السلطات اليمنية “تكتشف” تعاون تنظيم القاعدة مع الحوثي عن طريق الإعلام
ولم تخل المطالبة التي جاءت على لسان وزير الإعلام والثقافة والسياحة معمر الإرياني من إشكالية تمثّلت في كونها لم تستند إلى عمل أجهزة السلطة الشرعية المعنية مباشرة بحفظ أمن واستقرار مناطقها وسلامة سكانها، بل استندت إلى تقرير إعلامي بريطاني.
وكانت صحيفة التلغراف البريطانية قد تحدّثت في تقرير لها عن تعاون بين جماعة الحوثي وتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية تمثّل خصوصا في تبادل إطلاق سراح معتقلين وحصول التنظيم من الجماعة على طائرات دون طيار لاستخدامها في مناطق الشرعية وضدّ أطراف منتمة لمعسكرها.
ولم يعترض منتقدو الموقف الحكومي على محتوى التقرير معتبرين أنّه يحظى بقدر من المصداقية، لكنّهم وجّهوا انتقاداتهم نحو السلطة الشرعية التي رأوا أنها كانت أجدر بما تمتلكه من مقدّرات ومن حضور على الأرض بالمبادرة بكشف تلك المعلومات الخطرة وتفكيك المخطط الذي يكمن وراءها.
كما انتقد هؤلاء ما سموه انتقائية الحكومة اليمنية في التعاطي مع مثل تلك التقارير الإعلامية، مذكّرين بأن تقارير سابقة كشفت عن تعاون لتنظيم القاعدة نفسه مع حزب التجمّع اليمني للإصلاح الطرف المشارك في السلطة الشرعية، ولم تبذل أجهزة الشرعية أي جهد للتثبّت في محتواها رغم خطورة المعلومات الواردة ضمنها.
وطالب الإرياني المجتمع الدولي والأمم المتحدة باتخاذ موقف حازم وفوري لمواجهة التحركات المشتركة لجماعة الحوثي وتنظيم القاعدة مطالبا بتصنيف الجماعة كمنظمة إرهابية وتجفيف منابعها المالية والسياسية والإعلامية، ودعم الحكومة اليمنية في جهودها لاستعادة السيطرة على كامل الأراضي اليمنية ومكافحة الأنشطة الإرهابية.
وأضاف عبر منصة إكس أن “الوقت قد حان للعمل المشترك والفعال لضمان السلام والأمان للشعب اليمني والمنطقة بأسرها”.
ورأى الوزير أنّ المعلومات التي كشفت عنها الصحيفة البريطانية حول التعاون الوثيق بين الحوثيين وتنظيمي القاعدة وداعش “تؤكد ما تحذر منه الحكومة اليمنية منذ زمن طويل بشأن التنسيق والتعاون القائم بين هذه الأطراف تحت رعاية إيران”.
واعتبر أن الصحيفة وثّقت عدة حوادث تفصيلية تبرهن عن هذا التعاون منها إطلاق الحوثيين لعناصر إرهابية من سجونها بما في ذلك إطلاق سراح عشرين عنصرا إرهابيا في نوفمبر 2018، منهم 16 من تنظيم القاعدة وأربعة من داعش، وكذلك إطلاق سراح ثلاثة من المتورطين في اغتيال الدبلوماسي السعودي خالد سبيتان العنزي في 2020.
وقال إنّ “هذه الأفعال لا تؤدي فقط إلى زعزعة الأمن والاستقرار في المناطق المحررة، بل تمتد آثارها إلى تهديد الأمن الإقليمي والدولي”، مضيفا أنّ “الدعم المقدم من الحوثيين إلى الجماعات الإرهابية بما في ذلك الصواريخ الحرارية والطائرات دون طيار ومعدات الاستطلاع، يمكّنها من تنفيذ هجمات معقدة لزعزعة استقرار المنطقة”.
وختم تعليقه بالقول إنّ “التعاون بين الحوثيين وتنظيمي القاعدة وداعش بدعم من طهران، يهدف إلى تحقيق أهداف مشتركة في إضعاف الدولة اليمنية وتوسيع نطاق الفوضى، مما يهدد دول الجوار ويشكل خطرا على التجارة الدولية والملاحة البحرية”.
وعاد تنظيم للقاعدة خلال الفترة الأخيرة بشكل ملحوظ إلى النشاط في اليمن مستهدفا مناطق في الجنوب واقعة ضمن دائرة نفوذ المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب باستعادة دولة الجنوب المستقلّة.
ويمثّل المجلس هدفا ذا أولوية لدى التنظيم نظرا لدوره الأساسي في منعه من التمركز في عدد من المناطق وتأسيس كيان خاص به على أرضها على غرار مدينة المكلاّ مركز محافظة حضرموت شرقي اليمن التي احتلها التنظيم قبل سنوات وساهمت قوات الانتقالي بشكل فعال في طرده منها، وما تزال تقوم بدور كبير في منع عودته إليها.
لكنّ التنظيم لا يمثّل العدو الوحيد للمجلس، ذلك أن جماعة الإخوان المسلمين ممثلة محلّيا بحزب التجمّع اليمني تتربص بدورها بمناطق نفوذه وتحاول منذ سنوات السيطرة على أجزاء منها.
وكثيرا ما استندت تقارير إعلامية إلى هذا المعطى في حديثها عن استخدام الإخوان للقاعدة وفلولها في مقارعة الانتقالي الجنوبي ومحاولة إضعافه وتشتيت قواه.
ومؤخرا وجّه تنظيم القاعدة أولى عملياته بعد الإعلان عن مقتل زعيمه خالد باطرفي وتعيين سعد العولقي خلفا له، نحو منطقة وادي عومران بمديرية مودية شرقي محافظة أبين الواقعة ضمن دائرة نفوذ المجلس الانتقالي الجنوبي، كاشفا بذلك عن إحدى أولوياته في عهد زعيمه الجديد متمثّلة في تجديد المواجهة مع قوات المجلس نظرا لدورها الكبير في هزيمته قبل سنوات، وباعتبارها العقبة الأولى أمام محاولته استعادة المناطق التي طرد منها في محافظات حضرموت وشبوة وأبين.
وكان التنظيم قد فقد في أغسطس الماضي أحد أبرز معسكراته في أبين بعد سقوطه بيد قوات المجلس الانتقالي الجنوبي التي شنت آنذاك هجوما كاسحا على مواقع تمركز القاعدة في المحافظة تحت مسمى “سيوف حوّس”.
وجاء ذلك ضمن سلسلة أطول من النكسات التي شهدها التنظيم في مواجهته على مدى سنوات ضدّ القوات الجنوبية المنظمة والمسلّحة بشكل جيد والتي تضم نخبا وأحزمة أمنية مدربة على حرب العصابات وذات دراية بتفاصيل الميدان في محافظات جنوب اليمن.
وتوّجت قوات المجلس الانتقالي الجنوبي انتصاراتها على تنظيم القاعدة بقتل زعيمها باطرفي الذي أكّدت مصادر يمنية أنّه قتل في مواجهة مع تلك القوات في أبين، بينما تكتّم التنظيم على السبب الحقيقي لمقتله لتجنّب إحداث دعاية إيجابية للانتقالي وقوّاته.
ومثّل تنصيب العولقي وهو في الأربعينيات من العمر زعيما للقاعدة في جزيرة العرب في الوقت الحالي، محاولة لإحياء التنظيم وإعادة رصّ صفوفه التي اضطربت خلال فترة سلفه.
ولا يستبعد مختصّون في شؤون الجماعات المتطرفة والإرهابية، أن يدشّن العولقي المعروف ببراغماتيته عهدا جديدا من التعاون مع أي طرف يشاركه هدف مواجهة المجلس الانتقالي الجنوبي.
وقالت الصحيفة البريطانية في تقريرها إنّ الحوثيين أصبحوا يتعاونون بشكل واضح مع تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية. ونقلت عن خبراء قولهم إنّ ذلك التعاون ينطوي على محذور خلق المزيد من المخاطر في اليمن في وقت يشهد فيه الشرق الأوسط بالفعل توترات متصاعدة بشأن الحرب في غزة.
وذكرت أن أصابع الاتهام تتجه نحو تنظيم القاعدة في شن هجوم قبل أيام من خلال تفجير قنبلة أسفرت عن مقتل ستة جنود موالين للمجلس الانتقالي الجنوبي، معتبرة ذلك علامة على النشاط المتزايد للقاعدة في البلاد.
ولفت معدّو التقرير إلى “أنّه على الرغم من أن المجموعتين تنتميان إلى فرعين مخلفين تماما من الإسلام، يبدو أنهما تنسقان لاستعادة السيطرة على جنوب اليمن”.
ووردت في تقرير الصحيفة طائفة من الأدلّة على نشوء شراكة بين تنظيم القاعدة والحوثيين من بينها استخدام التنظيم في مايو من العام الماضي طائرات مسيرة في سلسلة هجمات بطائرات شنّها على مواقع تابعة للانتقالي الجنوبي في محافظة شبوة.
وقال روبن داس من المركز الدولي لأبحاث العنف السياسي والإرهاب في سنغافورة إنّه “بالنظر إلى أن تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية لديه قدرة فنية محدودة في تطوير طائرات بدون طيار، خاصة بعد مقتل خبراء المتفجرات التابعين له، فإن الدعم الخارجي للحصول على هذه الأسلحة ربما كان حاسما”.
وذكر المقدم محمد النقيب المتحدث باسم القوات المسلحة الجنوبية إن توفير الحوثيين الطائرات دون طيار للقاعدة هو مجرد قمة جبل الجليد، مؤكّدا أن هؤلاء قدموا للتنظيم الدعم اللوجستي بما في ذلك الصواريخ الحرارية والطائرات بدون طيار ومعدات الاستطلاع.
وقبل بضعة أشهر أنجز الحوثيون والقاعدة عملية تبادل للأسرى أطلق الحوثيون خلالها سراح الجهادييْن القعقاع البيهاني وموحد البيضاني مقابل إطلاق سراح عدد من عناصرهم. وعلى الأرض لاحظ سكان عدد من المناطق توقّفا تاما لأي مناوشات بين الطرفين.
ونقلت الصحيفة عن أحد السكان قوله “يدير مسلحو تنظيم القاعدة نقاط تفتيش عليها رايتهم على الطريق الذي يربط شبوة بمحافظة البيضاء”، مضيفا “على بعد بضعة كيلومترات على نفس الطريق، يقيم الحوثيون نقاط تفتيش ويضعون عليها راياتهم”، ومعلّقا بالقول “إنهم يعيشون في وئام ولا يتصادمون أبدا مما يشير بوضوح إلى التعاون المتزايد بينهم”.
واعتبر فرناند كارفاخال الذي سبق له العمل في لجنة خبراء مجلس الأمن الدولي المعنية باليمن أنه “من الواضح أن هناك مصالح مشتركة بين القاعدة والحوثيين وسط الحرب الأهلية التي طال أمدها، خاصة للقضاء على الطموحات الجنوبية”، في استعادة الدولة المستقلة.
وقال إن الحوثيين “من خلال ذلك التحالف يسعون إلى السيطرة على كامل الأراضي اليمنية في حين يواصل تنظيم القاعدة في جزيرة العرب محاولة إنشاء ملاذ آمن له في البلاد”.