الولايات المتحدة تتجنب الرد على هجمات الحوثيين
وصعّد الحوثيون هجماتهم ضد السفن أثناء إبحارها نحو مضيق باب المندب. وأسقطت سفن البحرية الأميركية مجموعة من الطائرات المسيّرة التي كانت في طريقها ويعتقد أن الحوثيين أطلقوها من الأراضي التي يسيطرون عليها في اليمن.
وقالت الباحثة لوليتا سي بالدور في تقرير على أسوشيتد برس إن الولايات المتحدة تجنبت الانتقام العسكري حتى الآن، وهو ما يشكّل اختلافا ملحوظا عن ضرباتها المتعددة ضد الميليشيات المدعومة من إيران في العراق وسوريا والتي أطلقت صواريخ وقذائف وطائرات دون طيار على قواعد تضم القوات الأميركية في كلا البلدين.
ولم يُعلن عن إصابات في علاقة بضربات الحوثيين، رغم تعرض السفن التجارية لبعض الأضرار. ويقول المسؤولون الأميركيون إن جماعة الحوثي ربما لا تستهدف السفن الحربية الأميركية، وهو تصريحات قد يشكك فيه قباطنة السفن البحرية الذين يراقبون الطائرات المسيّرة المتوجهة نحوهم.
ماذا يحدث في اليمن؟
سيطر المتمردون الحوثيون على معقلهم الشمالي في اليمن واستولوا على العاصمة صنعاء في 2014، وشنوا حربا ضروسا. وتدخل تحالف بقيادة السعودية في 2015 لمحاولة إعادة الحكومة اليمنية المنفية والمعترف بها دوليا إلى السلطة.
وتحولت سنوات من القتال الدموي غير الحاسم ضد التحالف المذكور إلى حرب بالوكالة بين السعودية وإيران، مما نشر الجوع والبؤس على نطاق واسع في اليمن، الذي يعتبر أفقر دولة في العالم العربي.
وأودت الحرب بحياة أكثر من 150 ألف شخص، من بينهم مقاتلون ومدنيون، وخلقت واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في العالم.
ولا يزال وقف إطلاق النار الذي انتهى منذ أكثر من عام قائما إلى حد كبير. وأجرت السعودية والمتمردون بعض عمليات تبادل الأسرى، وتقررت دعوة وفد من الحوثيين إلى محادثات سلام رفيعة المستوى في الرياض في سبتمبر ضمن بوادر الانفراج الأوسع الذي توصلت إليه المملكة مع إيران. ورغم الإعلانات عن “النتائج الإيجابية” لم يتحقق السلام الدائم.
الهجمات على السفن
استهدف الحوثيون مع مرور الوقت السفن في المنطقة بشكل متقطع، لكن الهجمات كثُرت منذ بداية الحرب بين إسرائيل وحماس، وتصاعدت منذ مجزرة مستشفى المعمداني في 17 أكتوبر الماضي. ويصر قادة الحوثيين على أن إسرائيل تبقى هدفهم.
وبعد هجمات نهاية الأسبوع قال المتحدث العسكري باسم الحوثيين العميد يحيى سريع إن قواتهم “مستمرة في منع السفن الإسرائيلية من الملاحة في البحرين الأحمر والعربي، حتى يتوقف العدوان الإسرائيلي على إخواننا الصامدين في قطاع غزة”.
وشملت السفن التجارية التي تعرضت للقصف الأحد الماضي يونيتي إكسبلورر التي لا تجمعها صلات كبيرة بإسرائيل وهي مملوكة لشركة بريطانية تضم قائمة مسؤوليها دان ديفيد أونغار الذي يعيش في إسرائيل.
وحددت وسائل الإعلام الإسرائيلية أن أونغار هو ابن ملياردير الشحن الإسرائيلي أبراهام “رامي” أونغار. لكن الصلات الإسرائيلية بالسفن الأخرى تبقى غامضة.
وشملت موجة الهجمات التي وقعت الأحد صواريخ أصابت سفن يونيتي إكسبلورر ونمبر ناين وسوفي 2، وهي من ناقلات البضائع الضخمة. وأسقطت المدمرة البحرية يو إس إس كارني ثلاث طائرات دون طيار كانت متجهة نحو السفينة وعملت على مساعدة السفن التجارية. وأسقطت المدمرة الأميركية يو إس إس ميسون طائرة دون طيار كانت متجهة نحوها الأربعاء.
وقالت القيادة المركزية الأميركية في بيان إن الطائرة المسيّرة الحوثية كانت متجهة نحو كارني رغم أن هدفها المحدد غير واضح. وأكّدت أنه لا يمكن في الوقت الحالي تقييم ما إذا كانت كارني هدفا لها. ونفت وقوع أضرار في السفينة الأميركية أو إصابات بين أفرادها.
حسابات الولايات المتحدة
نفذت الولايات المتحدة غارات جوية على الميليشيات المدعومة من إيران في العراق وسوريا بينما استُهدفت القوات الأميركية في 77 هجوما مختلفا منذ 17 أكتوبر الماضي. لكن الجيش لم ينتقم بعد من الحوثيين.
ويعكس هذا التردد الحساسيات السياسية، وهو نتاج مخاوف إدارة جو بايدن الأوسع نطاقا من كسر الهدنة الهشة في اليمن وإثارة صراع أشمل في المنطقة. ويريد البيت الأبيض الحفاظ على الهدنة ويخشى اتخاذ إجراء قد يفتح جبهة حرب أخرى.
ويحذر المسؤولون الأميركيون من أن العملية العسكرية تبقى خيارا على الطاولة. لكنهم يؤكدون سرا وعلنا على أن هناك فرقا بين تفجيرات العراق وسوريا وهجمات الحوثيين.
وأطلقت الميليشيات المدعومة من إيران طائرات مسيرة هجومية أو قذائف أو صواريخ باليستية قريبة المدى 37 مرة على قواعد في العراق و40 مرة في سوريا. وسُجّلت إصابات طفيفة لدى العشرات من الجنود، كما سُجّلت إصابات دماغية في عدد كبيرمن الحالات. واستأنف كل هؤلاء الجنود نشاطهم.
وردّت الولايات المتحدة بغارات جوية ثلاث مرات في سوريا منذ 17 أكتوبر، مستهدفة مستودعات الأسلحة وغيرها من المرافق المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني والميليشيات مباشرة. وضربت مواقع متعددة في العراق قبل انقضاء الشهر الماضي بعد أن أطلقت إحدى الميليشيات لأول مرة صواريخ باليستية قصيرة المدى على القوات الأميركية في قاعدة عين الأسد الجوية.
وأطلق الحوثيون في نفس الوقت صواريخ على سفن في البحر الأحمر وقذائف استهدفت إسرائيل، وأرسلوا طائرات دون طيار نحو السفن البحرية. واستولوا خلال الشهر الماضي على سفينة مرتبطة بإسرائيل في البحر الأحمر قبالة اليمن، ومازالوا يحتجزونها. وسقطت صواريخ الحوثيين بالقرب من سفينة حربية أميركية أخرى بعد أن ساعدت سفينة مرتبطة بإسرائيل استولى عليها مسلحون لفترة وجيزة.
وبقي المسؤولون الأميركيون في وضعية صعبة وهم مجبرون على الدفاع عن قرار عدم الانتقام من تلك الهجمات.
ويقول مسؤولو زارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) إن سفن البحرية أسقطت طائرات الحوثيين المسيّرة التي كانت متجهة نحوها لأنها اعتبرت “تهديدا”، ثم يقولون إن الولايات المتحدة تقدر أن السفن لم تكن الهدف. وغالبا ما يُنشر التصريح الثاني بعد مراجعة التقييمات الاستخباراتية والبيانات الأخرى.
لكن هذا لا يريح البحارة على متن السفن الذين يراقبون المسار الراداري الذي تتخذه الطائرات دون طيار، ويجب عليهم اتخاذ قرارات سريعة بشأن ما إذا كان ذلك يمثل تهديدا للسفينة.
ولطالما أكّدت الولايات المتحدة رغبتها في حماية حرية الملاحة في البحار. لكن تصرفات الحوثيين دفعت التحالف الدولي لأمن وحماية حرية الملاحة البحرية إلى إصدار تحذير للسفن التي تعبر البحر الأحمر وباب المندب. وقال “إن السفن يجب أن تختار مسارات بعيدة عن المياه اليمنية قدر الإمكان، وتسافر ليلا دون توقف، حتى لا تصبح هدفا سهلا”.
وقالت الولايات المتحدة هذا الأسبوع إنها تجري محادثات مع حلفائها حول استخدام قوة عمل بحرية لمرافقة السفن التجارية في البحر الأحمر. وتشاركت قرابة 38 دولة في قوة عمل مماثلة في المنطقة، وتهدف بالأساس إلى مكافحة القرصنة قبالة سواحل الصومال. ويتوجب على المسؤولين مناقشة القضية مع الحلفاء لتحديد المستعدين للمشاركة في هذا المجهود الجديد.
التصعيد؟
لطالما تحدثت إدارة بايدن عن ضرورة تجنب تصعيد الحرب بين إسرائيل وحماس إلى صراع إقليمي أوسع. وقال السكرتير الصحافي للبنتاغون، العميد بات رايدر، إن توجيه ضربات إلى الجماعات المدعومة من إيران في العراق وسوريا لم يتسبب حتى الآن في توسيع نطاق الصراع.
لكن ليس من الواضح ما إذا كانت الضربات التي تستهدف مستودعات أسلحة الحوثيين أو المواقع المماثلة التي تحظى أيضا بدعم إيراني ستتجاوز الحدود وتؤدي إلى حرب أوسع نطاقا.
وقال رايدر “سنواصل التشاور مع الحلفاء والشركاء الدوليين حول الطريقة الأنسب لحماية الشحن التجاري الذي يمر عبر تلك المنطقة، وفي نفس الوقت ضمان تنفيذنا لكل ما يجب تنفيذه من أجل حماية قواتنا”.