تمكين الشابات في جنوب اليمن: بين التحديات والتطلعات
عدن(صوت الشعب)سوث24:
يحتفل العالم في 12 أغسطس من كل عام باليوم العالمي للشباب والشابات، مبرزًا دورهم الحيوي في تشكيل المستقبل.
يُخصص هذا اليوم لتقدير مساهمات الشباب والشابات في المجتمع وتسليط الضوء على القضايا والتحديات التي يواجهونها؛ بوصفهم قوة دافعة للتغيير والإبداع في الأمم والمجتمعات.
في جنوب اليمن، تحاول الشابات التغلب على تأثيرات الأزمات السياسية والاقتصادية والأمنية التي مرت بها البلاد على مدى العقود الماضية، بدءًا من حرب عام 1994 ضد الجنوب، وصولًا إلى الصراعات الأخيرة.
ورغم التحديات الجمة المتعلقة بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية، تسعى الشابات اليوم بكل عزيمة وقوة إلى تحسين أوضاعهن وتغيير الوضع الذي فُرض عليهن.
أجرى مركز سوث24 عددًا من المقابلات مع مجموعة من الشابات الجنوبيات للحديث حول القضايا التي تهمهن، من المشاركة في الحياة السياسية وصنع القرار إلى التحديات التي يواجهنها في ميادين عملهن، فضلاً عن توقعاتهن للمستقبل السياسي في جنوب اليمن. فماذا كانت آراؤهن؟
تحديات ومعوقات
تعتقد الشابات في جنوب اليمن بشكل عام أن من أبرز التحديات والمعوقات التي يواجهنها هي العادات والتقاليد والتضييق الذي تواجهه المرأة في كافة مناحي الحياة.
وفي هذا السياق، قالت مديرة تنمية المرأة بمحافظة الضالع ورئيسة جمعية تنمية المرأة، انتصار الفقيه، إن العادات والتقاليد الريفية بكل أشكالها تعد واحدة من أبرز التحديات التي تواجهها الشابة الجنوبية.
وأضافت لمركز سوث24 أن حرمان المرأة من حقوقها الأساسية مثل التعليم نتيجة ضعف الوعي المجتمعي، وإقصائها من المناصب الحكومية والخاصة، إلى جانب التمييز الذي تواجهه باعتبارها أقل أهمية من الرجل، كلها عقبات تعيق المرأة وتحد من نجاحها.
وقالت العضوة المؤسسة لفريق “جنوبيات من أجل السلام” من محافظة شبوة، هيام القرموشي لمركز سوث24 إن الشابة الجنوبية تعاني من النظرة الاجتماعية القاصرة لدور المرأة سياسيًا وعدم أهميته، وانعدام دور غالبية الأحزاب في استيعاب الشابات والعمل على تأهيلهن.
وتؤكد المسؤولة في هيئة الشؤون الخارجية والمغتربين للمجلس الانتقالي الجنوبي رشا عطاف أن المرأة الجنوبية تواجه تحديات متعددة، من بينها “ما يشاع باسم الدين الإسلامي ظلمًا وجورًا وافتراءً بأن المرأة ناقصة عقل ودين”.
من جهتها، قالت معدة ومقدمة البرامج في إذاعة المهرة، سارة نويجع، لمركز سوث24 إن هناك العديد من التحديات التي تواجهها في عملها بمجال الإعلام، منها قلة الفرص المتاحة والصراعات المستمرة التي تؤثر سلبًا على فرص التعليم والعمل، بالإضافة إلى التمييز القائم على النوع الاجتماعي.
ومن حضرموت، تعتقد الناشطة السياسية وعضوة اتحاد نساء الجنوب، رنا الجعيدي، أن المرأة الجنوبية تواجه تحديات كبيرة تتعلق بالنوع الاجتماعي، وهو ما يؤدي إلى توترات في بيئة العمل، ويعيق تحقيق الإنجازات.
ومن أبين، قالت المصورة الفوتوغرافية، سارة الجعدي، لمركز سوث24 إن التحديات المرتبطة بالعادات والتقاليد تؤدي إلى تقييد فرص الشابات في السعي لتحقيق النجاح.
وأشارت إلى أن “الشابة الجنوبية تعاني من التمييز بين الجنسين، وهو ما يضعف فرصها في الوصول إلى مناصب قيادية أو تحقيق تقدم في حياتها المهنية”.
وترى المحاضرة في كلية الإعلام بالعاصمة عدن، فاطمة العبادي، أن جودة تعليم وفرص العمل للفتاة الجنوبية تعد من أكبر التحديات أمامها.
وأضافت لمركز سوث24: “الشابة الجنوبية التي تطمح بأن تكون صحفية متميزة على سبيل المثال تواجه محدودية سوق العمل الإعلامي المحلي، والخوف من الخوض في تخصصات صحفية ميدانية أو استقصائية”.
وأشارت فاطمة إلى مسألة إضافية ذات أهمية، وهي الهوية الوطنية التي تعتز وتتمسك بها الشابة الجنوبية، لكنها تخلق تحديًا كبيرًا أمامها عندما يتم تصنيفها كتحيز أو موقف سياسي.
وأشارت إلى أن الصحفية الجنوبية “توصم بالتحيز السياسي إذا أعلنت هويتها الوطنية، وهو تحيز سياسي عكسي من وسائل إعلامية عالمية قبل أن تكون عربية أو محلية”.
وأيدت الصحفية السقطرية أسماء العنيني (من أرخبيل سقطرى في خليج عدن) أن الهوية الوطنية للشابة الجنوبية تضعها أمام تحديات وعداوات في الوسط الإعلامي.
وقالت لمركز سوث24: “الجنوبية لا خيار لها إلا التمسك بهويتها، ومع ذلك فالتداعيات المترتبة كثيرة”.
وفي مجال ريادة الأعمال، لفتت مؤسسة ومديرة مكتب (مناسب) لإدارة الفعاليات وخدمات التسويق زهراء علي إلى أن فئة الشباب والشابات في الجنوب بشكل عام أمام تحديات كبيرة، إلا أنها أمام الشابات أكبر.
وأضافت لمركز سوث24: “المجتمع عمومًا، والشابات على وجه الخصوص، يواجهن العديد من التحديات التي تبدأ بضعف خدمات البنية التحتية وعدم استقرار سعر الصرف ووصوله لمستويات مرتفعة لا تتلاءم مع مستوى دخل الأفراد.”
وأضافت: “في مجال ريادة الأعمال كان التحدي الأكبر هو ضعف الدعم المقدم حتى على مستوى القرارات واللوائح للمشاريع الناشئة، حيث نجد أنفسنا ملزمين بدفع العديد من الالتزامات المالية والمساهمة المجتمعية”.
السياسة وصنع القرار
ترى رشا عطاف أن مشاركة الشابات والنساء الجنوبيات في السياسة وصنع القرار ضعيفة وتكاد تكون منعدمة. وأضافت: “أظن أن الطريق سيكون طويلًا أمام المرأة الجنوبية الشابة لتحقيق مشاركتها الفعالة في الحياة السياسية”.
وترى فاطمة العبادي أن هناك ضعفًا وغيابًا لتمثيل المرأة الجنوبية، وبالأخص فئة الشابات، في المحافل الدولية ومواقع صنع القرار المحلية. وأرجعت الأسباب إلى التصورات المغلوطة عن دور وقدرات النساء، والأعراف المجتمعية السلبية، وضعف الوعي.
وتنتقد زهراء علي الوضع الراهن لمشاركة وإسهام الشابات الجنوبيات في السياسة وصنع القرار. ولفتت إلى أن “المشاركة النسائية شكلية للغاية ولا تساهم في صنع القرار السياسي. كما أن صناع القرار بعيدون من وجهات نظر النساء”.
ومع ذلك، أشادت فاطمة بالاهتمام الذي يبديه المجلس الانتقالي الجنوبي كأكبر كيان سياسي في الجنوب بتنمية وتمكين النساء والشابات الجنوبيات. وطالبت بمضاعفة الجهود واستكمال مسيرة إنصافهن.
لكن سارة نويجع تعتقد أن للمرأة الجنوبية دور راهن لا يمكن إهماله في صناعة القرار السياسي. وتتفق معها رنا الجعيدي التي أشارت إلى حضور نسوي لا بأس به وأفضل من السابق في المعترك السياسي والأحزاب. ولكنها تؤكد أن هذه المشاركة رغم ذلك لازالت دون المستوى المطلوب.
وبالنسبة لهيام القرموشي، حققت الشابات الجنوبيات في عدن وحضرموت تقدمًا في الحياة السياسية والمشاركة في صنع القرار، بينما في محافظات مثل شبوة التي تنتمي لها، قالت إن إسهام النساء والشابات في هذه القطاعات متأخر وضعيف لأسباب اجتماعية.
الجنوب بعيون شاباته
تقول زهراء علي إن الهوية الجنوبية تمثل بالنسبة لها اعتزازًا شاملًا بعناصرها الثقافية والصورة الإيجابية التي ينبغي أن ننقلها إلى العالم من خلال الحفاظ على التراث الثقافي والانتماء العميق لهذه الأرض التي سطرت معالمها “دماء الشهداء.”
وأضافت: “على الرغم من الظروف الغامضة التي تمر بها البلاد، إلا أننا نأمل في مستقبل يكون فيه جنوب اليمن دولة فيدرالية ذات سيادة كاملة، تضمن حقوق المواطنين من جميع المناطق وتحقق الرفاه الاجتماعي والاقتصادي”.
وتؤكد سارة الجعدي على هويتها الوطنية الجنوبية، وقالت إنها تأمل بمزيد من الاهتمام للشابات في محافظة أبين التي تواجه تحديات اقتصادية وأمنية.
ولا تخفي أسماء عنيني وسارة نويجع تفاؤلهما من أن تمسك الجنوبيين بهويتهم الوطنية سيقود في نهاية المطاف إلى استعادة دولتهم المدنية. وأشارتا إلى ما حظيت به النساء في دولة اليمن الجنوبي بين 1967 – 1990 من اهتمام، وأدوارهن البارزة في شتى المجالات على مستوى المنطقة كلها.
أما رشا عطاف، فقد عبرت عن فخرها بوجودها ضمن “المنظومة الوطنية الجنوبية”، المتمثلة في المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يحمل مشروعًا واضحًا لاستعادة دولة الجنوب بحدود عام 1990، وتأسيس دولة جنوبية فيدرالية شاملة تحقق طموحات الجميع.
توصيات لتعزيز دور الشابات الجنوبيات
لقد عكست هذه الحوارات، الحاجة الملحة لتعزيز مشاركة الشابات في جنوب اليمن في الحياة السياسية والاجتماعية. وتبني حلول وبرامج للتغلب على التحديات المتعددة أمامهن.
فعلى سبيل المثال، طالبت سارة نويجع بتوفير فرص تعليمية متنوعة للفتيات، وتشجيعهن على اكتساب المهارات اللازمة لسوق العمل.
وأشارت رشا عطاف إلى أنه يجب إدماج الشباب والشابات في العملية السياسية، موضحة أنه يجب قبل ذلك تدريبهم وتأهيلهم وإكسابهم الخبرة والمعرفة اللازمة لخوض غمار العمل السياسي، الذي يتطلب تمكين قيادات واعية تساهم في بناء المستقبل.
وبالنسبة لسارة الجعدي، فإن إنشاء صناديق أو برامج تمويل لدعم المشاريع الصغيرة التي تديرها الشابات، وتقديم التدريب والإرشاد في مجال ريادة الأعمال خطوات مهمة لتعزيز دور الشباب في المجتمع. كما أن إنشاء منصات حوار ومشاركة للشباب والشابات ستتيح لهم التعبير عن آرائهم والمساهمة في صنع القرار.
أما فاطمة العبادي فقالت إنه يجب تفعيل القرارات الدولية الخاصة بمشاركة الشباب والنساء في مواقع صنع القرار، ومنها القرار الأممي 2250 الخاص بـ “الشباب والسلم والأمن” والقرار الأممي 1325 لزيادة مشاركة المرأة في عمليات السلام.
وفي كل الأحوال، لا يمكن فصل نضال الشابات والنساء في الجنوب نحو الحقوق والحريات والازدهار عن نضال معظم السكان في الجنوب بشكل عام، حيث يعتقدون أنهم تعرضوا للإقصاء والتهميش الكامل في ظل الوحدة اليمنية القسرية.
______
ريم الفضلي
صحفية بمركز سوث24 للأخبار والدراسات