7 ألوان شكّلت “ملامح” المكان “القَط” العسيري
يعتمد على الزخارف الهندسية البديعة المستوحاة من الثقافة المحيطة
ويختلف تنسيق درجات الألوان حسب موقع المنزل سواء كان في الأصدار، أو الهضاب الداخلية، أو مرتفعات السراة، أو السهل التهامي، حيث يستخدم أهالي منطقة عسير في تلوين رسوماتهم ووحداتهم الزخرفية صبغات طبيعية مأخوذة من بعض النباتات والطين أو من الأكاسيد الحجرية.
ويحضر “القط العسيري” جامعًا تلك الألوان الطبيعة بوصفه فنًا يزين جدران المنازل في منطقة عسير منذ مئات السنين، ويعتمد على الزخارف الهندسية البديعة التي تستوحي أبعادها ودلالاتها من الثقافة المحيطة، وخصوصاً ألوان الطبيعة.
وكلمة “قَط” في معاجم اللغة العربية تعني “خَط” أو “نحت” أو”قطع”، وهو ما تفعله مبدعات المنطقة من النساء في المنازل، وخصوصاً منازل الأثرياء ووجهاء المجتمع قديمًا، ليدخل فن” القط العسيري” إلى واجهة الاهتمام العالمي بعد أن تم اختياره ضمن القائمة التمثيلية للتراث العالمي غير المادي، لدى منظمة “اليونسكو” في عام 2017م.
وتنساب الألوان من أنامل السيدات في تكوينات جمالية متنوعة وبأساليب متعددة حسب طبيعة السطح ومدى ارتباطه بخامات التنفيذ، وعلى الرغم من اختلاف تلك الأساليب، فإن الطابع الشعبي البسيط يغلب على كثير منها.
وتتعامل الفنانة الشعبية أو كما تعرف باسم “القَطاطة” في منطقة عسير مع أنواع من الألوان المستخلصة من مساحيق الأحجار الكلسية، أو من الطينات الملونة، أو من بعض النباتات والثمار الطبيعية أو من ألوان جاهزة الصنع على شكل مساحيق، تقوم بتحضيرها بنفسها، بإضافة المواد المثبتة والملمعة إليها.
وتستخدم “القطاطات” الألوان الأساسية “الأحمر، والأصفر، والأزرق” بشكل رئيس، إضافة إلى الألوان الثنائية مثل” الأخضر، البرتقالي”، كما يستخدمن اللونين الأبيض والأسود.
الزخارف الخارجية يقوم بإبداعها الرجال بينما تنقش النساء ما بداخل المنزل
وأوضح أستاذ الآثار والفنون الإسلامية بقسم التاريخ والآثار في جامعة الملك خالد الدكتور علي مرزوق، أن منطقة عسير تمتاز بغنى فني وثراء تشكيلي زخرفي شغل إنسان المنطقة، وانعكس على الواجهات والحوائط الداخلية التي جُملت بوحدات زخرفية جاذبة نابعة من معطيات بيئته، وقائمة على الوحدات الهندسية المجردة والعناصر الزخرفية النباتية والأشكال الرمزية المستمدة من النباتات والجمادات.
ولفت إلى أن الزخارف الخارجية يقوم بإبداعها الرجال، بينما تقوم النساء بنقش ما بداخل المنزل، لتضفي هذه الزخارف والرسوم الشعبية بقيمها الفنية والجمالية إلى إحساس الزائر الرهبة والوقار.
ومع إدراك أهالي منطقة عسير أهمية تجميل وتزيين مساكنهم التقليدية، كانت الطبيعة من حولهم تزيدهم إلهاماً لما تمتاز به من جمال، فاستمدوا منها زخارفهم ونقوشهم وألوانهم، لتخرج بشكل بديع لا يزالون يذكرونه ويعيشونه بأشكالها من الخط المستقيم، والمثلث، والدائرة، والمربع.
واعتمد أهالي المنطقة على المصادر الطبيعية في استخراج الألوان السبعة، حيث يستخرج اللون الأخضر من “القضب” (البرسيم)، وغالباً ما تطلى أسفل حوائط الغرف الداخلية باللون الأخضر بارتفاع المتر تقريبًا.
ويستخرج اللون الأسود بثلاث طرق: أولها من جذوع شجر الغرب أو العتم، أو عبر طحن الفحم، أو استخراجه من البرسيم، وتطلى به جوانب الأبواب، والشبابيك، لتحافظ على الأخشاب من التآكل ولمقاومة العوامل الطبيعية.
أما اللون الأحمر فيشترك مع اللون الأسود بوجود ثلاث طرق لاستخراجه، هي الحجارة الحمراء والغنية بأكسيد الحديد، أو الطين الأحمر، أو من خلال خلط ما يسمى بـ”الحُسن” مع “المُر”، ويستخدم في طلاء أسقف المنازل.
زخارف متنوعة بأشكال هندسية ونباتية، وأحياناً الاستحضارية والكتابية
فيما يحضر اللون الأزرق من مسحوق النيل الأزرق وهو عبارة عن مكون صخري رسوبي يضاف إليه الماء بنسب محددة، وتقوم الفنانة الشعبية في منطقة عسير باستخدامه في تلوين زخارفها الجدرانية بعد إضافة الصمغ النباتي إلى الخليط ليكون أكثر ثباتاً وتماسكاً، ويستخدم في تلوين المساحات القريبة من النوافذ.
أما خامس الألوان فهو اللون البرتقالي، وهو من الألوان المفضلة لدى أهالي منطقة عسير حيث يمدهم بالدفء نظراً لبرودة الأجواء، فكان يستورد من الخارج على شكل بودرة مطحونة، فيما يستخلص اللون الأصفر من مسحوق الكبريت الطبيعي، الذي يُجلب من الجبال والتلال، كما كان يستخلص من قشر الرمان.
وبالنسبة للون الأبيض الحيادي، فلم يغب عن الحضور في زخارف عسير المرتبطة بالعمارة التراثية، حيث استخدم بكثرة على واجهات المساكن الطينية، وعلى الحوائط الداخلية؛ لسهولة الحصول عليه من الجبال واستخدامه، ويطلق عليه أهالي المنطقة “جص”.
ويعد سبب تميز هذه الفنون بمنطقة عسير إلى إدراك أهاليها أهمية تجميل وتزيين مساكنهم التقليدية، مستمدين زخارفهم ونقوشهم من الطبيعة التي كانت مصدر إلهامهم، حتى خرجت زخارف شعبية متنوعة بأشكال هندسية ونباتية وأحياناً الاستحضارية، والكتابية.