اخبار محليةعدن تايم

معالم في تاريخ محطة أبحاث الكود

تمتلك محافظة أبين مسَاحات زراعية تَتَباهى بها، وارضاً زراعية خَصبة امتدحها الأُدباء نتراً وشِعرا ، وتلمّسها الحكام والأُمراء واعطوها عنايتهم كونها جنّةً خضراء تتنوع فيها الأشجار وتتدفق فيها الأودية بمياه الأمطار، مما جعلها مسرحاً لتجربة زراعة الأنواع الجديدة من النباتات القادمة من الشرق والغرب ، وما نجاح تجربة زراعة القطن فيها من قبل خبراء السلطات البريطانية نهاية اربعينيات القرن الماضي الا واحدة من هذه التجارب الناجحة.

مع نجاح تجربة زراعة القطن وإنتشار زراعته في دلتا أبين تم إنشاء مركز مُتكامل للبحوث الزراعية منتصف خمسينيات القرن المُنصرم أُطلق عليه آنداك مركز الكود للأبحاث الزراعية، الى جانب السُلطات البريطانية كان للسلطان حسين الفضلي دور في تأسيسه والإهتمام به، أمّا الهدف من إقامته فهو المساهمة في تنمية وتطوير زراعة القطن عبر إجراء الدراسات والبحوث والتجارب الزراعية عليه والتوصل لأنواع جديدة أكثر جودة وقادرة على المنافسة في الأسواق العالمية.

*مركز الأبحاث مفخرَة أبين*

إنشاء مركز للأبحاث الزراعية في منطقة الكود بمديرية خنفر في محافظة أبين جعل أبناء أبين يَتَفاخرون به ، كونه اوّل مركز بحوث زراعية على مستوى الجزيرة العربية والخليج ، قُدّرت مساحته حِينها (500) فدان ، أما بداية عمله فكانت بمبنى واحد يضم قسم واحد ايضاً، هو قسم المحاصيل الزراعية الحقلية، و بعض الاجهزة والمعدات والآليات، بينما تم الإستعانة بخُبراء من الهند وبريطانيا وايطاليا والمانيا لإقامة البحوث وتدريب كوادر محليّة قادرة على العمل في المركز.

*العصر الذهبي لمركز الكود*

بعد الإستقلال عام 1967م ازداد الإهتمام بمركز الكود للأبحاث الزراعية من قبل حكام الدولة المتعاقبين، وجُعلت وزارة الزراعة هي المُشرفه عليه ، وتم رَفده بمئات الباحثين الزراعيين والموظفين ، بالإضافة الى عشرات الاجهزة والمعدّات والآليات، تضاعفت ميزانيته أيضاً وازدات ابنيته وأقسامه عاماً بعد آخر حتى وصل عددها إلى تسعة مباني تحتضن سبعة أقسام هي المحاصيل، البساتين، الوقاية، التربة والري، الغابات والمراعي، الميكنة، الاقتصاد، بالإضافة إلى المكاتب الإدارية والخدماتية، امّا باقي مساحات المركز خُصصت لزراعة مُختلف النباتات والمحاصيل الزراعية.

بهدف توسيع أنشطة المركز الزراعية تم إنشاء مركز آخر للبحوث الزراعية في سيئون بمحافظة حضرموت ، كما تم إنشاء مؤسسات أخرى في بعض المحافظات تختص بالزراعة والثروة الحيوانية وتخضع لإدارة الهيئة العامة للبحوث الزراعية.

اذا ما عَرّجنا إلى الكوادر الزراعية التي عَمِلت في مركز الكود ، فستجده احتضن مئات العلماء والباحثين الزراعيين طيلة تسعة وستين عام، والذين ذاع صِيتُهم في الوطن وخارجه، شِهدت لهم مكتبات وارشِفة المركز لما أَثرو به المركز من موسوعة علمية من الدراسات الزراعية، وسُطّرِت أسمائهم بماء الذهب لِما لهم من دور فعّال وبارز في نشر علوم الزراعة وتطوير الأعمال الزراعية على مستوى الوطن.

استمر مركز الكود للبحوث يُقدّم خدمات جَليلة للزراعة والمزارعين لعقود طويلة، بحوثاً وتجارب ودراسات ، إرشاداً وتوزيع التقنيات الزراعية ، فحوصات للتربة والمياه ، توزيع الشتلات النباتية لزيادة المساحات الزراعية ، تحسين الإنتاج الزراعي ورفع جودته وغيرها الكثير من الأنشطة الزراعية والتي لمسها عشرات الآلاف من مزارعين بلادنا طيلة تلك السنوات، وبهذا أستطاع القائمون على المركز من جذب منظمة الأمم المتحدة للمساهمة في تطويره ودعم أنشتطه والإرتقاء به أكثر حتى صار مركز الكود مقصداً لكبار مسؤلي الدولة والزعماء القادمين لبلادنا ، فقد أُعتُبرت فترة السبعينات والثمانينيات من القرن الفارط هي العصر الذهبي للمركز .

*بداية إنحدار مركز أبحاث الكود*

عام 1990م بدأت اول فصول إنحدار مركز أبحاث الكود ، البداية كانت بإيقاف التوظيف فيه وسَحبه من وزارة الزراعة وإلحاقه بالهيئة العامة للبحوث والإرشاد الزراعي الكائنه في محافظة ذمار، حتى إسمه تم تغييره إلى محطة أبحاث الكود، توالت السنوات وتوالت معها فصول إنحدار مركز الكود للأبحاث، فقُلّصت ميزانيته وتراجع دوره و أنشطته ، أمّا كوادره فنالهم ما نال المركز من إهمال وتهميش، ونتيجه لعدم رَفد المركز بكوادر جديدة تضائلت اعداد الباحثين والموظفين عاماً بعد آخر، كما ظهر من يدّعي ملكية بعض الفدانات الزراعية التابعة للمركز ، انعكس الوضع المُزري للمركز على القطاع الزراعي والمزارعين على السواء، وخفّت أشعّت التنوير الزراعي الذي كان المركز ينثرها للوطن.

*القشّه التي قصمت ظهر المركز*

أُعتبر عام 2011 من أبرز فصول إنحدار محطة أبحاث الكود واخطرها، فالحرب التي شهدتها أبين وما رافقها من انفلات أمني سهّل الطريق لضِعاف النفوس لدخول المحطة ونهب جميع محتوياتها والعبث فيها بل والبسط على العديد من أراضيها الزراعية ، استمرت الحرب عام واحد فقط ، أصبحت المحطة بعدها اطلالاً و خراباً وكأنها لم تكن.

ما إن جاءت حرب 2015 إلا واشتد الخناق على محطة أبحاث الكود، فتوقفت ميزانيتها نهائياً، وتضائل أعداد الباحثين فيها عاماً تلو آخر ولم يبقَ منهم سوى ستة وخمسين باحث غالبيتهم بلغوا سِن التقاعد ، واستمر مسلسل البسط على أراضيها الزراعية والتي بقي منها ٨٠ فدان فقط بعد أن كان ٥٠٠ فدان عند افتتاحها.

*جهود لإعادة أشكال الحياة لمحطة الكود*

بعد نقل وزارة الزراعة والري إلى العاصمة عدن، بدأت الوزارة بتلمّس مؤسساتها وهيئاتها، كان لمحطة أبحاث الكود نصيب ولو بسيط من هذا، ففي عام 2017 تم تعيين مدير جديد للمحطة كان الدكتور محمد سالم الخاشعة هو من أُوكِلت إليه إدارة المحطة، ولأن المحطة بلا موازنة تشغيلية جاءت فكرة تركيب منظومتين للطاقة الشمسية ، بهدف استغلال فدانات المحطة لزراعة المحاصيل والاستفاذة من عوائدها في إعادة تشغل بعض الأقسام والتي كان المختبر آخرها، كما كان قرار وزير الزراعة والري والثروة السمكية اللواء سالم السقطري القاضي بتعيين إدارة جديدة للهيئة العامة للبحوث والإرشاد الزراعي والتي تُشرف على عمل محطة الكود ونقل مقرها من ذمار الى عدن دور كبير في إستقلاليتها وإعادة الحياة لها.

عند تجولنا في المحطة جميع من قابلناهم ممن لازال يعمل في المحطة ، حدثنا عن امجادها وماضيها العريق، ذكريات كثيرة، وماض مليئ بالأمجاد ، هذا هو تاريخ محطة أبحاث الكود ، نقلناه لكم كما هو وبإيجاز..

المصدر

جوجل نيوز

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى