن. والجمعة، أعلن مجلس القيادة الرئاسي برئاسة رشاد العليمي أنه تلقى دعوة من المبعوث الأممي إلى اليمن لإطلاق حوار مع الحوثيين حول تطورات أزمة الاقتصاد.
يأتي ذلك مع استمرار الصراع الاقتصادي بين الحكومة والحوثيين، آخرها إلغاء البنك المركزي اليمني، الأربعاء، تراخيص 6 بنوك تجارية كبيرة في مناطق سيطرة الحوثيين، بسبب عدم نقل مقراتها الرئيسية إلى عدن، وهو قرار تعتبره الجماعة أنه جاء بإيعاز أميركي. وفي 23 ديسمبر 2023، أعلن المبعوث الأممي التزام الحكومة وجماعة الحوثي اليمنيتين بعد إجراء جولات مفاوضات معهما بحزمة تدابير ضمن “خارطة طريق” تشمل وقفا شاملا لإطلاق النار، وتحسين ظروف معيشة المواطنين في عموم البلاد.
لكن تعثر تنفيذ “خارطة الطريق” حتى اليوم، جراء بروز أزمات جديدة مثل هجمات الحوثيين في البحر الأحمر والغارات الأميركية – البريطانية على اليمن، وفق إعلام محلي. ويعاني اليمن أزمة اقتصادية حادة، فاقمها توقف تصدير النفط في أكتوبر2022، جراء هجمات شنها الحوثيون على موانئ نفطية في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة.
وتتكثف منذ مدة مساعٍ إقليمية ودولية لإيجاد حل سياسي شامل للأزمة في اليمن، شملت زيارات لوفدين سعودي وعماني إلى صنعاء، وجولات خليجية للمبعوث الأميركي إلى اليمن تيم ليندركينغ. لكن قضية البنوك حساسة، فالحوثيون يعتبرون نقل نشاطها إلى عدن حصارا في ما يرى الطرف الثاني نقلها التزاما بموقف الأمم المتحدة، وأن أيّ تراجع عن هذه الخطوة يعني خضوعا للابتزاز الحوثي، ولا تخفي الحكومة وخاصة المجلس الانتقالي معارضتهما الشديدة لهذا التأجيل.
وقال المبعوث الأممي في مذكرة الخطاب إلى العليمي “أكتب إليك خطابي هذا بأعلى درجات الاستعجال والقلق بشأن القرار الذي اتخذه البنك المركزي اليمني مؤخراً رقم 30 لعام 2024 الذي يقضي بتعليق تراخيص ستة بنوك وما تبعه من تواصل مع البنوك المراسلة ونظام سويفت الذي سيفضي إلى وقف وصول تلك البنوك إلى البنوك المراسلة ونظام سويفت”.
وأضاف المبعوث “إنني أقدّر ما تحمّلته الحكومة من مظالم اقتصادية منذ وقت طويل أكثرها ظهوراً وقف صادرات النفط الخام، لكن هذه القرارات الصادرة مؤخراً بشأن البنوك سوف توقع الضرر بالاقتصاد اليمني وستفسد على اليمنيين البسطاء معائشهم في كل أنحاء البلاد، وقد تؤدي إلى خطر التصعيد الذي قد يتسع مداه إلى المجال العسكري”.
وأردف “من هنا، تفادياً لتكريس ضغوط إضافية خطرة على الاقتصاد اليمني، وللمساعدة في الجهود الرامية لإطلاق الحوار، أحث الحكومة اليمنية والبنك المركزي اليمني على تأجيل تنفيذ هذه القرارات على الأقل إلى نهاية شهر أغسطس، كما أود أن أطلب إليكم إبلاغ هذا التأجيل إلى جميع البنوك المراسلة ونظام سويفت وتوجيههم بتأجيل أي إجراءات قد يكون لها تأثير سلبي في هذه البنوك الستة”.
وتابع “أحثكم أيضاً على دعم البدء بحوار تحت رعاية الأمم المتحدة بين الأطراف اليمنية لمناقشة التطورات الاقتصادية التي وقعت مؤخرا في اليمن بهدف حلها بما يصبّ في مصلحة جميع اليمنيين وبما ينسجم مع الغاية والروح المنشودة للالتزامات التي اتفقت الأطراف اليمنية عليها، وسوف يرسل مكتبي إلى المتحاورين المعنيين ضمن الحكومة اليمنية وكذلك ضمن البنك المركزي اليمني تفاصيل أكثر حول هذا الحوار بما فيها جدول الأعمال”.
وأضاف “إنني أعوّل على دعمكم الكامل لضمان المضي قدما بهذا الحوار لما فيه من مصلحة لليمنيين كافة وللمحافظة على خارطة الطريق”، مشيرا إلى أنه يتواصل مع الميليشيات الحوثية التي أطلق عليها وصف “أنصارالله” وذلك “للحصول على التزامهم بهذا الحوار”.
وعقد مجلس القيادة الرئاسي اجتماعا طارئا للغرض مؤكدا أن تمسكه بجدول أعمال واضح للمشاركة في أيّ حوار حول الملف الاقتصادي، بما في ذلك استئناف تصدير النفط، وتوحيد العملة الوطنية، وإلغاء كافة الإجراءات التعسفية بحق القطاع المصرفي، ومجتمع المال والأعمال. ونوه المجلس في بيان له بالإصلاحات التي تقودها الحكومة والبنك المركزي اليمني من أجل تحسين الظروف المعيشية، واحتواء تدهور العملة الوطنية، وحماية النظام المصرفي، وتعزيز الرقابة على البنوك وتعاملاتها الخارجية، والاستجابة المثلى لمعايير الإفصاح والامتثال لمتطلبات مكافحة غسيل الأموال، وتمويل الإرهاب.
وأكد المجلس “مضيه في ردع الممارسات التعسفية للميليشيات الحوثية، مع انتهاج أقصى درجات المرونة”، والانفتاح على مناقشة أيّ مقترحات من شأنها تعزيز استقلالية القطاع المصرفي، والمركز القانوني للدولة في العاصمة المؤقتة عدن. ودعا المجلس “الميليشيات الحوثية إلى عدم الهروب من الضغوط الداخلية والشعبية، وأولوياتها المعيشية، نحو التلويح بمغامرات كارثية، واستمرار المزايدة بأوجاع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، بعد أن أثبت هذا النهج الدعائي زيفه، وفشله على مدار السنوات الماضية، في تغيير قناعات الشعب اليمني، والمواقف الإقليمية، والدولية”.
وحذر الحوثيين “من العودة إلى خيار التصعيد الشامل، الذي من شأنه مضاعفة المعاناة وتدمير ما تبقى من مقومات الحياة، ومصادر العيش الشحيحة للشعب اليمني، والتفريط بالمساعي الحميدة التي يقودها الأشقاء في المملكة العربية السعودية، وسلطنة عمان لإنهاء الحرب واستعادة مسار السلام، والاستقرار والتنمية”، مؤكدا في الوقت نفسه “جاهزية القوات المسلحة بكافة تشكيلاتها العسكرية لردع أيّ مغامرة عدائية”.