المتباكون على ميناء عدن!!؟؟
هي رسالة بعث بها نائب رئيس الجمهورية، اللواء عيدروس الزبيدي إلى رئيس الوزراء الدكتور أحمد عوض بن مبارك، طلب منه فيها تفعيل اللجنة المشكلة بقرار مجلس الوزراء لدراسة أوضاع شركة تطوير موانئ عدن وفقاً “للوائح المالية والإدارية المعمول بها في المحطة ووفقا لما هو معمول به دولياً ويتلاءم مع طبيعة التجارة الملاحية الدولية” وتتضمن الرسالة الرسالة توجيها بتفعيل “قرار مجلس الوزراء رقم 49 لعام 2023م بشأن التفاوض مع شركة موانئ أبو ظبي ومؤسسة تطوير موانئ عدن للاستثمار المشترك” والهدف من كل هذا هو تنفيذ قرارات مجلس الوزراء والعمل على تشغيل ميناء عدن الذي تعرض للتدمير والتهميش طوال قرابة ثلث قرن منذ حلول الضيوف غير المرغوب فيهم في العام 1994م على عدن وفعلهم فعلتهم المقيتة والمدانة من قبل الشعب الجنوبي والضمير الإنساني.
هذه الرسالة ليس فيها ما يخالف القانون ولاما يثير الاستغراب أو التعجب أو حتى الاستفهام، لكنها أثارت من الصخب والغضب والضوضاء ما لم يثره الانقلاب الحوثي على الشرعية والاستيلاء على العاصمة صنعاء ومعها 15 محافظة هي كل محافظات “الجمهورية العربية اليمنية” في العام 2014م.
أين الخطأ؟ وما سبب هذه الهستيرياء؟؟
لا تفسير لكل هذا سوى لدى صانعي هذه الضوضاء ومفتعلي هذا الغضب الزائف، فقد تذكر هؤلاء أن هناك شيئاً اسمه “السيادة الوطنية”، وهذا الشيء لا يستذكرونه إلا حينما يتعلق الأمر بفعل شيء لإخراج الجنوب من طاحونة الحرب الاقتصادية والخدمية التي بدأت يوم 7/7 ولم تتوقف حتى اللحظة، أما عندما تقصف الطائرات الأمريكية بلدات الجنوب وتقتل المواطنين الأبرياء، كما جرى في مجزرة المعجلة بمحافظة أبين في ديسمبر 2009م، أو عند ما يسلم رئيس البلد محافظ بكاملها لفرع داعش في اليمن، أو عندما يُختَطَف رئيس الجمهورية رئيس الوزراء وكل الوزراء من قبل عصابة مسلحة، وتحل الطائرات الإيرانية زائراً يوميا لمطار صنعاء، فإن الأمر لا يمس السيادة الوطنية في شيء وإنما هو مجرد تباين في الرأي.
* * *
انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي رسالة موجهة من 24 عضواً في مجلس الشورى، أكثر من تسعين بالمائة منهم لا علاقة لهم لا بالاستثمار الملاحي ولا بالميناء ولا حتى بمياه البحر وبعضهم ربما لا يعرف ما هو البحر وما هو الميناء،هؤلاء الأربعة والعشرون، أعضاء في مجلس لا يعرف أحد كم عدد أعضائه ولا ما هي أسمائهم ولا متى آخر لقاء عقدوه، هؤلاء وحدهم يطالبون فيها بإيقاف العمل بالاتفاقية التي تحدثت عنها رسالة اللواء الزبيدي ، نائب رئيس الجمهورية، ويتحدثون عن السيادة الوطنية التي نسوا ماذا تعني.
وقبل يومين قرأت رسالة من وزير سابق يرى أن الاتفاقية هي اتفاقية عيدروس الزبيدي لبيع ميناء عدن للإمارات، ويذكِّر بما أسماه “شركة (NX) الإسرائيلية للاتصالات”، في إطار الحملة المستهدفة تعطيل أي تفكير بإعادة العافية للعاصمة عدن والحرص على إبقاء الحياة فيها معطلةً إلى أبد الآبدين.
هذا السلوك السياسي المحير لا تفسير له سوى إنهم يعترضون على صاحب الرسالة وعلى اسم الشركة الشريكة أما لو كان صاحب الرسالة غير اللواء عيدروس، والشركة المقصودة قطرية أو ماليزية أو تركية فلا اعتراض ولا هم يحزنون.
* * *
عند ما قال الصديق عبد الملك المخلافي بأن هناك من يعترض على أي مشروع لتطوير الجنوب حتى لا يشجع هذا الجنوبيين على الانفصال (وهي بطبيعة الحال فكرة خرقاء لا يمكن أن يتبناها سياسي محترم ولو حتى من أعداء الجنوب) أقول حينها توقع الكثيرون أن هناك مبالغة في الأمر، لكن بعد حادثة تعطيل اتفاقية شركة الاتصالات الموقعة مع إحدى الشركات الإماراتية تحت تأثير الصخب الغوغائي لبعض السياسيية والإعلاميين (الحريصين على اسيادة الوطنية) من خلال استبقاء شبكة الاتصالات تحت هيمنة الجماعة الحوثية، وبعد الضجة الإعلامية على رسالة اللواء الزبيدي الأخيرة تأكد لكل ذي عينين أن الحرص على إبقاء الجنوب في حالة خراب دائم ليس فقط مجرد رأي بل سياسة رسمية تتيناها أحزاب وهيئات ومؤسسات وشخصيات لها ألقاب ومقامات يفترض أنها رسمية، لكن عدائها للجنوب والجنوبيين أخرجها عن طورها وأصبح الهلع والهوس يصيبها كلما سمعت عن خطوة ولو صغيرة باتجاه تنشيط الحياة الاقتصادية والخدمية والمعيشية في الجنوب، فالتعامل مع الجنوب والجنوبيين ينبغي أن يبقى قائما على أساس أن الجنوب منطقة معادية والجنوبيين أعداء ويجب أن لا يعرفوا استقراراً أو سكوناً أو انتظاماً في المعيشة والخدمات.
* * *
أحد البسطاء سألني: اذا كانوا يفعلون كل هذا تجاه رسالة بعث بها القائد الجنوبي اللواء عيدروس الزبيدي لرئيس الوزراء، وهو (أي اللواء الزبيدي) نائبا لرئيس مجلس القيادة الرئاسي؛ كيف كانوا سيفعلون لو أن عيدروس ليس شريكاً في السلطة وليس ممثلاً لأهم وأكبر كيان سياسي جنوبي يشارك في السلطة؟
قلت له إنهم يريدون شركاء جنوبيين ولا يمانعون من ذلك، لكنهم يريدون شريكاً تابعاً يبصم على قراراتهم ويصفق لجرائمهم ويثني على كل سياسات التعذيب والإهانة والإذلال التي يمارسونها تجاه الشعب الجنوبي، أما شريكٌ يحترم نفسه ويتبنى مصالح شعبه فإنهم لا يتعاملون معه إلا باعتباره “عميلاً للخارج” و”متآمراً” على وحدة اليمن (التي لا وجود لها إلا في رؤوسهم وأوهامهم)، “متمرداً على الشرعية” حتى لو كان جزءًا من الشرعية التي يتحدثون عنها.
المصدر