توتر سياسي وانهيار اقتصادي يخيّمان على معسكر الشرعية في اليمن
شهدت العاصمة اليمنية المؤقتة عدن ومدينة المكلا عاصمة محافظة حضرموت تظاهرات شعبية احتجاجا على تردي الأوضاع المعيشية وانعدام الخدمات وفي مقدمة ذلك الكهرباء، بالتوازي مع حالة من التوتر السياسي والإعلامي التي تخيم على معسكر الشرعية في اليمن.
وتأتي موجة الاحتجاجات الشعبية في الوقت الذي تواصل فيه العملة اليمنية (الريال) التراجع أمام العملات الأخرى في مؤشر على تفاقم حالة الانهيار الاقتصادي التي تسببت بها الإجراءات الحوثية التي تستهدف القطاع الاقتصادي والمالي في المناطق المحررة.
واتهم البنك المركزي في عدن الأربعاء، الحوثيين بالوقوف خلف الحرب الاقتصادية التي تشهدها مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دوليا، وعقد البنك اجتماعا استثنائيا قال إنه مخصص “لمناقشة تطورات الحالة الاقتصادية وأسواق صرف العملات الأجنبية مقابل العملة الوطنية والحركة غير المبررة إما بدوافع سياسية أو في إطار الحرب الاقتصادية التي تشنها الأجهزة الاستخباراتية للميليشيات”.
واعتبر الباحث الاقتصادي اليمني عبدالحميد المساجدي أن الأوضاع الاقتصادية المتردية في المناطق المحررة جاءت “نتيجة لسلسلة من الفشل والفساد التي أسهمت في ضياع الفرص الكبيرة التي حصلت عليها الحكومة لتثبيت الأمن والاستقرار وترسيخ نموذج اقتصادي إيجابي في اليمن، وجعل هذه المناطق جاذبة لكافة مواطني الجمهورية اليمنية وعلى رأسهم رجال الأعمال والشركات ورؤوس الأموال”.
ولفت المساجدي في تصريح لـ”العرب” إلى وجود صراع اقتصادي يتوازى مع الصراع العسكري، واستدرك “لكن من غير المنطقي أن يتم تحميل التردي الاقتصادي إلى الصراع مع الحوثيين، إذ أن الحكومة لديها من أوراق القوة والضغط ما يمكنها من التفوق على الحوثيين، وبالتالي، إخفاق الحكومة أفقدها ثقة الشركاء في التحالف وفي المجتمع الدولي”.
وحول الطرف الذي يتحمل مسؤولية الوضع الاقتصادي الذي وصلت إليه المناطق التابعة للحكومة الشرعية، أضاف “المسؤولية مركبة بين مجلس القيادة والحكومة والأطراف الفاعلة في المناطق المحررة، إضافة إلى التحالف العربي، وعلى الجميع القيام بمسؤولية تضامنية لتدارك ما وصلت إليه الأوضاع من تردّ كبير في الشق الاقتصادي”.
وتترافق حالة الاحتقان الشعبي والتوتر السياسي التي تشهدها المحافظات المحررة مع مؤشرات على تصاعد الصراع بين المجلس الانتقالي الجنوبي ومكونات أخرى في مقدمتها الإخوان تقف خلف استحداث كيانات قبلية وسياسية في المحافظات الجنوبية.
وكثف تنظيم القاعدة في هذه الظروف السياسية والاقتصادية من هجماته التي تستهدف القوات الجنوبية المحسوبة على المجلس الانتقالي والتي كان آخرها الهجوم على قوات تابعة للحزام الأمني في وادي الخيالة بمديرية المحفد بمحافظة أبين والذي قالت القوات الأمنية إنها تمكنت من التصدي له.
كما أعلنت قوات الحزام الأمني بقطاع مودية بمحافظة أبين الأربعاء، تمكنها من تفكيك عبوتين ناسفتين عثر عليهما بجانب الخط العام بالمديرية، فيما أشارت مصادر إعلامية إلى انفجار عبوة ناسفة شرق مديرية مودية استهدف طاقما عسكريا تابعا لقوات “سهام الشرق”.
ويرى مراقبون للشأن اليمني أن تزامن حالة التوتر السياسي والإعلامي مع التردي الاقتصادي وانهيار منظومة الخدمات إلى جانب حرب الاستنزاف التي يخوضها تنظيم القاعدة في أبين وشبوة ضد المجلس الانتقالي وتكثيف الحوثيين لهجماتهم على محافظتي الضالع ولحج، كلها مؤشرات على وجود أجندة لنقل أدوات الصراع إلى جنوب اليمن.
وحول دلالات التفاعلات التي يشهدها جنوب اليمن، قال يعقوب السفياني مدير مركز ساوث 24 للدراسات في عدن إن “الجنوب أصبح مسرح عمليات وحيدا للصراع المحلي والإقليمي خلال الفترات الأخيرة. هذا الصراع على اختلاف مستوياته وامتداداته خلق حالة من الاضطراب”.
وأشار السفياني في تصريح لـ”العرب” إلى أنه في الوقت الذي يحاول فيه المجلس الانتقالي الحصول على المزيد من المكاسب على الأرض والسيطرة على بقية الجنوب، تطل القوى المناهضة برأسها من نوافذ المشاريع الصغيرة التي تداعب مخيلة مجاميع غير بسيطة من السكان في مناطق الثروة.
وأضاف “على ذات المستوى المحلي، يمتد الصراع إلى هرم مجلس القيادة الرئاسي الذي يسيطر على جغرافيا يشكل الجنوب أكثر من 90 في المئة منها. فمن حيث المبدأ، تعبر الأطراف الشمالية ضمن هذا المجلس عن دعمها لحل قضية الجنوب، لكنها في نهاية المطاف من غير المتوقع أن تتوافق مع مشروع استقلال الجنوب وقيام دولة على يد المجلس الانتقالي الجنوبي”.
وأشار السفياني إلى أنه نتيجة لذلك “تقاطعت مصالح بعض القوى الشمالية داخل مجلس القيادة الرئاسي مع مصالح المجاميع الجنوبية التي تحاول ترسيخ هوية ديمغرافية مستقلة لأجزاء من الجنوب. مع ذلك، تصطدم هذه المحاولات بالشارع الجنوبي الذي يبدو أن الجزء الأكبر منه يدعم أو يحمل موقفا إيجابيا تجاه المجلس الانتقالي”.
واعتبر السفياني أن هذه المعمعة السياسية ليست سوى رأس قمة الجليد، فالتنافس الإقليمي المحموم بدا أكثر وضوحاً مؤخراً، حيث تخوض قوى إقليمية ودولية مضمارا خطرا لتهيئة الجنوب للقادم وهو الاتفاق الذي تسعى هذه القوى عبره مع الحوثيين لإنهاء حرب اليمن بأقل الأضرار.
وتابع “هكذا يبدو المشهد، منافسون جدد للمجلس الانتقالي الجنوبي في عقر داره يحظون بدعم معلن من أطراف إقليمية وتأييد من أطراف شمالية ضمن معسكر الشرعية تلتقي مع المجلس الانتقالي الجنوبي في استمرار الشراكة التي يستخدمها الجميع كمظلة، وتختلف معه في قضية الجنوب. وبين هذا كله، تدفع الأزمة الاقتصادية المتصاعدة إلى خلق ردة فعل شعبية غاضبة قد تشكل ضغطا هائلا على المجلس الانتقالي الجنوبي في الأيام القادمة، بينما يحاول الأخير استكمال عملية الهيكلة في الشقين العسكري والأمني، والتخلص من تشتيت الجبهات مع الحوثيين للتفرغ للشرق”.
ومن جهته علق الباحث السياسي اليمني ومدير المرصد الإعلامي رماح الجبري على حالة التوتر السياسي والتدهور الاقتصادي في مناطق الشرعية جنوب اليمن والأسباب الحقيقة لهذا المشهد، بالقول “منذ تحرير عدن في العام 2015 لم تستطع الحكومات المتعاقبة تقديم نموذج إيجابي خدمياً واقتصادياً لظروف ارتباط الأطراف المحلية بمشاريع خاصه بها دون تقديم الأولويات الوطنية المتمثلة في استعادة الدولة، ما يجعل بعض المكونات تطالب بمصالحها من الدولة قبل استعادة الدولة عافيتها ومؤسساتها”.
وأشار الجبري في تصريح لـ”العرب” إلى أن مجلس القيادة الرئاسي خضع في الآونة الأخيرة للضغوط الدولية وفتح المجال أمام الإيرادات لتتدفق إلى الميليشيا الحوثية عبر ميناء الحديدة في الوقت الذي تقصف فيه هذه الميليشيا موانئ الحكومة الشرعية النفطية وأوقفت عمليات تصدير النفط التي تمثل شريان الحياة الرئيسي للحكومة الشرعية، وهو ما انعكس بشكل سلبي على موقف الحكومة الشرعية ويؤدي يشكل مستمر إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية في المحافظات المحررة وربما يصل إلى عجز الحكومة عن الوفاء بالتزاماتها تجاه الشعب اليمني.
وأضاف “بالنسبة إلى الميليشيا الحوثية، الحرب العسكرية لم تعد ذات جدوى ولذلك التزمت بالهدنة دون إعلان موافقتها على تمديدها لأنها وجدت أن الحرب الاقتصادية على الحكومة الشرعية أكثر جدوى وتأثيرا في معادلات السياسة، وقد تحقق لها هذه الحرب أهدافا أكثر من الحرب في جبهات القتال”.