اخبار محليةالأمناء نت

موجات النزوح إلى عدن.. تحديات أمنية وخدماتية ومخاطر تهدد التغيير الديمغرافي فيها

موجات النزوح إلى عدن.. تحديات أمنية وخدماتية ومخاطر تهدد التغيير الديمغرافي فيها

(الأمناء نت / خاص :)

 

تنامي أعداد النازحين وارتفاع الجريمة والأعمال الإرهابية

نازحون يملكون عقارات وأراضي ومنازل للتأجير

مجمعات النازحين تُهدد مصادر مياه الشرب في عدن ولحج

النازحون في عدن.. القنبلة الموقوتة

مركز دراسات: هناك علاقة وثيقة بين تنامي أعداد النازحين وارتفاع منسوب الجريمة في عدن

مسوحات ميدانية: تملَّك بعض النازحين عقارات وأراضي خلال الأعوام الأخيرة بالعاصمة عدن

البطاني: مجمعات النازحين باتت تُهدد مصادر مياه الشرب في عدن ولحج

 

تعتبر العاصمة الجنوبية عدن القبلة الرئيسية لموجات النازحين من مناطق الحرب والنزاع في اليمن، وبشكل أساسي من شمال اليمني، بعد تحرير المدينة في 2015 ودخولها في مرحلة من الاستقرار النسبي.

وتثير هذه الموجات المتتابعة منذ سنوات المخاوف من الآثار على المدينة التي تعيش أوضاعا خدمية ومعيشية قاسية، في ظل غياب الدور الحكومي والدولي الحقيقي تجاه إيجاد حلول جذرية لمعاناة عشرات الآلاف من النازحين.

يعيش الكثير من النازحين، لا سيما أولئك الذين يقطنون المخيمات، أوضاعا إنسانية صعبة، إذ لا تتوفر كثير من مقومات الحياة كالطعام والمياه النظيفة، فضلا عن الرعاية الصحية حسب رصد وسائل إعلامية مختلفة أثناء نزولها لتلك المخيمات.

وكشف رئيس الوحدة التنفيذية للنازحين في العاصمة عدن، نجيب السعدي، عن وجود مئات الآلاف من النازحين في العاصمة عدن ومنهم من يسكنون في مخيمات.

وإلى جانب معاناة النازحين واللاجئين بشكل عام، يبرز وجه آخر لهذه المعاناة لكن على صعيدها الأمني والاجتماعي والثقافي. إذ تثير عمليات النزوح مخاوف التغيير الديمغرافي في العاصمة عدن، التي استقبلت موجات واسعة من المهاجرين الأفارقة والنازحين من شمال اليمن طيلة العقود الماضية.

 

أوضاع صعبة:

أم سارة الذبحاني، أربعينية نزحت من محافظة تعز، شمال اليمن، قبل عامين إلى عدن، تروي ما تعانيه من شظف العيش ومتاعب الحياة.

قالت النازحة في مخيم بمنطقة “الفارسي” بمديرية البريقة: “لا نمتلك أدوات طبخ وغذاء وما يأتينا من المنظمات تراجع بشكل مستمر مع مرور الأيام”. وأضافت: “نقتسم الخبز الذي أصنعه أنا وستة من أفراد أسرتي عدا زوجي الذي يكون في الخارج يبحث عن أي عمل”.

وطبقا لمسوحات ميدانية لشرائح من النازحين في عدن، تحصَّلت عليها “الأمناء”، يواجه النازحون فقدان سبل كسب الرزق والخدمات الاجتماعية الأساسية.

 

ووفقا للمسوحات، فإنّ النازحين “هم أكثر عرضة للإصابة بالأوبئة مثل كورونا، التيفوئيد، الملاريا، والكوليرا؛ بالإضافة للأمراض الجلدية وانعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية”.

واتهم رئيس الوحدة التنفيذية للنازحين نجيب السعدي المنظمات الدولية بالتقصير تجاه النازحين في العاصمة عدن. وقال المسؤول الحكومي إنَّ “ذلك عائد لكون تدخلات هذه المنظمات لا تتسم بالديمومة بل مؤقتة”.

وأضاف نجيب: “الأزمة الإنسانية كبيرة جدا وسد الاحتياجات يحتاج جهودا كبيرة وما تقدَّمه المنظمات لا يفي بمتطلبات النازحين”.

 

تغيير ديمغرافي:

مقابل ذلك تشّكل التحديات الأمنية والديمغرافية والبنية المجتمعية، عبئا آخر على المدينة التي يتخذها الجنوبيون عاصمة لهم ، وقال أستاذ علم الاجتماع بجامعة عدن الدكتور فضل الربيعي: إنّ عدن سبق “واستقبلت كثير من النازحين إليها في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي من مناطق الشمال، على خلفية الصراع بين نظام صنعاء آنذاك والمقاومة في المناطق الشمالية الوسطى مثل تعز،.. هربا من العنف وبطش نظام صنعاء في تلك الفترة”.

لكنّ “أكبر الهجرات الاستيطانية المنظمة إلى عدن وبقية محافظات الجنوب هي تلك التي جاءت بعد إعلان الوحدة اليمنية وخصوصاً بعد حرب 1994، عندما اجتاحت القوى الشمالية الجنوب وعدن”.

لذلك يعتقد الربيعي، إن موجات النزوح اليوم إلى عدن تعزز بالفعل من مخاطر التغيير الديمغرافي في المدينة.

وكانت مسوحات ميدانية لمواطنين وعينات من النازحين في مديرية البريقة، تحصَّلت عليها ” الأمناء “، قد تحدثت عن تملك النازحين لعقارات وأراض خلال الأعوام الأخيرة.

وأعرب مسؤولون أمنيون في عدن قلقهم من “عدم عودة النازحين إلى مناطقهم؛ خاصة عقب استقرارها”. وقال المسؤولون إنَّ “حركة عودة النازحين إلى مناطقهم ضئيلة”.

لكنَّ رئيس الوحدة التنفيذية للنازحين يؤكد عودة بعض النازحين الشماليين في عدن إلى مناطقهم. وقال المسؤول الحكومي: “عودة النازحين لمناطقهم تحدث لكن بشكل متقطع وغير منتظم”. 

وأضاف: “لكننا لا نستطيع أن نقول عنها عودة كون عودة النازحين ترتبط باستقرار الأوضاع الأمنية في المناطق الأصلية للنزوح وهذا لن يتم إلا بوقف الحرب وتبني برنامج عودة طوعية للنازحين”. 

 

الآثار المجتمعية:

وقال البرفسور حسن محمود الحديثي، أستاذ التنمية والتخطيط المكاني في جامعة عدن إنّ “استمرار تدفق النازحين بطريقة غير منظمة له تبعات خطيرة وسلبية على مدينة عدن”.

وأضاف: “أغلب النازحين من الفئات الفقيرة والمهمشة واستمرار النزوح يزيد من حجم السكان الطبيعي؛ ويؤثر على طبيعة النمو الحضري للمدينة الذي تتصدرها العشوائية وغياب التخطيط”.

وأردف: “موجات النزوح هذه تزيد من مظاهر العشوائية وتضغط على الخدمات والطرقات، كما أنَّ لها آثار سلبية على المساحات الزراعية وتزيد من مستويات البطالة”. 

ولفت البروفيسور الحديثي أنَّ مخاطر النزوح غير المنظم إلى عدن لا تقتصر على ما ذكره من التداعيات بل تمتد إلى طمس هوية المدينة ومعالمها الأثرية.

وأضاف: “عدن تواجه مخاطر تدمير معالمها وتحويلها إلى ريف متخلف مكتظ بالسكان في ظل غياب الانتماء الاجتماعي للنازحين لمجتمع المدينة. من الضروري استدراك المخاطر المستقبلية التي ستنتج عن هذه الظاهرة”.

 

من جانبه، عدَّد الدكتور فضل الربيعي، بعض الآثار المجتمعية السلبية لموجات النزوح إلى عدن.

وقال الخبير: “في ظل انعدام وجود تنظيم حركة النزوح الداخلي تبرز جملة من المشكلات من أهمها اكتظاظ المدينة بالسكان الأمر الذي يشكل اختناقات في حركة الطرقات والسير، البناء العشوائي، السطو على أراضي الدولة، تشويه جمال المدينة والسكن بالقرب من المعالم الأثرية”.

وأضاف: “أيضا تبرز مشاكل ارتفاع أسعار العقارات والأراضي، زيادة معدلات الفقر والعوز، تفاقم مشكلة البطالة، بروز ظاهرة السرقات والتسول، تزايد وانتشار الجريمة والاختلالات الأمنية، زيادة حالات التعبئة السياسية التي تؤدي إلى خلق الصراعات وعدم الاستقرار”.

 

الضغط على الخدمات:

وحول ارتباط عمليات النزوح بملف الخدمات، قالت رئيس مركز رؤى للدراسات د. جاكلين البطاني : إنّ “موجات النازحين المستمرة تضغط المحافظة خدميا بشكل واضح”.

وأضافت: “هناك مجمعات عشوائية للنازحين في أنحاء عدن تحصل على الخدمات المختلفة مثل الكهرباء والمياه والصرف الصحي بشكل عشوائي”.

وأردفت: “العملية التعليمية أيضاً تواجه ضغطا واسعا من قبل النازحين على ناحيتين، الأولى توظيف بعض مدارس عدن كمساكن لهم، والثانية القدرة الاستيعابية لبقية المدارس التي تستقبل المئات من الطلاب النازحين”. 

ولفتت البطاني إلى أنَّ مجمعات النازحين أيضاً “باتت تُهدد مصادر مياه الشرب في عدن ولحج نظرا لسكن كثير من النازحين في مناطق قريبة من حقول المياه”. 

 

مخاطر أمنية:

وعلى الصعيد الأمني كشفت دراسة لمركز رؤى، عن وجود علاقة مطردة “بين تنامي أعداد النازحين وبين ارتفاع منسوب الجريمة في عدن”، كما تزعم رئيسة المركز. ووفقا للبطاني، “الدراسة أثبتت ارتباط هؤلاء النازحين بعدد من الجرائم مثل جرائم النشل، السرقة، التحرشات الجنسية “.

وقال مدير شرطة دار سعد، المقدم مصلح الذرحاني إنّ “النازحين كشريحة مجتمعية يسببون اختلالات أمنية كبيرة نتيجة الاستقطاب السياسي الذي يتعرضون له من قبل أطراف سياسية يمنية”.

وزعم المسؤول الأمني، الذي تعرض لعدد من محاولات الاغتيال، أنّ “عددا كبيرا من المضبوطين في قضايا الإرهاب هم من شريحة النازحين.” مشيرا إلى أنّ “اعترافاتهم موثقَّة سواء لنا أو للجهات النيابية والجزائية أو القضائية”.

وكشف بأنّ “40% من الجرائم التي تم ضبطها في مديرية دار سعد خلال الأعوام السابقة” تسبب بها “نازحون”، بما فيها، كما يقول المسؤول الأمني “الجرائم التي على صلة بقضايا الإرهاب؛ علاوة على ارتباطهم بقضايا بيع الحشيش والمخدرات والخمور والدعارة”.

وكانت عدن قد تعرضت على مدى الفترات الماضية لعمليات دامية استهدفت شخصيات سياسية وعسكرية جنوبية من بينها محافظ المحافظة. 

ومع أنَّ محافظات أخرى تتواجد فيها أعداد كبيرة من النازحين، مثل محافظة مأرب، إلا أنّ الوضع السياسي والأمني لعدن يجعل قضية الفارين من مناطق الحرب بالغة الحساسية، في ظل مخاوف التغيير الديمغرافي، الذي على الأرجح سيعقّد مساعي تنظيم أي استفتاء سياسي في الجنوب.

وتجدر الإشارة إلى أنَّ عدن تحتضن أيضاً آلاف اللاجئين الأفارقة الذين يتوافدون باستمرار إلى المدينة، ويفترش المئات منهم الطرقات والشوارع والسواحل، دون أن تتدخل السلطات أو الجهات الدولية لتقديم حلول جذرية لأوضاعهم المزرية.



المصدر

جوجل نيوز

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى