السلاح والمخدرات.. أوراق القوى المعادية لإعادة الجنوب إلى الفوضى
ظاهرة انتشار الأسلحة النارية في محافظات الجنوب وتحديداً في العاصمة عدن ، ظاهرة قديمة ويتحدد عمرها على وجه الدقة ،بعد اجتياح الجنوب واحتلاله في صيف 1994 م . وقبل ذلك كان السلاح الشخصي سواء الكلاشنكوف أو المسدسات، حكرا على الدولة ومؤسساتها الدفاعية والأمنية ، وله ضوابط مقننة ، لا يمكن مشاهدته كظاهرة في المدن ، بل في نطاق مهام امنية او عسكرية، وقد صنفت دولة الجنوب وقتذاك في قائمة الدول المستقرة والخالية من التطرف و الظواهر المخلة بالأمن والسكينة العامة.
منذُ احتلال الجنوب الأول، ظلت هذه الظاهرة، تخبو حينا وتظهر في أحايين أخرى وفقا لسياسات نظام صنعاء إزاء الجنوب، وفي سياق نهجه الدؤوب لترهيب الحياة العامة وخلق بؤر للجريمة، منها الجريمة الارهابية التي تم زرعها و تجذيرها على مدى ربع قرن ونيف على شكل تنظيمات وخلايا ومعاقل، وسخرها في بادئ الأمر لجعل الجنوب، بيئة عنف وساحة جريمة، ومن ثم لستخدمها لكبح جماح الثورة الجنوبية التحررية وحراكها السلمي واغتيال قادتها و ناشطيها.
وعقب دخول منظومة صنعاء في صراع على كرسي السلطة، في عام 2011 م وانتقال الثورة الجنوبية وحراكها السلمي وجناحها المسلح – المقاومة الجنوبية – إلى مرحلة من القوة التي لا يمكن كبحها، عمدت منظومة صنعاء الحاكمة بشقيها الاخواني والعفاسي، إلى إغراق الجنوب بالسلاح والمخدرات لا سيما العاصمة عدن، وتمكين التنظيمات الارهابية من السيطرة على مدن جنوبية كعاصمة محافظة أبين ومناطق في شبوة ومن ثم مدينة المكلا حاضرة حضرموت.
شحن العاصمة عدن وحقنها بأدوات العنف
ولنا أن نتذكر، ضبط ميناء عدن مطلع كانون الثاني 2012 م شحنة اسلحة، مسدسات كلوك” ربع” وكاتم صوت كانت محملة في سفينة تركية بعدد 2500 مسدس و مموهة داخل 500 كرتون على اساس انها بسكويت.
ومن المعروف أن مسدسات كاتم الصوت تعد ابرز ادوات جريمة الاغتيالات وكذلك مسدسات كلوك ربع، ذات الصناعة التركية، وقتها كانت العاصمة عدن، تخضع لسلطة إخوانية ممثلة بالمحافظ الإخواني وحيد رشيد الذي حاول التظليل على الشحنة وصرف الأنظار عنها ولم تمر سوى اشهر حتى ظهرت تلك الصفقة في جرائم اغتيالات طالت العشرات من الكوادر الجنوبية لا سيما الكوادر النوعية كالطيارين وضباط جهاز المخابرات الجنوبي السابق.
وقبل الاحتلال الثاني للجنوب من قبل المليشيات الحوثية وقوات عفاش، اقدمت كل القوى اليمنية وفي طليعتها جماعة الإخوان من خلال سيطرة حزبها على معظم مؤسسات الدولة على ما شيبه سباق تسليح عناصر وخلايا سرية داخل العاصمة عدن وغيرها من مدن الجنوب، لخلط الأوراق وإغراق الجنوب بالفوضى، أعقب ذلك تسليم مخازن السلاح لعامة الناس، كما جرى لمخازن السلاح في جبل حديد وقتذاك، بالتوازي مع تسليم معسكرات في كل من أبين وشبوة وحضرموت للعناصر الإرهابية، وهو الأمر الذي ضاعف إنتشار ظاهرة حمل السلاح في عدن و الجنوب بشكل عام وكذا المخدرات، مشكلة تهديداً حقيقياً للسلم الأهلي ولحق المواطنين بالأمن الشخصي، ولحقهم أيضا في الحياة وفي السلامة الجسدية.
بعد تحرير العاصمة عدن
وعقب تحرير العاصمة عدن من المليشيات الحوثية، في الـ 17 يوليو 2015، واجهت المقاومة الجنوبية هذه الظاهرة التي استغلتها التنظيمات الإرهابية من خلال شراء السلاح بمختلف الاعيرة، وفي إنتشار الجريمة والنشاط داخل وضع أمني كهذا.
وإزاء ذلك، نفذت المقاومة الجنوبية بقيادة الرئيس عيدروس الزبيدي واللواء شلال علي شايع، حينما تولى قيادة السلطة المحلية بالعاصمة عدن، بعد إغتيال المحافظ السابق جعفر محمد سعد، وجرى ذلك من خلال التشكيلات العسكرية والأمنية الناشئة وقتها، كالحزام الأمني وقوات الطوارئ والعاصفة، وبدعم من القوات الاماراتية، حملات أمنية واسعة على العناصر والخلايا الإرهابية وظاهرة حمل وحيازة السلاح، وتمكنت من طرد العناصر الارهابية التي كادت ان تعلن العاصمة عدن إمارة تابعة لها وكذلك مدينة الحوطة عاصمة محافظة لحج.
معسكرات وأطراف التسليح الممنهج
من المعروف ان الفوضى التي تفتح الابواب على مصراعيها للإرهاب، هي فوضى منظمة، تبدأ اول خطواتها بإنتشار جريمة الإتجار بالمخدرات وجعل السلاح في متناول الجميع ، ومكاثرته حتى يصبح أكثر بكثير مما لدى الدولة وأجهزتها الأمنية، ولعل هذا الحال، هو الذي واجهته السلطات الامنية في العاصمة عدن ومعظم مدن الجنوب، على مدى عامي 2015 / 2016 وحتى في عامي 2017 / 2018، فرغم تنفيذها حملات أمنية للقضاء على ظاهرة حمل السلاح غير المرخص والحد منها، إلا أن أطراف يمنية ومن خلال ادواتها وإستئثارها بمقدرات ما عرفت بالحكومة الشرعية المالية والعسكرية، عمدت على تشكيل وحدات عسكرية وأمنية في الجنوب وتسليح المئات من الشباب ليكونوا اداة تلك الاطراف في زعزعة الامن والاستقرار بالعاصمة عدن على وجه الخصوص، وإعاقة الخطط الامنية.
وكان من أبرز زعماء تلك العناصر المسلحة المدعو أمجد خالد، الذي حول معسكر النقل إلى غرفة تحكم وإدارة لفوضى السلاح والجريمة المنظمة منها الإرهابية بالعاصمة عدن، وجعل المعسكر وجزء واسع من مدينة دار سعد إلى منطقة تجمع للعناصر المسلحة منهم من ثبت تورطهم في عمليات إرهابية، وكشف ذلك جليا عقب طرده ومداهمة المعسكر ومنزله حيث عثرت القوات الأمنية على متفجرات جاهزة للتفجير كالعبوات الناسفة، وأسلحة مختلفة الأعيرة، منها المضادة للدروع وكميات كبيرة من القذائف وأجهزة تستخدم في تفجير العبوات الناسفة عن بعد.
كما اثبتت التحقيقات مع العناصر الإرهابية التي نفذت عمليات إرهابية بالعاصمة عدن، ان الإرهابي أمجد خالد هو من ادار تلك العمليات بدعم حوثي واخواني ومن معسكره بمنطقة التربة محافظة تعز تم تجهيز السيارات المفخخة وإرسالها الى عدن، كما كشفت إعترافات الخلايا الإرهابية التي تم ضبطها بعدن، أن الإرهابي امجد خالد لا يزال يجند عناصر إرهابية واخرى مسلحة بهدف إرسالها الى العاصمة عدن.
العاصمة عدن في حدقات أعين رجال أمنها
يمثل الأمن والاستقرار بالعاصمة عدن، شرطا أساسيا للنهوض بمختلف الجوانب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وبناء على هذه الحقيقة التي تتسم بها خصوصية العاصمة عدن، فقد نفذت الأجهزة الأمنية جملة من الاستراتيجيات الامنية ، لتعزيز الأمن والاستقرار، آخذة في الحسبان ان القوى المعادية ستعمل على إفشال تلك الاستراتيجيات من خلال إغراق المدينة بأدوات ووسائل الجريمة، كالسلاح والمخدرات، وهذا ما حدث فعلا ، إلا أن إصرار ومتابعة وإشراف القيادة السياسية العليا ممثلة بالرئيس القائد عيدروس الزبيدي ووزير الدولة محافظ العاصمة أحمد حامد لملس، إضافة الى التكامل والتعاون بين القوات الامنية بمختلف تخصصاتها وبينها والمجتمع المدني، قد قطعت شوطا كبيرا في مواجهة والقضاء على الظواهر المخلة بالأمن والاستقرار، وهذا يلمسه المواطن على ارض الواقع اليوم، وعبرت عنه البعثات الدبلوماسية والإعلامية الإقليمية والدولية، حيث لم يبق من ذلك الهول الذي عاشته العاصمة عدن عقب تحريرها، سوى تخيلات وفبركات اعلامية معادية، مزالت على ديدنها القديم، في توظيف الوقائع والأحداث الجنائية، التي لا تخلوا منها عواصم الدول العظمى، لتشويه الاستقرار الأمني الذي تشهده العاصمة العاصمة عدن.
يتجلى مما سبق أن العاصمة عدن عرضة لاستهداف مدنيتها ورمزيتها كعاصمة للجنوب، بيد أن قدرتها في المواجهة باتت اقوى في فرض شروطها الحضارية ومكانتها التاريخية والسياسية للجنوب، وهذه القدرة والجدارة في الغلبة والتغلب على المشاريع والأجندات المعادية ،هي ما يسودها اليوم على أرض الواقع ، وما النجاحات التي حققتها الحملة الامنية التي انطلقت للقضاء على ظاهرة حمل السلاح غير القانوني ،خلال الخمسة الأيام الماضية وكإمتداد لحملات سابقة ، إلا وجها من أوجه قوة حماة امنها ومدنيتها ومكانتها.