مركز دراسات وباحثون: السلام اليمني معقّد ويرتهن لجزئيات متشابكة
وأوضح مركز اليمن والخليج للدراسات، في دراسة صدرت عنه أخيراً، أنه يمكن تصور أن يرتب الحل الجزئي أبعاداً جديدة في مراكز موازين القوى، ما قد يشكل ارتدادات تصعيدية في الأزمات الأخرى، وفي ظل تعدد المعضلات السياسية والأمنية والإنسانية سيبقى اليمن قيد إعادة التشكل في إطار دورة تعيد إنتاج الأزمات.
وتُستأنف أخيراً مساعي الوصول إلى صيغة للدخول في مفاوضات لإحلال السلام في اليمن، حيث وصل وفد عُماني، إلى العاصمة صنعاء، للقاء قيادات في جماعة الحوثي الانقلابية، والتشاور حول تطورات الوساطة التي تجريها سلطنة عُمان، واستئناف العملية التفاوضية، كما أعلن المتحدث باسم الانقلابيين الحوثيين ورئيس وفدهم التفاوضي محمد عبد السلام.
ويتزامن ذلك مع جولة يقوم بها المبعوث الأميركي إلى اليمن تيم ليندركينغ في عدد من العواصم الخليجية، لتعزيز الجهود القائمة لضمان التوصل إلى اتفاق جديد وإطلاق عملية سلام شاملة، بحسب ما أعلنت «الخارجية الأميركية» التي تحدثت عن لقاءات سيعقدها ليندركينع مع شركاء يمنيين وسعوديين وعمانيين ودوليين لتعزيز المحادثات الجارية.
وذهب الباحث أحمد عليبة، معد الدراسة، إلى أن صورة مستقبل حل الأزمة اليمنية تبدو قاتمة، خصوصاً أن مؤشرات الصراع الممتد على المسرح المحلي تشير إلى أن الأطراف لم تصل بعد إلى مرحلة الإنهاك العسكري، ولا يعتقد أن هذه المرحلة على وشك الانتهاء، حيث لا تزال الأطراف تمتلك القدرات التعبوية والعسكرية.
وحذر عليبة، وهو أيضاً خبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، مما وصفه بذهنية الصفقات التي قال إنها تتجلى في نهج الحركة الحوثية التي تتبنى خيار الهدنة على أرضية صفقة اقتصادية مع الرياض، في الوقت الذي لا يمكن للرياض القبول بصفقة سياسية لا تشمل ترتيبات أمنية توقف التصعيد المسلح في اليمن، بينما يرى الحوثيون هذه الصفقة هي المعادل لوقف الحرب مع الرياض.
وأشار في هذا الصدد إلى رفض الحوثيين وساطة الرياض وإصرارهم على التعامل معها بوصفها طرفاً في الأزمة، الأمر الذي أفشل الجولة الأولى من المفاوضات بتهرب الحوثيين من التعاطي مع هذه الوساطة، وذهابهم إلى اتهام القوى الدولية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية بعرقلة التسوية.
سلام غير متخيل
يخلص الباحث إلى أنه في المستقبل ستكون الصورة قاتمة أكثر مما هي عليه، حيث لا يوجد أفق لإمكانية مسار سياسي واقتصادي وأمني يشكل قاسماً مشتركاً لدى الأطراف كافة، ويعيد الاعتبار لمؤسسات الدولة، من البنك المركزي إلى الجيش إلى الحكومة، إلى جانب أن عامل استدامة الأزمة في اليمن قد يكون معضلة جديدة في ضوء مقاربة ترسخ سياسة الأمر الواقع.
وتشهد البلاد تهدئة عسكرية في أغلب الجبهات، رغم التحركات والحشود الحوثية في عدد من الجبهات، خصوصاً باتجاه محافظتي تعز جنوب غربي البلاد، ومأرب شرق العاصمة صنعاء، وتصعيداً على جبهة الضالع في الوسط، بينما تواصل الميليشيات الحوثية اعتداءاتها على المدنيين في تعز والحديدة غرباً.
من جهته، يرى الباحث السياسي فارس البيل أن ميليشيات الحوثي يمكن أن تنحني لعاصفة التهدئة الإيرانية إجباراً وتكتيكاً؛ لكنها في تكوينها وتصورها ليست مؤهلة لهذا المسار، وهو ما يعقّد التوصل معها إلى حلول واقعية، إذ يشبه التعاطي معها التعاطي مع تنظيم القاعدة مثلاً.
ونوه في حديثه لـ«الشرق الأوسط» بأنه من غير المتخيل التحاور مع هذه التنظيمات للدخول معها في حالة شراكة وتنافس سياسيين وشراكة سلطة، ولا يمكن تصور كيفية سيرورة عملية كهذه، فالحوثي والقاعدة يتماثلان تماماً سلوكاً وفكراً ومنهجاً باختلاف التصور المذهبي، حسب رأيه.
وتابع: «لا أتصور أن إيران فجأة ستتخلى عن مشروع استراتيجي هو عقيدة وفكر وآيديولوجيا بالنسبة لها وليس مجرد سياسة، وبالتالي لا يمكن تصديق أن إيران فجأة ستتخلى عن نظام الولاية والتمذهب والفكر الطائفي الذي انتهجته طوال أكثر من 4 عقود»، مستدركاً أن ذلك يمكن أن يحدث بصعوبة في حالة نظام سياسي مرن، ونتيجة ظروف ما أو تغييرات ومصالح تفرض هذه التغييرات.
البحث عن ثمن الهدنة
خلال الأسابيع الأخيرة، واصل الانقلابيون الحوثيون تهديداتهم بالعودة إلى التصعيد العسكري واستهداف دول الجوار، خصوصاً السعودية، بإرسال طائراتهم المسيرة وصواريخهم الباليستية لضرب الأعيان المدنية والاقتصادية ومصادر الطاقة، في عملية ابتزاز للمطالبة بحصة من إيرادات النفط والغاز اليمنيين، بعد إيقافهم تصديرهما بالاعتداء على الموانئ.
أما الناشط السياسي عبد الجليل الحقب فينظر إلى شروط الانقلابيين الحوثيين ومطالبهم بصفقة اقتصادية تتضمن رفعاً كلياً للقيود على المطارات والموانئ والمنافذ واستحقاقات الملف الإنساني، والنقاش على ثمن قبول تسوية سياسية، فمن وجهة نظره لا يزال الانقلابيون يراوحون عند المطالب نفسها غير قابلة للتأجيل وغير مرتبطة بحل سياسي.
ونبه الحقب في إفادته لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه وبينما تدفع السعودية ومعها المجتمع الدولي نحو خريطة سلام شاملة يكون الاقتصاد أحد عناوينها، يتمسك الانقلابيون الحوثيون بالحصول على ثمن للقبول باستمرار الهدنة التي لم تنفذ بنودها سوى من طرف واحد، وفي هذا السياق يأتي التصعيد الكلامي والمناورات العسكرية المتكررة للحوثيين للتذكير بأنهم منحوا الجميع فترة استقرار دون مقابل.
وختم حديثه بأن كل ذلك يعني أن ميليشيات الحوثي ترى في الهدنة التي لا تحقق لها مطالبها مجرد تنازل من دون ثمن، وتجري بناء على رغبة الحكومة الشرعية وتحالف دعمها وبما يخدم أهدافهما، ويشير الوعيد الذي تطلقه بين حين وآخر إلى أننا نسير نحو استئناف المعارك العسكرية الكبيرة، غير أنه لا يمكن الجزم بحتمية هذا المآل قبل معرفة الحسابات الدقيقة التي تحرك قرار السلم والحرب لدى الجماعة.