علي المقري هارباً إلى الأمام كعبدالملك الحوثي
الحروب كالسلام أحياناً، مع الاختلاف في النتائج والاتجاهات، لكنها في اليمن مسبار لمعرفة ما كنا نجهله، أو ما كان عنا خافياً. وإذا كان العالم يعرف الآن جماعة الحوثي أو “أنصار الله” كما يطلقون على أنفسهم، كحركة كهنوتية سلالية ترفع شعارات ثورية، ويستغرب من طريقة سيطرتها على دولة كانت حتى ٢١ سبتمبر ٢٠١٤ ضمن دول المجتمع الدولي وإن كانت فاشلة. إذا كان العالم كذلك، فإنه لا يعرف الوجه الآخر لهذه الكهنوتية السلالية، المتمثل في الطبقة السياسية والثقافية اليمنية ولاسيما في صنعاء، حيث يؤدي كل فريق دوره المرسوم مهما يختلف متصدر اللحظة السياسية في سدة الحكم.
علي المقري الوارد اسمه في رأس المقال ليس من الطبقة السياسية المباشرة، بل هو من الطبقة الناعمة الخادمة الوديعة التي تمرر طلبات الطبقة السياسية متى ما ضمنت مصالحها الشخصية، كما هو الدور النمطي لمن يعرفون في اليمن بوصف “اللغالغة” سواء أكانوا حزبيين أم إداريين أم مثقفين …إلخ.
ببراجماتية معهودة يحاول المقري – حتى عندما يكتب على الخفيف عن بعض انتهاكات الحوثيين – أن يبقي حبل الود ممدوداً، ناهيك عن مداجاته ومحاباته لبقايا النظام الذي اقتلعه الحوثي، فهو لا يمسهم بسوء، ليضمن تدفق “الصرفة بالدولار ” من خزائن الشرعية التي عبثت باليمن وما زال عبثها متجدداً، لكن المقري لا يرى ولا يسمع ولا يكتب ولا يتكلم!
حالة التشابه إلى درجة التطابق بين الكاتب العلماني (علي المقري كمثال) و السياسي الكهنوتي (عبدالملك الحوثي كمثال) تتمثل في التعبير عما يحدث في غزة من حرب إبادة إسرائيلية في فلسطين. وهو تعبير أقل ما يوصف به أنه نوع من أنواع الهروب إلى الأمام.
يكتب المقري عن “استيقاظ المقهور”، فيقوم بالتنظير للفلسطيين وكأن بلاده مصدرة للتجارب الناجحة في إدارة الصراع والخلاف السياسي. يقول المقري بصيغة الأمر أن المهم “أن يتنادى الفلسطينيون فيما بينهم لإيجاد صوت واحد يمثلهم بدلاً من هذا التشتت بين الضفة وغزّة، وبين “الجهاد” و”حماس”، وبين “حماس الداخل” و”حماس الخارج”.
لغالغة السياسة والثقافة في اليمن أمثال المقري ومن على شاكلته مشغولون بفلسطين وغزة أكثر من اهتمامهم بتعز والمناطق الوسطى واليمن حيث يعيش الناس خارج دائرة الحياة الإنسانية ويدوس مشرفو الحوثي القذرون والزينبيات على كل شيء هناك!
ويفسر المقري دعوته الفلسطينيين للتوحد بقوله: “فالمقاومة قد تكون مشروعة في وجه المحتل على أي نحو كان لكنّها تظل عبثية وغير مجدية إذا غاب عنها المشروع الوطني وصارت أداة لمصالح تستهدف إشعال الصراع ودوامه والمتاجرة به”.
لماذا لا يدعو المقري أو يكتب عن المقاومة بكل أشكالها للكهنوت السياسي الحوثي في صنعاء رابع عاصمة عربية ساقطة بيد نظام الملالي؟ ولماذا لا يكتب عن المشروع الوطني اليمني المستحيل بعد تسليم صنعاء وعدم مواجهة الحوثي؟ ولماذا يستثمر المأساتين اليمنية والفلسطينية لتحقيق مآرب شخصية، كشخص يدور حول نفسه؟ لكن هل السيد علي المقري هو المثال الصارخ للكاتب العلماني المشابه للسياسي الكهنوتي اليمني؟ قد تكون الإجابة، بكل موضوعية: لا. لكنه المثال الناعم المتقمص رداء البريء من كل شيء وهو شريك!. وهنا تكمن حربائية المثقف العلماني عندما يكون الوجه الآخر الأشد قبحاً للسياسي الكهنوتي وغير الكهنوتي في اليمن.
المصدر