المقالات

ملعب الحبيشي.. مباراة في عز الهجير

مباراة في عز الهجير تنطلق الساعة الثالثة والربع عصرا..
أشعة الشمس الحارقة عمودية..ظلال اللاعبين معدومة..حرارة مرتفعة تشوي الأجساد وتكوي الأبدان ورطوبة عالية لا تطاق.. كأنك داخل فرن من جحيم..
جمهور غفير يملأ مدرجات أسمنتية تلهب لهيبا..تدفق إلى الملعب من الصباح الباكر..
عند منتصف النهار كانت المدرجات تئن من حمولة فوق طاقتها الاستيعابية..لا موطئ لقدم واحدة سواء في المدرجات أو على حدود التماس..
تلفزيون يبدأ البث الساعة الثالثة عصرا خلافا للبرستيج الرسمي السائد للخارطة البرامجية..
لست هنا أحدثكم عن فيلم أكشن تدور أحداثه في مدينة الإنتاج أو في هوليوود حيث ينتج الأمريكان للعالم زرعهم السينمائي الفنتازي..
أنتم هنا في حضرة ملعب الشهيد الحبيشي بعدن..
يوم ساخن من شهر يونيو من العام 1984..
التلال وحسان..نصف نهائي كأس الإنارة..
خاض الفريقان 180 دقيقة من الأشغال الشاقة في 48 ساعة..
مهلا..لا تتعجب..أو تندهش..
الفريقان تعادلا في المباراة الأولى دون أهداف..فكان لابد من مباراة إعادة لفض الاشتباك..هكذا كانت قوانين الكرة.. إنجليزية بحتة..
فاز التلال على حسان في المباراة الثانية بهدفين لهدف..
كانت غلطة حسان في المباراة الأولى كبيرة..لأن مدربه الروسي تيمور استهلك أكثر من عشر علب سجائر..في محاولة للسيطرة على حريق أعصابه وهو يرى لاعبيه يهدرون الفرص السانحة أمام مرمى المتألق إبراهيم عبد الرحمن وكأنهم يشتغلون في التهريب..
زمن صعب..إمكانياته المتاحة شحيحة..لكنه زمن المتعة والجمال والأداء الخلاب الراقي..
زمن شائك..انشقت تربة ملعب الحبيشي الحمراء وبرز منها فرسان يروضون المستحيل..
زمن كانت استراحة بين الشوطين داخل الملعب..
زمن الولاء لكرة القدم كلعبة فن تسعد الناس..
المصور المجري رودلوف هيربست وقع أسيرا في غرام مباراة التلال وحسان..فحول المباراة إلى صور ناطقة تترجم الحوار الساخن في هجير حارق كالجمر..صور تحكي قصة مباراة تغني عن مليون كلمة..
التلال وحسان.. شمس من لهيب..و شلال من رطوبة..ومدرجات من أسمنت تكهر كهيرا.. وأداء فني جميل..وأهازيج ترسو على حناجر المتيمين بفن حسان والتلال الرفيع..
زمن الوفاء..زمن الشقاء..زمن النقاء..زمن العناء اللذيذ..
فعلا..جمهور زمان ذوق وكفاح وتشجيع وشوق ومكابدة..
لا يعرف الشوق إلا من يكابده..
ولا الصبابة إلا من يعانيها..

محمد العولقي





المصدر

جوجل نيوز

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى