اخبار محليةصحيفة المرصد

العرب اللندنية : عائلات يمنية يمزقها الشتات في رحلة النزوح

تعصف باليمن عدة أزمات منها النزوح المتكرر من المناطق التي شهدت صراعا دمويا للعام التاسع، ما أدى إلى نزوح نحو 4 ملايين ونصف مليون شخص أغلبهم من الأطفال والنساء بمعدل 80 في المئة، وفقًا لتقرير أممي صدر في 8 أغسطس الماضي.

وتحتل مدن ومحافظات يمنية الصدارة في أعداد النازحين جراء المعارك العنيفة بين القوات الحكومية والحوثيين، والتي أدت إلى وجود عدد كبير من مخيمات النزوح في محافظات مثل مأرب (شرق) الغنية بالنفط، وتعز (جنوب غرب) ذات الكثافة السكانية، بالإضافة إلى مدينة الحديدة (غرب) ذات الأهمية الاقتصادية على ساحل البحر الأحمر، فضلا عن المحافظات الجنوبية، إضافة إلى المديريات المحررة بمحافظة حجة (شمال غرب) والحدودية مع السعودية.

وفي واحدة من المآسي الإنسانية وسط صحراء قاحلة مترامية الأطراف وأكواخ وخيام متداعية لأكثر من 150 أسرة نازحة من عزلة منطقة المخازن، إحدى ضواحي ريف مدينة ميدي الساحلية أقصى شمال غرب محافظة حجة، يكابد الأطفال والنساء، فضلا عن كبار السن، مرارة النزوح والتهجير للسنة الثامنة في ظروف بيئية واقتصادية قاسية.

ويخطو محمد متنبك (38 عاما) مترجلاً نحو كوخه المتهالك جراء الرياح الشديدة والأمطار علاوة على الكثبان الرملية، في انتظار انفراجة وأمل في العودة إلى مسقط رأسه رفقة زوجته وأبنائه السبعة، ومعه المئات من النازحين جلهم من الأطفال.

وفي حديثه عن رحلة نزوحه، يقول متنبك “قررنا المغادرة بعد أيام من الخوف والرعب بسبب القصف المدفعي، والاشتباكات الدائرة حول ميدي منتصف السنة الأولى للحرب”. وأضاف “خرجنا وسط بكاء الأطفال ودموع النساء، مترجلين على أقدامنا، والبعض منا يمتطي الدواب تحت جنح الليل، فضلاً عن انقطاع التيار الكهربائي عن المدينة وضواحيها، تاركين وراءنا منازلنا ومصادر رزقنا نحو المجهول”.

ووصف الرجل مسيرة النزوح بأنها “اللحظات الأصعب، والنكسة التي غيرت مجرى حياتي ومستقبل أطفالي”. وأوضح أنه عانى “ثمانية أعوام من النزوح والتنقل إلى أربع مناطق مختلفة، بدءًا من مسقط رأسي بعزلة المخازن، مرورًا بمديرية حيران، ووصولاً إلى مديرية عبس، ثم العودة إلى عزلة بني فايد على بعد أكثر من 10 كيلومترات من ميدي”.

ويشكو النازحون، ومتنبك واحد منهم، من تردي الأوضاع المعيشية بالإضافة إلى تهدم أكواخهم وخيامهم نتيجة العوامل الطبيعية، فضلا عن تزايد شدة الغبار في فترة الظهيرة تزامنًا مع ارتفاع درجات الحرارة في ضوء غياب السلطات الحكومية والمنظمات الإنسانية.

وبيّن متنبك أن “معظم النازحين يلجؤون إلى استخدام الأكواخ المبنية من القش وأغصان الأشجار إضافة إلى الطين، رغم تهدمها وسقوطها بعد صمودها فترة زمنية تصل إلى أكثر من ستة أشهر تقريبًا بفعل الظروف المناخية القاسية”. وأشار بيده إلى الأضرار التي لحقت بكوخه، قائلا “خلال الأعوام الأربعة الماضية قمت ببناء خمسة أكواخ لعائلتي”.

الأطفال والنساء، فضلا عن كبار السن، يكابدون مرارة النزوح والتهجير للسنة الثامنة في ظروف بيئية واقتصادية قاسية

واعتبر أن كوخه الحالي “آيل للسقوط، وبحاجة إلى ترميم أو بناء كوخ جديد”. وعن أسباب استخدام الأكواخ من الأغصان بدلا من الطوب، قال “أوضاعنا الاقتصادية في تردّ، وتكاليف أدوات البناء وأجور العمال غالية جدا، علاوة على ذلك الأرض ليست أرضنا”.

ويستغرق بناء الكوخ قرابة عشرة أيام، بعد تجميع القش والأغصان من مناطق غير آمنة تحتوي على مخلفات الحرب والألغام، بالإضافة إلى تأمين الحبال والطرابيل (أغطية أو سواتر)، وتصل تكاليف بنائه إلى 400 دولار. ووفقًا للتقرير الصادر عن إدارة مخيمات النازحين (حكومية) في 7 فبراير الماضي، فإن أكثر من 3 ملايين نازح يتوزعون في 13 محافظة، و646 مخيمًا، و927 تجمعا سكانيا، ويقدر عدد النازحين في محافظة حجة لوحدها بأكثر من 19 ألف نازح.

من جهته، أوضح حسن جربحي أحد أعيان مديرية ميدي أن “عدد النازحين في المديرية بلغ أكثر من 500 أسرة، منها قرابة 200 أسرة تعيش فقرا مدقعا”. وذكر جربحي أن “جزءًا كبيرًا من النازحين يعيشون في خيام ومساكن لا تتوافر فيها أبسط مقومات الحياة”، وأن “أغلبهم يكافحون لتأمين قوتهم وسد جوعهم من خلال الأعمال الشاقة وبأجرة يومية”.

ويعود المعلم عبدالله هادي بذاكرته إلى اللحظات الأولى للنزوح، ويقول “بعد 40 يومًا من دخول الاشتباكات إلى ميدي، غادرت جميع الأسر وبينها أسرتي إلى المخيمات”. وأشار هادي في حديثه للأناضول إلى أنه “فقدَ أصدقاء له، فضلاً عن سقوط ضحايا من النساء والأطفال”. وأضاف أن “النازحين فقدوا مصادر رزقهم، وأغلبهم يعملون في الزراعة ورعي الماشية، إضافة إلى تربية النحل”.

ولفت هادي إلى أن “نحو 350 مزرعة تحولت إلى صحراء قاحلة، ولا نستطيع الوصول إليها نتيجة الألغام الأرضية ومخلفات الحرب من مقذوفات غير منفجرة”. وفي السياق، تحدثت تقارير دولية عن عدد لا يحصى من الأطفال الأشد تضررًا نتيجة النزوح وويلات الحرب على الصحة النفسية، ومن هؤلاء الطفل نايف هادي محمد. ويعيش نايف (12 عامًا) بعيدًا عن والديه وأخواته للعام الخامس، وأوضح جده محمد أبكر للأناضول “يعاني حفيدي من الوحدة والاكتئاب وتدهور في صحته النفسية، علاوة على ذلك توقفه عن التعليم للسنة الثالثة بسبب فراق أسرته”.

وأفاد الجد أبكر (72 عامًا) أن المعارك “العنيفة” التي دارت بين طرفي النزاع أواخر مارس 2019 في قرى عزلة بني حسن شمالي حجة أحالت أسرا نازحة إلى النزوح والتشتت مجددًا، ومنها عائلة نايف. ومنذ ذلك الحين يمكث نايف مع جده وسط كوخ مهترئ، ويفصله الحصار وخطوط التماس عن عائلته التي تقطن في أحد مخيمات مديرية عبس الخاضعة لسيطرة الحوثيين، ويأمل جده في انتهاء الحرب وإعادة لمّ شمل العائلة.

المصدر

جوجل نيوز

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى