اخبار محليةصحيفة المرصد

هل تُغيّـر “الملاحة الدولية” معادلة الحرب الإسرائيلية على غزّة؟

عبر استهداف السفن الإسرائيلية والتهديد بعرقلة حركة الملاحة الدولية في مضيق باب المندب على البحر الأحمر، اختارت جماعة “أنصار الله الحوثيين” الموالية لإيران، مسارها في التفاعل والتضامن مع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزّة كمحاولة للضغط في سبيل وقف العدوان والإفراج عن المساعدات الإنسانية والطبية لأهالي القطاع المحاصرين، حسب ما جاء في بيانات جماعة الحوثي الرسمية، بينما اعتبرت الدوائر الغربية، بخاصة الولايات المتحدة الأمريكية – التي اعتادت نشر قواتها في البحر الأحمر – هجمات الحوثي على السفن التجارية المشتبه في توجّهها لإسرائيل أو المملوكة لرجال أعمال إسرائيليين، تهديدًا خطيرًا على أمن الممرّات البحرية.

فعلى الرغم من عدم امتلاك اليمن لموقع استراتيجي لمهاجمة إسرائيل كدولة جوار، إلا أنّ لديها موقعًا استراتيجيًا آخر يمكّنها من التحكّم في باب المندب ومهاجمة السفن المارة في البحر الأحمر، حيث أعلنت جماعة “الحوثي” أنها “ستستهدف السفن المتجهة إلى إسرائيل، وحظر مرورها عبر البحر الأحمر وبحر العرب”، وأنذرت “شركات الشحن العالمية من التعامل مع الموانئ الإسرائيلية”، وهو ما ترجمته عمليًا بسلسلة هجمات بحرية، بدأت مع الاستيلاء على السفينة الإسرائيلية “جالاكسي ليدر” واحتجاز طاقمها في 9 نوفمبر/تشرين الثاني، ثم مهاجمة سفينتين إسرائيليتين هما “يونيتي إكسبلور”، و”نمبر 9″، بطائرات مسيّرة مسلحة وصاروخ بحري مطلع الشهر الجاري، وصولًا إلى استهداف سفينة “استريندا” النرويجية المحمّلة بالنفط بصاروخ بحري يوم الثلاثاء 12 ديسمبر/كانون الأول الفائت.

وتأتي الأهمية الجيوسياسة لمضيق باب المندب – الممر الضيّق بين اليمن وجيبوتي في أقصى جنوب البحر الأحمر ويصل خليج عدن وبحر العرب بالبحر الأحمر، ومنه عبر قناة السويس إلى البحر الأبيض المتوسط – كونه أكثر الممرّات البحرية ازدحامًا في العالم، حيث يمرّ عبره ما يقرب من خمس الاستهلاك العالمي من النفط والذي يمثّل استقراره أهمية بالغة لأمن الطاقة العالمي وتدفّق التجارة الدولية، وكان المضيق قد شهد العديد من النزاعات والصراعات كان أبرزها إغلاقه بوجه ناقلات النفط الإيرانية المتجهة لدعم إسرائيل في حرب أكتوبر 1973.

تفاعل أصحاب المصالح مع تهديدات “الحوثي”

في تصريح لمستشار الأمن القومي الإسرائيلي، تساحي هنغبي، في 10 ديسمبر/كانون الأول الجاري، أكد أنه لن يتم القبول بما وصفه بـ”الحصار البحري”، لافتًا إلى طلب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو من الرئيس الأمريكي جو بايدن والقادة الاوروبيين اتخاذ إجراءات لمواجهة هذا الوضع، وإلا ستتحرّك إسرائيل لفكّ الحصار البحري.

وتشير تقارير إعلامية عبرية عن توجّه إسرائيل بشكل رسمي إلى أمريكا وبريطانيا واليابان لتشكيل قوة عمليات مخصّصة للعمل في البحر الأحمر من أجل ضمان حرية الممرات الملاحية، حيث لا يكون التحرك الإسرائيلي بشكل مستقل ولكن ضمن تحالف دولي، بينما وسّعت إسرائيل بالفعل أنشطة الحماية الجوية في البحر الأحمر، حيث تم ارسال عدة سفن حربية وغواصة، لإحباط التهديدات الجوية من اتجاه اليمن على مدينة إيلات.

بدورها، عبّرت التصريحات الرسمية الأمريكية عن حالة من القلق إزاء التهديدات في البحر الأحمر وخطر حدوث تصعيد مفاجئ ودائم بالمنطقة مع احتدام الصراع بين إسرائيل وحركة “حماس”، وقد شدد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن على أنّ هذه “التهديدات قد لا تكون ضد إسرائيل وأمريكا بل ضد عشرات الدول التي تعتمد على هذا الممر المائي الدولي لنقل البضائع بشكل يومي”، ولم يستبعد أن تنفّذ أمريكا عملية عسكرية ضد الحوثيين في اليمن في المستقبل نتيجة هذه التهديدات. وبالتوازي، أرسلت الخارجية الأمريكية مبعوثها الخاص إلى اليمن، تيم ليندركينج، في زيارة إلى الخليج من أجل التنسيق الإقليمي لحماية الأمن البحري في البحر الأحمر، وخليج عدن، بينما بدأت القوات البحرية المشتركة بتشكيل فريق عمل متعدّد الجنسيات لمنطقة البحر الأحمر تحت مسمى فرقة العمل المشتركة (CTF 153) من شأنه التركيز على الأمن البحري الدولي وجهود بناء القدرات في البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن.

ترقّب عربي وتريّث حذر

لا تزال المواقف العربية في حالة من الترقب الحذر خشية توسيع دائرة الصراع في المنطقة جراء تهديدات الحوثيين التي ستُعرّض المصالح العربية التجارية في المنطقة لمخاطر محتملة، إذ تعتبر دول عربية، في مقدّمتها السعودية والأردن ومصر، أمن البحر الأحمر جزءًا من أمنها القومي، فرغم اقتصار المواقف الدبلوماسية التي تمارسها الدول العربية أمام المجازر الإسرائيلية في قطاع غزّة على محاولات إدخال المساعدات دون القدرة على ممارسة أي ضغوط فاعلة في سبيل إجبار الكيان الإسرائيلي على وقف إطلاق النار، فإنّ تهديد المصالح العربية في البحر الأحمر وباب المندب قد يدفع هذه الدول باتجاه بلورة تحرّك عربي آخر من أجل حماية مصالحها بمعزل عن مجريات الحرب في غزّة.

وتقول تقارير غربية إنّ الدول الفاعلة في منطقة البحر الأحمر لا تريد المخاطرة بحرب إقليمية واسعة النطاق، لكن في الوقت نفسه لا يمكن القبول بالهجوم العشوائي من جماعة “الحوثي” أو السماح لها بفرض سيطرتها على باب المندب والتحكّم في حركة الملاحة الدولية، ومن ثم إعطاء الفرصة لإيران في بسط سيطرتها على البحر الأحمر عبر وكلائها “الحوثيين” في ضوء إشارة أمريكا إلى تورّط إيران في دعم الهجمات الحوثية على السفن المتجهة لإسرائيل عبر تمرير بيانات السفن وحركة السير الخاصة بها، وذلك على الرغم من نفي إيران الرسمي لمسؤوليتها في ذلك.

وحسب تصريحات للمتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض، جون كيربي، في 7 ديسمبر/كانون الأول، فإنّ “دولًا عربية بدأت في الالتحاق بمبادرتنا الجماعية لحماية الأمن في البحر الأحمر”، إلا أنّ تقارير إعلامية أمريكية نقلت عن مسؤوليين سعوديين مطالبة واشنطن بـ”ضبط النفس” في الرد على الهجمات الحوثية باليمن في الوقت الذي تسعى فيه الرياض لاحتواء تداعيات الحرب بين حماس وإسرائيل، ومساعي التوصّل إلى اتفاق سلام في اليمن وتعزيز الاستقرار الإقليمي بعد سنوات من المواجهة مع إيران وحلفائها في المنطقة.

وعلى الأثر، أكد الزُبيدي إدانة المجلس الانتقالي الجنوبي لما وصفه بـ”السلوكيات الإرهابية” التي تهدد أمن الملاحة الدولية، معلنًا جاهزية المجلس الانتقالي الجنوبي والقوات الجنوبية للعب دور في تأمين الممر الدولي في باب المندب، جنبًا إلى جنب مع الشركاء الإقليميين والدوليين. كما تردد رفض بعض الأصوات في اليمن ما أسمته “انتهازية” الحوثي باستخدام الحرب في غزّة لخدمة أجندته، حيث أنّ هذه الممارسات لن ترفع المعاناة عن أهل غزة ولكنها ستشكّل تهديدًا لأمن المنطقة وزيادة الصراعات في الداخل اليمني.

في المحصّلة، لا تزال التحركات الهادفة إلى محاولة “حماية المصالح” في البحر الأحمر حتى الآن بعيدة عن إحداث أثر أو تغيّر جذري في الحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزّة، إذ لا تزال التصريحات الرسمية الإسرائيلية متمسّكة بهدفها المعلن في القضاء على حركة “حماس” بمعزل عمّا تتكبّده تل أبيب من خسائر أمام المقاومة الفصائل الفلسطينية، ليبقى استمرار التهديد واستهداف مزيد من السفن التجارية في البحر الأحمر مدخلًا لزجّ المنطقة في دائرة اتساع الصراع و”حروب الوكالة” التي قد تتورط فيها دول عربية وإقليمية وأخرى أفريقية كجيبوتي وإريتريا.

المصدر

جوجل نيوز

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى