صحيفة دولية : الضربة الأميركية – البريطانية تؤهل الحوثيين إقليميّا بدل محاصرتهم
ويجعل التصعيد في البحر الأحمر السعودية في وضع معقّد ويعيق سعيها للتوصل إلى اتفاق مع الحوثيين على وقف الحرب في اليمن والتفرغ لتنفيذ مشاريعها الكبرى التي يتمركز أغلبها في البحر الأحمر.
وكان ارتباك السعودية أمام المستجدات واضحا إذ دعا بيان للخارجية السعودية إلى ضبط النفس، وهي الدولة التي لا تزال في حالة حرب مع الحوثيين الذين وصفهم البيان بـ”الجمهورية اليمنية”، وذلك بعد مرور أقل من 48 ساعة على كلمة تهجم فيها زعيم الحوثيين عبدالملك الحوثي على الرياض متجاوزا الأعراف المرعية دبلوماسيّا.
وتوعد عضو المكتب السياسي لأنصارالله (الحوثيين) حزام الأسد برد مؤلم، مشددا على أن تعطيل القدرات العسكرية للجماعة ليس مهمة سهلة.
وشنت طائرات حربية وسفن وغواصات أميركية وبريطانية عشرات الضربات الجوية في أنحاء اليمن الليلة قبل الماضية ردا على هجمات قوات جماعة الحوثي التي استهدفت سفنا في البحر الأحمر، ما يؤدي إلى اتساع رقعة الصراع الناجم عن الحرب الإسرائيلية في غزة.
ويرى مراقبون أن الولايات المتحدة بتنفيذ هذه الضربة تكون قد سقطت في ما تجنبته مدةَ أسابيع، أي توسيع رقعة الحرب، محذرين من أن الحوثيين جماعة تنظر إلى الحرب كهدف، ولا يهمها حجم الخسائر العسكرية التي تتلقاها ولا الخسائر التي تلحق المدنيين من ضربات أميركية قادمة، وأن ما يعنيها إثبات قدرتها على مواجهة الأميركيين ونيل استحسان إيران وتقديم نفسها كنسخة جديدة من حزب الله.
ويشير المراقبون كذلك إلى أن الحوثيين لديهم قدرة كبيرة على تحمل ضربات جوية أميركية، ولديهم خبرات اكتسبوها من الحرب مع السعودية ستساعدهم على ذلك.
ويقول ماجد المذحجي، الشريك المؤسس لمركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية، إن “الحوثيين محصنون ضد الضربات الجوية”.
ويضيف “لقد تعلّموا على مدى سنوات تجنب الضربات وإخفاء ترسانتهم من خلال الاستفادة من الجغرافيا الصعبة في المنطقة”، معتبرا أن “تلك الضربات يمكن أن تدمر جزءا من قدراتهم العسكرية، لكنها لن تقضي عليها، وسيظل التهديد كبيرا”.
وبغض النظر عن أي رد انتقامي، تعهد الحوثيون بمواصلة استهداف ما يعتبرونه خط الشحن المرتبط بإسرائيل في البحر الأحمر، وهو أحد أكثر طرق التجارة ازدحاما في العالم.
ويقول فابيان هينز، الباحث في المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية، إن “الكثير من الأنظمة التي يستخدمها الحوثيون صغيرة جدا ومتحركة كثيرا، لذلك من السهل توزيعها على كافة أنحاء البلاد”.
ويضيف هينز “لقد تكيّف الحوثيون خلال الحرب في اليمن، وهم جيدون جدا في إخفاء أصولهم. ولمعرفة أماكن التخزين وأين تتواجد مواقع الإطلاق أو من هم الأشخاص رفيعو المستوى، فإن المعلومات الاستخبارية مهمة للغاية”.
ولا يُستبعد أن يفكر الحوثيون في شن هجوم واسع النطاق في البحر الأحمر، في محاولة لإرباك الأهداف العسكرية باستخدام طائرات دون طيار وصواريخ وألغام وعبوات ناسفة بدائية الصنع.
ولا توجد مؤشرات على أن لدى الولايات المتحدة رغبة في التصعيد، وهو توجه عكسته تصريحات باتريك رايدر المتحدث باسم البنتاغون الذي قال إن الضربات الأميركية والبريطانية كانت لها “تأثيرات جيدة” وإن البلدين سيواصلان مراقبة الوضع تحسبا لأي ضربة انتقامية.
وتراوحت ردود الفعل الإقليمية بين الدعوة إلى التحفظ وضبط النفس وبين وضع أمن البحر الأحمر خطا أحمر لا يحق لأي جهة تهديده تحت أي عنوان كما جاء في بيان الخارجية الإماراتية التي قالت إن أبوظبي “تعرب عن قلقها البالغ من تداعيات الاعتداءات على الملاحة البحرية في منطقة باب المندب والبحر الأحمر”، وأنها “تمثل تهديدا غير مقبول للتجارة العالمية ولأمن المنطقة والمصالح الدولية”. وأكدت “أهمية الحفاظ على أمن المنطقة ومصالح دولها وشعوبها ضمن أطر القوانين والأعراف الدولية”.
وحدها سلطنة عمان التي أبدت موقفا واضحا ضد الضربة الأميركية والبريطانية مستنكرة لجوء “دول صديقة” إلى عمل عسكري ضد اليمن، وهو موقف مفهوم بسبب قرب مسقط من طهران ودورها في الوساطة اليمنية – اليمنية رغم انتقادها على أنها قريبة إلى الحوثيين أكثر من كونها وسيطا.
وتواجه السعودية، المعنية مباشرة بأي تطور يحدث في اليمن، وضعا صعبا؛ فهي لا تستطيع إدانة تهديد الحوثيين لأمن البحر الأحمر وإظهار دعمها الصريح للضربة لأن ذلك يهدد رغبتها في التوصل مع الجماعة إلى اتفاق يتيح لها الخروج من حرب اليمن وتأمين حدودها من أي هجوم حوثي.
وبالنسبة إلى السعوديين أيضا يأتي هذا التصعيد في غير وقته؛ لأنه سيعرقل الاتفاق مع الحوثي، وخاصة يهدد إنشاء عدد كبير من المنتجعات التي يمكن أن تساعد في تحويل المملكة إلى منطقة سياحية نشطة.
لكن ما قد يشفع للسعودية لدى الحوثيين أنها لم تنخرط في “عملية حارس الازدهار”، التي تقودها الولايات المتحدة في البحر الأحمر وتستهدف منع الهجمات الحوثية، كما أشار إلى ذلك المحلل السعودي المقرب من الحكومة علي الشهابي.
ويقول الشهابي “أعتقد أنه لم يكن أمام السعودية أي خيار سوى البقاء خارج العملية نظرا إلى محادثات السلام في اليمن، رغم أن السعودية تشعر بالقلق بشأن الملاحة أيضا، لذلك من الصعب المشاركة فيها”.